المسيّرات الإيرانيّة: نامت في لبنان واستفاقت في السعوديّة
أحمد عياش – أساس ميديا
الأنباء الأخيرة عن المسيّرات الإيرانية، التي أطلقها الحوثيون واستهدفت منشآت النفط في المملكة العربية السعودية، قفزت إلى واجهة الاهتمام من زاوية التحذير الذي أطلقته الرياض من مغبّة هذه الاعتداءات وتأثيرها على إمدادات البترول عالمياً.
في المقابل، تراجع الاهتمام بالمسيّرات الإيرانية التي بحوزة “حزب الله”، والتي تصدّرت الأحداث الأشهر الماضية بعد إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في منتصف شباط الماضي أنّ “المقاومة بدأت منذ مدّة طويلة بتصنيع المسيّرات”، وأنّ هناك “تراجعاً كبيراً في وجود المسيّرات (الإسرائيلية) في سماء لبنان”.
لماذا تقدّمت المسيّرات الإيرانية في اتّجاه السعودية وتوارت حالياً في لبنان، خلال شهريْ شباط وآذار؟
ما بات واضحاً أنّ اعتداءات الذراع الإيراني في اليمن على المملكة ترافقت مع حدثيْن:
– الأول هو قُرب التوصّل إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
– والثاني هو انطلاق المشاورات اليمنية – اليمنية، نهاية الشهر الحالي، برعاية الرياض واستضافتها. وستضمّ كما قال مسؤول خليجي لـصحيفة “الشرق الأوسط” بالأمس “وجوهاً جديدة، وشخصيات من جميع المحافظات الشمالية والجنوبية، وحتى من العاصمة صنعاء وطوقها”.
في المقابل، انكفأت المسيّرات الإيرانية في لبنان، وكانت بلغت ذروة نشاطها في الثلث الأخير من الشهر الماضي عندما نجحت مسيّرة لـ”حزب الله” في التحليق في أجواء إسرائيل، من دون أن تتمكّن منظومات الدفاع الجوي وسلاح الجوّ من اعتراضها وإسقاطها. وترافق ذلك مع إعلان الإعلام الإسرائيلي في منتصف الشهر الحالي عن “تدمير مئات الطائرات الإيرانية بدون طيّار خلال الغارات الجوية على قاعدة في غرب إيران الشهر الماضي”، حسبما ذكرت صحيفة “هآرتس”. في المقابل، ردّت طهران على تدمير مسيّراتها بقصف أربيل بالعراق قبل نحو أسبوع.
عزت أوساط إعلامية قريبة من “حزب الله” انحسار الاهتمام بموضوع المسيّرات إلى أنّ إسرائيل بدّلت سلوكها في ما يتّصل بإطلاق المسيّرات في الأجواء اللبنانية، إذ قلّصت هذا التحليق إلى الحدّ الذي يسمح لها بضمان سلامة هذه الطائرات في الأجواء اللبنانية وعدم تعرّضها للإصابة بسلاح الحزب.
معلومات قاسم قصير
لكن ماذا عن التقرير الذي نشره “أساس” في أول آذار الحالي، وكتبه الزميل قاسم قصير، وورد فيه أنّ “العدوّ الصهيوني نجح في الوصول إلى أحد مخابئ الطائرات المسيَّرة التابعة للحزب وتدميرها من خلال عملية كوماندوس خاصة، والحزب لم يكتشف هذه العملية إلا بعد انتهائها وعودة الكوماندوس من حيث أتى”.
في موازاة النفي الذي أصدره الحزب لهذا التقرير، تؤكّد معلومات متّصلة بهذا التقرير أنّ الإسرائيليين قد نفّذوا فعلاً “عملية الكوماندوس” هذه في منطقة عين قانا بجنوب لبنان. ولم تشأ الأوساط الإعلامية القريبة من الحزب الإعلان عن هذه العملية، لكنّها قالت إنّ “بين حزب الله وإسرائيل حرباً أمنيّة لا تهدأ، تتميّز بضربات تحت الحزام، لكنّها بعيدة عن الأضواء، كي لا ينجرّ الطرفان إلى مواجهات مكشوفة”.
كان لافتاً أنّ قناة “الميادين”، القريبة من الحزب، هي التي بادرت أخيراً إلى نشر معلومات تتّصل بالغارة الإسرائيلية على القاعدة الإيرانية في كرمنشاه في منتصف شباط بواسطة ستّ طائرات هجومية بدون طيّار على الأقلّ، التي تسبّبت بأضرار كبيرة لأسطول الطائرات بدون طيّار الإيراني.
في 18 الجاري، نشرت “وول ستريت جورنال” تقريراً حمل عنوان “كيف خسر بايدن المملكة العربية السعودية”. وجاء فيه: “كان أحد الإجراءات الأولى في السياسة الخارجية للإدارة الحالية هو إنهاء الدعم الأميركي لحرب المملكة العربية السعودية ضدّ الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. وأزالت إدارة بايدن الحوثيين من لائحة الإرهاب. ثمّ أرجأ البيت الأبيض صفقة مقرّرة لبيع الأسلحة إلى الرياض، وهي صفعة في مواجهة الأمن لم يكن من الممكن عكسها حتى أواخر العام الماضي”.
أضاف تقرير الصحيفة الأميركية: “ردّ الحوثيون هديّة بايدن بإرسال طائرات بدون طيّار وصواريخ لمهاجمة حقول ومدن النفط في المملكة العربية السعودية وحليفتها الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت نفسه، راقبت المملكة العربية السعودية في رعب السيد بايدن وهو يسعى إلى إبرام اتفاق نووي جديد من شأنه أن يمنح إيران الموارد اللازمة لتمويل الحروب بالوكالة ضدّ المملكة العربية السعودية، حتى تمتلك طهران قنبلتها النووية الخاصة”.
ومضى التقرير قائلاً: “يعيد السعوديون حساب مصالحهم الآن، لأنّهم يخشون ألّا يتمكّنوا من الاعتماد على الولايات المتحدة وسط عداء إدارة بايدن والانسحاب المروّع من أفغانستان. ورفض وليّ العهد (الأمير محمد بن سلمان) عرض بايدن بضخّ المزيد من النفط، ويُقال إنّه رفض تلقّي المكالمات الهاتفية للرئيس (بايدن)”.
وخلص التقرير إلى القول: “في هذه الحقبة الجديدة من التنافس بين القوى العظمى، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تنفّر الحلفاء الذين يمكنهم المساعدة في ردع المعتدين السلطويين عن الإضرار بمصالح أميركا وقيمها. وقد تدفع الولايات المتحدة ثمن خسارة المملكة العربية السعودية في الأزمة الأوكرانية”.
في الخلاصة: هل من مبالغة في القول إنّ مسيّرات إيران تحلّق وفق مسار مَن تصفهم طهران بالـ”أعداء”، احتذاءً بشعار مؤسّس الجمهورية الإسلامية: “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”؟
اليوم تغطّ هذه المسيّرات في نوم بلبنان وفق مشيئة إسرائيل، لكنّها استيقظت في السعودية على رنين المنبّه الأميركي!