الطاقة لن تصدر جدول أسعار المحروقات بلا موافقة استثنائيّة
أمس، تبلّغت وزارة الطاقة من شركة النفط العراقية أن الشحنة الأولى من الفيول ستكون جاهزة في 3 أيلول. وإذا صدقت وزارة الطاقة، فإن المناقصة المرتبطة باستبدالها ستُطلق خلال يومين، تمهيداً لتسلّم الشحنة في الثلث الأول من أيلول. لكن على المقلب الآخر، لم تنته بعد تداعيات قرار مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات. أربعة أيام وينتهي المخزون، فيما الشركات لم تتمكن بعد من فتح اعتمادات لشحنات جديدة. وإذا كان المصرف المركزي قد حسم أمره باعتماد سعر «صيرفة»، فإن ذلك لن يكون كافياً لتصدر وزارة الطاقة جدول الأسعار الجديدة. وهي لن تفعل إلا بعد الحصول على قرار استثنائي موقّع من رئيسَي الجمهورية والحكومة يُشرّع السعر المُحدّد من المصرف
أزمة المحروقات والكهرباء قطعت سبل العيش، بالنسبة إلى كل القاطنين في هذه البقعة الجغرافية. الموت البطيء تسارع في نهاية الأسبوع. كارثة عكار هي تكثيف للكوارث المتلاحقة التي تطاول الناس يومياً. وكل ذلك بلا أفق. حتى إذا شُكّلت الحكومة صار واضحاً أنها لن «تشيل الزير من البير». أزمة الكهرباء مستمرة. الدولة تكاد تفقد سلطتها على الأطراف، كما على المركز. لا هيبة للمكلفين بالحفاظ على الأمن. مصادرة شاحنات الفيول واقتحام محطات التحويل نموذجاً. القوى الأمنية لن تستطيع أن تحرس أكثر من مئة محطة تحويل، ولن تستطيع أن تحرس كل الطرقات لمنع مصادرة شحنات الفيول، ولن تستطيع توزيع المازوت على المطاحن والمستشفيات. وحتى عندما توحي بأنها تتولى زمام المبادرة لتساعد الناس، تكون النتيجة مزيداً من الفوضى. عشرات الإشكالات التي تشهدها محطات البنزين ومحطات توزيع الغاز والأفران تعود إلى سبب واحد: السلطة تخلت عن الناس وتركتهم لمصيرهم. وهم لم يعد أمامهم سوى إنقاذ أنفسهم.
لكن ماذا بعد؟ لم يعد السؤال عن الكهرباء يجدي. كل المعنيين في وزارة الطاقة وكهرباء لبنان يكادون يستسلمون. انقطاع شامل للكهرباء ثلاث مرات خلال يومين ليس أمراً بسيطاً. وهو يمكن أن يتكرر عشرات المرات، إن لم تتحرر محطات التوزيع من الاعتداءات المتكررة. ملف الصيانة لا يزال، بدوره، عالقاً بانتظار موافقة مصرف لبنان. مرت خمسة أشهر من دون إجراء أي نوع من الصيانة للمعامل، في ظل رفض المصرف تأمين الدولارات التي تحتاج إليها المؤسسة وفي ظل لامبالاة كل المسؤولين بسياق سيؤدي قريباً إلى إطفاء المعامل، أسوة بما يحصل في معملَي الزوق والجية (يعملان بـ 10 في المئة من طاقتهما، بسبب الحاجة إلى قطَع الغيار والزيوت). سبق للمؤسسة أن أعلنت مراراً أنها تملك الأموال، لكنها كمؤسسة عامة لا يمكنها طلب الدولار من السوق، فمصرف لبنان هو مصرف القطاع العام، وهو الملزم بتأمين حاجة هذا القطاع. هذا ما يؤكده رياض سلامة أيضاً، لكنه لا ينفذه. وإذا كان هو يتقاعس عن دوره، بحجة رفض المس بالاحتياطي الإلزامي، علماً بأنه سبق أن رفض تمويل حاجة المعامل حتى قبل الوصول إلى حدود الاحتياطي، فإن على السلطة السياسية، حكومة ومجلساً، أن تتحمل المسؤولية، إلا إذا كانت تسانده في السعي إلى إطفاء المعامل. فالمطلوب قانون يُلزم المصرف بتأمين الأموال للصيانة، لكن التجربة تشير إلى أن السلطة نفسها حاربت عملية إعطاء سلفة لكهرباء لبنان لتأمين الفيول، واكتفت بإقرار سلفة بقيمة 200 مليون دولار لم يبق منها شيء. وإذا كانت وزارة الطاقة قد حسمت أمرها بعدم طلب سلفة جديدة، لأنها تدرك سَلَفاً حجم الاستغلال السياسي، فإن المؤسسة سبق أن أبدت استعدادها لدفع ثمن أربع شحنات من أموالها، لكنها بطبيعة الحال تطالب مصرف لبنان بأن يحوّل الأموال إلى دولارات، من دون نتيجة حتى اليوم.
أمام قتامة المشهد، ثمة ضوء لا يزال يأتي من العراق. حتى اليوم، وبالرغم من التأخير في تنفيذ الاتفاق، إلا أن وزارة الطاقة تؤكد أن وصول أول باخرة فيول لن يتأخر عن الأسبوع الأول من أيلول. وفي التفاصيل، أبلغت شركة «سومو» العراقية وزارة الطاقة أن الشحنة الأولى ستكون جاهزة بين 3 و5 أيلول، وستحمل 83 ألف طن من الفيول الأسود. وعملياً، فإن تحديد الموعد كان الخطوة الأخيرة المنتظرة، بعد موافقة الجانبين اللبناني والعراقي على ثلاثة طلبات لشركات عالمية أبدت رغبتها في المشاركة في المناقصات، علماً بأن شركتين أخريين عادتا وقدّمتا طلباً للمشاركة.
وإذا صدقت مصادر الوزارة، فإن إطلاق المناقصة سيجري بين اليوم وغداً، بحيث يعمد من تقدم بالعرض الأفضل للحصول على الفيول العراقي بدلاً من الفيول المطلوب لمؤسسة كهرباء لبنان. وبحسب المعلومات، ففي حال تشكيل الحكومة سينصب الجهد الفعلي على زيادة إنتاج كهرباء لبنان، علماً بأن المؤسسة لا تزال تلتزم بإنتاج 800 ميغاواط، في إطار السياسة الاحترازية التي تعتمدها. لكن هذا المعدل الذي يؤمن ما بين 3 و6 ساعات من التغذية، حتى لو حلّت مسألة السيطرة على بعض المحطات، لن يكون كافياً للحد من الحاجة الهائلة إلى المازوت.
ما يحصل اليوم يؤكد أنه لا يمكن الاعتماد على المولدات الخاصة كمنتج أساسي للطاقة. الشح في مادة المازوت جعل أغلب المناطق تعيش عتمة قاسية وتقنيناً غير مسبوق. الأسوأ أن المخزون المتوفّر من المازوت والبنزين لن يكفي لأكثر من أربعة أيام، بحسب وزارة الطاقة، فيما لم تُحسم بعد مسألة رفع الدعم، وبالتالي فإن شركات النفط لم تتمكن بعد من فتح اعتمادات لشحنات جديدة. فبعدما شهد يوم السبت الاتفاق مع مصرف لبنان على تحرير المخزون الموجود لدى الشركات على سعر 3900 ليرة، لم تتبلّغ وزارة الطاقة بقرار المصرف بشأن سعر الدولار الذي سيخصص لاستيراد المحروقات. وإذا كانت قد بُذلت مساع لاعتماد سعر 12 ألف ليرة كمرحلة انتقالية، فقد حسمت مصادر مصرفية الأمر، مشيرة إلى أن سعر منصة «صيرفة» للدولار هو الذي سيعتمد، بحيث يؤخذ معدل الأسعار خلال أسبوع كمعيار للتسعير (ما بين 17 ألف ليرة و18 ألف ليرة للأسبوع الماضي).
الجديد أن مصادر مسؤولة في وزارة الطاقة أكدت أنها لن تُصدر جدول الأسعار حتى لو تبلّغت من قبل المصرف المركزي بالسعر الجديد للدولار. فوزير الطاقة هو عضو في الحكومة التي يرفض رئيسها قرار وَقف الدعم، كما يرفضه رئيس الجمهورية، وبالتالي لا يمكنه التغاضي عن موقفهما والذهاب إلى تنفيذ قرار صادر عن مصرف لبنان.
تختصر المصادر موقف الوزارة بالإشارة إلى أن السعر الحالي للمحروقات سيبقى معمولاً به إلى حين صدور الجدول الجديد. والأخير لن يصدر إلا وفق الآلية التي صدر فيها الجدول عندما رفع مصرف لبنان السعر من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة، أي بعد أن يصدر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قراراً استثنائياً، يقضي بالاقتراض من مصرف لبنان الأموال التي تنقل دعم المحروقات من 3900 ليرة إلى سعر منصة «صيرفة».
المشكلة أن لا أحد يملك ترف الوقت. فإذا لم يتراجع مصرف لبنان عن قراره رفع الدعم، أو إذا لم يوقّع رئيسا الجمهورية والحكومة قراراً استثنائياً بتخفيض الدعم، أو إذا لم تقرر وزارة الطاقة إصدار الجدول حتى قبل القرار الاستثنائي، فإن أربعة أيام ستفصل عن الفقدان التام للمحروقات من السوق.