نبيه البرجي-الديار

كلبنان، وكلبنانيين، أمام اشكالية وجودية: أي علاقة مع اسرائيل؟ وما هي تداعيات الكلام حول كون الشيعة  مسؤولين عن خراب لبنان لأنهم وحدهم من يقفون ضد التطبيع، في حين أن أكثر من ثلاثة أرباع العرب، وضعوا الصراع جانباً بعدما اثبت لاجدواه، واختاروا الواقعية كمدخل الى القرن؟

هذه المقاربة محاولة للولوج الى عمق الأشياء. وأنا واثق من أن الاستاذ شارل بشخصيته، وبمواقفه، الوطنية  واللاطائفية، يتفهم المعنى والمعني بهذه المقاربة، انطلاقاً من التماهي الذي بيننا في التفكير، وفي الرؤية، بعيداً عن ثقافة المستنقعات، كما عن ثقافة الأقبية…

ما يحدث على الأرض، وما يحدث على الشاشات، يشي بالوبال العظيم. لا كلمة واحدة عن اسرائيل، كما لو أننا على تخوم امارة موناكو لا على تخوم الدولة التي تختزل أقصى حالات البربرية الايديولوجية، والبربرية الاستراتيجية، على السواء.

الشعارالذي يدوي الآن، على مدار الساعة، وبين الرؤوس الكبيرة والرؤوس الصغيرة، هو سلاح «حزب الله»، حتى ليبدو كما لو أن قراراً كبيراً، وخطيراً، اتخذ في مكان ما بعزل الشيعة، أو بحصار الشيعة، تمهيداً لاحداث تغيير دراماتيكي ان في الصيغة الدستورية، أو في التركيبة الديموغرافية، للبلاد…

ماذا تعني اثارة مسألة السلاح، وبكل ذلك الضجيج السياسي، والطائفي، سوى فتح الأبواب على مصراعيها أمام الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر ؟ وهذا ما يراهن عليه الحاخامات الاسرائيليون بالتفاهم مع الحاخامات العرب الذين يرون قطع الطريق على أي تفاهم بين ادارة جو بايدن وآيات الله، بتفجير «الخاصرة الايرانية»!

ألم يكن من الأفضل تنفيذ ذلك السيناريو ابان ولاية دونالد ترامب بدلاً من الانتظار ليأتي رجل آخر يعتبر أن احدى أولوياته العودة الى الاتفاق النووي، ما يفضي الى اعادة ترتيب العلاقات، والمعادلات، وحتى الى… اعادة ترتيب الكراسي، في المنطقة؟

الكل كان يراهن على بقاء دونالد ترامب، وأن يتولى الفريق التوراتي في الادارة تنفيذ الحلقة الأخيرة من «صفقة القرن» بادخال لبنان في فوضى أبوكاليبتية. تالياً، تتويج بنيامين نتنياهو ملكاً على الشرق الأوسط…

في الوسط الشيعي هواجس هائلة (بما تعنيه كلمة… هائلة): ماذا يمكن أن تفعل بنا اسرائيل، وظلالها في لبنان وفي المنطقة، اذا ما تخلينا عن سلاحنا؟

في الهواجس… ماذا اذا عقد المؤتمر الدولي في ظل الفوضى الراهنة التي تسود المشهد العالمي، باستدعاء أجواء، وديناميات، القرن التاسع عشر، وحيث تحتضن كل دولة كبرى احدى الطوائف، ليكون الشيعة الوقود المجاني لأي صفقة تعقد في حضرة الأساطيل، كما في حضرة القناصل؟

في الوسط اياه، الشيعة وحدهم ولا أحد غيرهم، كانوا ضحايا اتفاق القاهرة عام 1969 الذي سلّم كل الجنوب الى ياسر عرفات، دون أن تتمكن «الثورة حتى النصر»، بالرغم من ملياراتها، ومن عشرات آلاف المقاتلين الذين تم استيراد الكثيرين منهم من أفغانستان، وباكستان, وبنغلادش، من تحرير حفنة من تراب الجليل.

المعادلة على الأرض كانت هكذا. الاطلاق العشوائي للكاتيوشا لترد اسرائيل بالمدافع، وبالطائرات، التي دكت، بالوحشية اياها، المنازل الآهلة دون أن يرف جفن لا للشركاء في الوطن، ولا للأشقاء العرب، ولا لذلك الكائن الخرافي الذي يدعى… المجتمع الدولي.

آنذاك، هل كانت ايران هناك؟ وهل كان «حزب الله» هناك؟ السؤال يبقى: لماذا بقيت اسرائيل لنحو عقدين في لبنان بعدما نفذت الهدف من «عملية السلام للجليل»، برحيل عرفات ورجاله الى شتات آخر؟

بقيت لأنها أرادت (وتريد) أن يكون لبنان القهرمانة، وأن تستعيد خطة هنري كيسنجر الذي وصف لبنان بالفائض الجغرافي، وحيث تتم تصفية التراجيديا الفلسطينية على أرضه.

أخذنا علماً، في ضوء الذي يحدث الآن، أن المطلوب تسليم صواريخ «حزب الله» الى مخفر الدرك في حارة حريك. بعد ذلك لكل حادث حديث…