إنذار أخير: الاحتياطيُ استُنفد ومصير الدعم بيد «المنظومة»
وجّه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل يومين كتابا الى وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني، طالبا منه وضع الحكومة تصورا واضحا لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها، لوضع حدّ للهدر الحاصل، وضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان، والعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الصعبة لتغطية كلفة الدعم، والتفاوض مع نقابة المحامين في بيروت في ما يتعلق بالدعاوى القضائية التي صرّح نقيب المحامين انّه سيتقدّم بها، وذلك درءاً لأي مخاطر قانونية وواقعية قد تنتج منها»، متمنياً على وزير المال إعطاء أجوبة واضحة وصريحة بالسرعة الممكنة.
من خلال هذا الكتاب، وجّه سلامة انذارا يُمكن القول انه الاخير الى السلطة السياسية، واضعا اياها امام مسؤولياتها. فهو يمكن ان يستمرّ حتّى تنضبَ «خزانته» في تمويل الدعم والمواد والسلع المشمولة اليوم، وفق الخطط «الرسميّة» التي كانت معتمدة منذ سنوات، فهو يطبّق قرارات متّخذة من قبل السلطة السياسية. غير ان المضي قدما في هذا المسار، سيعني اننا وخلال اسابيع قليلة، سنكون امام «صفر» احتياطي و»صفر» اموال، وامام اسعار مضاعفة وأكثر، ستشهدها الادوية والطحين والمحروقات. هذا ناهيك عن كون الاموال المستخدمة هي ودائع الناس التي ستتبخّر.
بحسب ما تقول مصادر مالية مطّلعة ، فان هذا الجرس أراد سلامة دقّه عاليا للتحذير من «الكارثة» الآتية سريعا، بعد ان لامس «الاحتياطي» الخطوطَ الحمر، ولم يبق فيه الا القليل القليل، وقد اعلن وزير المال بنفسه منذ ايام، ان الدعم بهذه الوتيرة، سيستمر حتى ايار لا أكثر.
حاكم المركزي لم يكتف بالبيان، بل ذهب بالتزامن الى عين التينة حيث التقى الاربعاء رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكان عرض شامل للوضع المالي والنقدي، اضافة الى موضوع الدعم. فالرئاسة الثانية «تمون» وأكثر، على وزير المال. من هنا، طرق سلامة بابها، مطالبا اياها بالضغط على «المالية» للتصرّف سريعا قبل فوات الاوان.
ثمة خطوات كثيرة يمكن القيام بها لإبطاء مسار «استنزاف» الاحتياطي. لكنها قرارات في معظمها تحتاج ضوءا اخضر «سياسيا». اولها طبعا تأليف حكومة، لانها المفتاح لادخال مال طازج واستثمارات الى بيروت. وثانيها، وقف عمليات التهريب عبر اتخاذ قرار حازم وصارم بضبط الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا والتي عبرها، تهرّب البضائع المدعومة من «المركزي»، من اموال الناس، الى الشام، و»على عينك يا تاجر». اما الخطوة الثالثة والاهم فتكمن في «ترشيد» هذا الدعم، بحيث يصيب الاسر الاكثر فقرا والمحتاجين الى المساعدات، بشكل اساسي، فلا يستفيد منه – او لا يستفيد – الغني كما الفقير. اما ما يحصل اليوم، ففوضى وعشوائية لا يخرج منهما منتفعا الا «التجار» و»المهربون»، بينما الناس تتقاتل في المحلات التجارية على غالون زيت وربطة خبز
فهل تلتقط السلطة السياسية التنبيه هذا وتتحرك قبل ان يسبق السيف العذل؟ هل ينقل الرئيس بري الى المعنيين حكوميا وسياسيا وماليا، التحذيرَ الذي أبلغه به سلامة؟ ام هل يستمر التقاعس وتقاذف كرة نار رفع الدعم وترشيده، بين المسؤولين الخائفين من تجرّع كأسها المرّة شعبيا واجتماعيا ومعيشيا؟ إن بقي «التقصير» على حاله، الانفجار سيأتي. لكن اذا فعلت الحكومة ما عليها، يمكن تأخير توقيته وربما يتم تأليف حكومة جديدة في الاثناء.. مَن يدري.. .