إيران “تُلهب” الإقليم.. ولبنان للانفجار أو تسوية “سريعة”
ودرجت العادة في كل محطة تفاوضية، قد تكون مفصلية، أن تلجأ القوى إلى التصعيد لتحسين أوراقها وشروطها التفاوضية. وحتى الآن لم تصل جلسات الحوار السعودي-الإيراني إلى أي نتيجة سياسية، لكنها مستمرة بحثاً عن أرضية يمكن الانطلاق منها.
فوزير الخارجية السعودي قال قبل أيام “إن الحوار مستمر، لكنه لم يؤد إلى نتائج”. وتقول مصادر ديبلوماسية سعودية لـ”المدن” إن الحوار معتاد بين البلدين، وهو يشبه مراحل رئاسة رفسنجاني وخاتمي في إيران. ولكنه لم يصل إلى أي نقاط سياسية مشتركة حتى الآن. ولدى السعودية شروط سياسية لا بد لإيران من الالتزام بها، لتحقيق التقدّم المطلوب.
تصعيد إيراني إقليمي
وطهران تحاور على وقع تسخين التصعيد الميداني والعسكري والسياسي، وتحديداً في اليمن، ومن خلال الضغط العسكري على مأرب في محاولة السيطرة عليها.
وفي العراق يذهب المشهد نحو مزيد من التوتير. فنتائج الانتخابات العراقية التي أظهرت خسارة الحشد الشعبي، تقود البلاد إلى أزمة سياسية. وقد بدأها الحشد بوضع شروط على عملية تشكيل الحكومة. فالحشد لن يسمح بتشكيل حكومة لا يكون صاحب كلمة فيها، وإلا يكون العراق مهدداً بتوترات أمنية. واستبق الحشد التطورات باعتصام دعا إليه. وهو يشبه إلى حدّ بعيد اعتصام حزب الله وحلفائه في وسط بيروت العام 2006 لتحسين شروطه السياسية، بعد العسكرية.
وسوريا ليست بعيدة عن هذا المشهد. فقد عادت إليها المنازلات والرسائل الأمنية والعسكرية: من ضربة تدمر، إلى ضربة القاعدة الأميركية في التنف، وتبادل رسائل التفجير تحت جسر الرئيس الأسد في دمشق، واستهداف حافلة أطفال في إدلب. وهذه الحوادث قابلة للتوسع، كلما اشتد تقدم التفاوض.
ولا يمكن لهذه التطورات ألا تنعكس على لبنان. فهو دخل في حقبة توتير سياسي وأمني، بدأ بتعطيل الحكومة، ويتخطى حادثة الطيونة الخطرة.
لبنان: ضحايا وتعطيل
السياق الإيراني تصعيدي، إذاً، في المنطقة كلها. فإيران هي من بادر إلى التصعيد في العراق بعد انتخاباتها. وهي تضغط في اليمن على السعودية. وفي سوريا تضغط من خلال استهداف قواعد أميركية، وقوات سورية محسوبة على تركيا.
ولا بد لهذا التصعيد أن يأخذ مداه في لبنان، بدءاً من تزايد الشروط في قضية تحقيقات المرفأ وتعطيل الحكومة إلى حين إقالة القاضي طارق البيطار. واستمر التصعيد بالتظاهرة في اتجاه قصر العدل يوم 14 تشرين، فتحولت حادثة أمنية وسياسية وشعبية خطيرة في منطقة الطيونة. وذلك بفعل دخول مجموعات محسوبة على حزب الله إلى منطقة الطيونة وفرن الشباك، وإيصال رسائل تصعيدية على الأرض، ما أدى إلى سقوط ضحايا.
ولا حلّ لهذه الأزمة المتصاعدة إلا سياسياً. ولكن الحل السياسي غير متوفر حتى الآن، لتستمر مؤشرات التصعيد على وقع استفحال الأزمة المالية والاقتصادية، واحتمالاتها الأمنية في ظل الانسداد السياسي والتدهور المعيشي الكبير.
وتؤكد مصادر أمنية وعسكرية أن التقارير غير مطمئنة، والوضع في غاية السوء. لذلك، لا بد من معالجة سياسية سريعة وإيجاد بعض المتنفسات المالية، لأن الوضع لا يحتمل ويقترب من انفجار ما. ويزيد الاشتباك السياسي المستمر على خلفية حادثة الطيونة الطين بلّة، باتخاذه بعداً أمنياً وقضائياً. وهذا المشهد، في ظل استمرار التوتر الإقليمي، يشير إلى قابليته للانفجار، ما لم يجد المعنيون تسوية سياسية سريعة.
استباق التحقيقات
وتقول المصادر إن وضع لبنان يبعث على التخوف. فطلب الاستماع إلى إفادة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، مثلاً، مؤشر على التصعيد. وخصوصاً أن التحقيقات لم تنته. وتؤكد المصادر أن القاضي طلب الاستماع إلى إفادة جعجع بناء على التقدير التالي: “ما دام الأشخاص الموقوفون في حادثة الطيونة، محسوبين على القوات اللبنانية، يجب الاستماع إلى رئيسهم، قبل التحقيق معهم”.
وتعتبر المصادر أن سياق هذه الخطوة القضائية سياسي. فالتحقيقات لا تشير إلى وجود كمين لمتظاهري الطيونة. والدليل تصريح وزير الدفاع موريس سليم، وأوساط أمنية وعسكرية أخرى.
وتجزم المصادر: لا وجود لقناصين من القوات اللبنانية على أسطح البنايات في الطيونة. وما جرى هو توغل مجموعة من متظاهري أمل وحزب الله إلى عين الرمانة والقيام باستفزازت واعتداءات وعمليات تكسير وتحطيم سيارات، ما أدى إلى توتر واشتباك، وعمليات تدافع بين مجموعات المتظاهرين والجيش اللبناني الذي أطلق النار لإجبارهم على التراجع من المنطقة التي توغلوا فيها واعتدوا على أهلها.
وتبين التحقيقات أيضاً أن مريم فرحات قتلت برصاص طائش، فيما سقط اثنان من الضحايا برصاص أطلقه شبان من عين الرمانة، بعد الاشتباك بالعصي والأيدي. ولم تسقط الضحيتان بعمليات قنص، بل برصاص أطلق عن الأرض. ولا تنفي المصادر أن الجيش اللبناني أطلق النار، كما بينت الفيديوهات. والجيش كان قد أصدر بياناً قال فيه إنه سيطلق النار في اتجاه أي مخلٍ بالأمن.
الاستماع لنصرالله؟
ولكن بعيداً من هذه التحقيقات، فالمطلوب لبنانياً هو رفع حدة التصعيد، على ما يبدو. وفي حال كان طلب الاستماع لإفادة جعجع مبني على دعوى قضائية تقدمت بها بلدية الغبيري أو مقربون من حزب الله، فإن القوات اللبنانية أو بعضاً من أهالي عين الرمانة لا بد أن يرفعوا دعوى قضائية ضد حزب الله وأمينه العام على خلفية إطلاق عناصره النار وقيامهم باعتداءات وتحطيم ممتلكات طالت منطقتهم. وهم سيطالبون بالاستماع إلى أمين عام الحزب إياه. وهذا يشير إلى رفع حدة التصعيد والتوتير.
لذا لا بد من الولوج سريعاً إلى تسوية سياسية خوفاً على الوضع الأمني والاجتماعي في البلاد.