مشاورات باسيل الحكومية… سابقة في خرق الدستور
هيام طوق
قرابة التسعة أشهر مرت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، لكن حتى الساعة لا دلائل تبشر بالولادة، طبيعية كانت أم قيصرية، إلا أن الثابت الوحيد أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يضع القفل المحكم الإغلاق في جيبه، ويدّعي أن مفاتيحه موجودة لدى الرئيس سعد الحريري.
أشهر طويلة من المفاوضات والوساطات والمبادرات والنتيجة صفر تسهيلات وتنازلات عن الحصص التعطيلية، ومحاولات مستميتة لتحصيل المكاسب السياسية، ووضع العراقيل التي عجز المنجمون عن تفسير أبعادها، كل ذلك والبلد يسير سريعاً نحو الارتطام الكبير، بانتظار التخلي عن أنانيات وكيديات أطراف التعطيل في تشكيل حكومة تنقذ البلد الذاهب بخطى ثابتة في رحلته الجهنمية التي وعده بها رأس الدولة منذ أشهر.
الكل بات على قناعة أن باسيل يفعل كل ما بوسعه لإفشال أي مسعى بعد أن اتضح للقاصي والداني أنه “الرئيس الظل” الذي يفاوض بتشكيل الحكومة، ويبدي في العلن مرونة وتسهيلاً، ويفاوض من تحت الطاولة لتكون له الكلمة الفصل في الحكومة المقبلة.
ولعل ما شهدناه في الأيام الأخيرة من اجتماعات ولقاءات بين وفد الثنائي الشيعي من جهة، وباسيل من جهة ثانية، لوضع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري موضع التنفيذ وتسريع عملية التشكيل، تؤكد المؤكد أن باسيل نصّب نفسه رئيساً للجمهورية، ويتصرف على هذا الأساس، مع العلم أن الفقرة الرابعة من المادة 53 في الدستور اللبناني تشير إلى أنه “يُصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”.
إذاً الحكومة تتألف بالتفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ويجري التشاور في قصر بعبدا وليس في أي مكان آخر، لكن لماذا ينصّب باسيل نفسه وكيلاً عن رئيس الجمهورية ويمسك بتوقيعه؟، هو الذي أعلن أكثر من مرة أنه لا يريد المشاركة في الحكومة، لكنه في الواقع يريد الحصة المسيحية التي كان يتمثل فيها. فهو يفعل الشيء ونقيضه. يريد أن يشارك في مشاورات التأليف ولا يريد إعطاء الثقة لحكومة الحريري.
وأجمع السياسيون الذين تحدثوا لموقع “لبنان الكبير” على أن ما يحصل في مشاورات التشكيل التي تجري مع باسيل وليس مع رئيس الجمهورية، سابقة خطيرة في الخروج عن الدستور، وأن نظامنا الديموقراطي يتحول مع المنظومة الحاكمة إلى حكم فردي، مؤكدين أن كل ما يجري قائم على حسابات شخصية وانتخابية وحزبية من دون الالتفات إلى مشاكل الناس التي باتت همومها في وادٍ، واهتمامات بعض المسؤولين في وادٍ آخر.
أبو الحسن : سابقة في الخروج عن الدستور
استغرب أمين سر “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن أن ” تكون المشاورات الحكومية مع باسيل وليس مع رئيس الجمهورية، إذ أن الدستور ينص بوضوح على أن تجري مفاوضات التشكيل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وما يحصل هو خروج عن الدستور”، لافتاً إلى أنه “يجب أن نتوجه بالسؤال إلى رئيس الجمهورية حول هذا الموضوع”.
ورأى أنه “إذا كان الهدف التشاور مع الكتل السياسية، فهذا حصل في الاستشارات غير الملزمة التي دعا إليها الرئيس المكلف، وحضرت كتلة “لبنان القوي”، وكان باسيل مترئساً الوفد، وما يحصل مستغرب تحديداً بعد عشرة أشهر من استقالة حكومة الرئيس حسان دياب وثمانية أشهر من تكليف الرئيس الحريري”.
واعتبر التشاور مع شخص مقرب من رئيس الجمهورية وليس مع الرئيس مباشرة “سابقة ولو أنهم التزموا بالدستور لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، فليطبق الدستور حرفياً”.
وأشار إلى أن “كل ما يجري اليوم قائم على حسابات ذاتية وحسابات حزبية وانتخابية. هذا ليس بأمر جديد، لكن هل هذا ما يعني الشعب اللبناني في اهتماماته المعيشية والاستشفائية؟ كل ما يحصل في مكان وهموم اللبنانيين في مكان آخر. ومن يظن نفسه أنه بذلك يحصّل حقوق ناخبيه أو جمهوره هو واهم لأن هذا الجمهور اليوم بغض النظر إلى أي طائفة أو فريق سياسي انتمى، هو الشعب اللبناني الواحد، الذي يُذلّ ويُقهر، وسينتقم من كل المعطلين في الانتخابات المقبلة. من يظن أنه بهذه الطريقة يرفع من منسوب المؤيدين هو واهم”.
ولفت إلى أن “الرئيس نبيه بري يقوم بوساطة معينة عبر موفدين، يحاولون إيجاد قواسم مشتركة لتسهيل ولادة الحكومة، وعلى المعنيين أن يسهلوا”.
وعما إذا كانت فرص التشكيل تكون متاحة أكثر، فيما لو كان رئيس الجمهورية يقوم بدوره في النقاش بالتأليف، قال أبو الحسن :”نحن لا نراهن أن هناك رأيين بين رئيس الجمهورية وباسيل. إنه رأي واحد، وقرار واحد، بغض النظر عمن يفاوض إن كان رئيس الجمهورية أو باسيل. هناك فريق واحد موحد في القرار والموقف.”
واعتبر انه “لو تشكلت الحكومة، ستواجه عقبات، حيث يكون المطلوب منها جهود كبيرة وخطوات وتضامن ومقاربة مشتركة في التفاوض مع صندوق النقد لتوحيد الأرقام وتوحيد المنطق والرؤية الاقتصادية، فكيف الحال إذا لم تتشكل؟”، لافتا إلى “أنني في ظل هذه العقلية لست متفائلاً بولادة الحكومة، لكن لا بد من قيامة الدولة، وتشكيل حكومة تتبنى برنامجاً إصلاحياً وفق المبادرة الفرنسية، ولا بد من المبادرة إلى مفاوضة صندوق النقد والبنك الدولي والدول المساعدة للبنان كي نبدأ بتخفيف العبء عن الناس، ونعيد الثقة تدريجياً إلى الدولة، لكن هذا ليس متوافراً حتى الآن في ظل هذا التعنت والحسابات الضيقة”.
قاطيشا: نسف المنطق والضمير والدستور
ورأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبه قاطيشا أن “التفاوض على تشكيل الحكومة يجب أن يكون بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أما النقاش بين أطراف أخرى، فهو مخالف للدستور”، معتبراً أن “البلد وصل إلى مرحلة الخراب، ونُسف المنطق والضمير والدستور وروح المسؤولية”.
ولفت إلى أن “الرئيس بري يعرف أن معرقل التشكيل هو جبران باسيل، ورئيس الجمهورية سلم ورقة التفاوض لصهره، وهذا غير دستوري وغير منطقي. والحق ليس على باسيل بما يقوم به بل على من سمح له وكلفه بالتفاوض.”
وشدد على أن “الدستور يخرق كل يوم، للأسف لا أحد يحترمه. لو أن الدستور يطبق لما وصلنا إلى هنا، وما يجري على صعيد تشكيل الحكومة إحدى ظواهر عدم احترام الدستور وعدم احترام الدولة والكيان”، معتبراً أنه “لو صفت النوايا، لكانت الحكومة تتألف خلال ساعتين حيث يتفق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على أسماء معينة ويتم الإعلان عن الحكومة، لكن لا ثقة بين الأطراف”.
ورأى أن “المنظومة سقطت، ويجب أن تتغير. وإلى حين الوصول إلى الانتخابات النيابية المقبلة، يجب تشكيل حكومة من وزراء متخصصين ومستقلين علهم يعملون على اتخاذ قرارات تخفف بعض المشاكل عن كاهل المواطن كي يعيش بكرامة”.
وشدد قاطيشا على أنه “لا يجوز أن يستمر البلد على هذا المنوال. نريده كما كان سويسرا الشرق حيث كان السياسيون محترمين ماتوا فقراء، كانوا يهتمون لشؤون الناس قبل مصالحهم الخاصة. اليوم حولوا لبنان إلى الصومال وفنزويلا وغيران وسوريا”، لافتاً إلى “قلة الضمير لدى المسؤولين كما أن المواطن يجب أن يتمتع بالوعي الكامل وبالمسؤولية ويقوم بدوره في الانتخابات النيابية المقبلة، ويحاسب من أوصله إلى هذا الوضع المتردي كما عليه التمييز بين من هو نظيف الكف، ومن سرقه على مدى سنوات”.
وأشار إلى أن “كل تغيير يحصل إما بالقوة أو عبر صناديق الاقتراع. القوة لا نريدها، لذلك التعويل على الانتخابات المقبلة”.
أبو جمرا: من الديمقراطية إلى حكم الفرد
رفض نائب رئيس الحكومة الأسبق اللواء عصام أبو جمرا، الحديث في تفاصيل المفاوضات القائمة حالياً والأشخاص المفاوضين في تشكيل الحكومة، معتبراً أن “باسيل يعمل الشيء وضده، فهو عندما يرفض إعطاء الثقة للحكومة، لا يعود له الحق في التشاور”، مشيراً إلى أن “رئيس الجمهورية الذي يجب أن يجري المناقشات مع الرئيس المكلف، يريد أن يدخل صهره معه، لأنه بكل بساطة يعمل على تمهيد الطريق أمامه لاستلام كرسي الرئاسة من بعده، وهذا ما لمسناه خلال مراحل عديدة، والأمر لم يعد خافياً على أحد، لكن هذا لا يجوز”.
وسأل: “أين نحن اليوم من تطبيق الدستور؟ هل نقارب مشكلاتنا ونحلها قانونياً؟” لافتاً إلى ان” السلطة تتحول من سلطة ديمقراطية إلى حكم فردي، وهذا خطأ “.