تحقيقات - ملفات
بين دق الأجراس وتقبيل العمائم .. لبنان الى اين ؟
عمر معربوني
يعيش لبنان مرحلة شديدة الخطورة يتأرجح فيها على حافّة الإنهيار الذي بات المصطلح الأكثر تداولاً على لسان الجميع ، سياسيين واعلاميين ورعايا طوائف ومذاهب وملل ، وديبلوماسيين ومبعوثين يبدون تخوفهم وخشيتهم من لحظة الإرتطام التي يُجمع الجميع على حدوثها ويعملون على تأخير حدوثها .
التفاؤل ليس له مكان في حديث اللبنانيين فاليأس سيد الموقف والحصول على 10 ليترات من البنزين وغالون زيت صغير بات الهمّ الأكبر ، ولا فرق بين مسيحي ومسلم فذلّ الإنتظار في طوابير البنزين وحّدهم .
يحصل كل ذلك في ظل إصرار البعض على ترك الناس فريسة للمخاوف من الآتي وهو في معظمه مظلم لا افق له ولا حلول .
في التأليف يتفق القاصي والداني ان لا حكومة ولا من يحزنون فلا الوزير باسيل المتمسك ” بحقوق المسيحيين ” يريد حكومة خارج معاييره ، ولا الرئيس سعد الحريري المحتمي ” بعمامة دار الفتوى ” يريد حكومة لا تلبّي له شروط العودة الى التسوية التي يُصّر انها ترتبط به وبالرئيس ميشال عون فإما يذهبان معاً او يبقيا معاً وهو ما اسقطه الرئيس الحريري يوم قدّم استقالته استجابة لضغط الشارع بحسب ما يردد دائماً .
ان اية مقاربة للأزمة اللبنانية لا تنطلق من تعريف دقيق تبقى مجرد ثرثرة لا تغني ولا تُسمن من جوع فحقيقة المشكلة انّنا دخلنا منذ خروج الجيش العربي السوري من لبنان ازمة حكم وليس ازمة حكومة .
وما يحصل منذ الخروج السوري من لبنان هو مجرد إدارة للأزمة استنفذت كل مقوماتها ووصلت الى حدود الإنفجار الحتمي مهما تذاكى المتذاكون لتأخيره ومهما ناور المناورون لدفعه في الإتجاهات الفرعية .
ان ما يحصل اليوم من تراكم للأزمات السياسية والإقتصادية هو نتيجة لجبال من الخطايا التي ارتكبها امراء الطوائف ولا يزالون غير آبهين لما يمكن ان تصل اليه الأمور ، فهم يُدركون انّ الدولة التي لم تكن موجودة يوماً ستتلاشى ، لهذا يدقّ البعض الأجراس ويقبّل البعض الآخر عمامات رجال الدين .
ليس ذلك وحسب فهم يتحضرون للإنكفاء في كهوف الطوائف تحت عنوان حماية الرعيّة تاركين الحبال على غاربها على امل حصول معجزة تنقذ ما يمكن إنقاذه ، وهم يعرفون ان الزمن ليس زمن المعجزات .
ويبقى تمسك الرئيس بري بمبادرته هو المانع لتسريع الإرتطام ، فالإنهيار حاصل وتتراكم تداعياته بتسارع مضبوط حتى اللحظة بالمبادرة التي لن يُعلن الرئيس برّي تخليه عنها كخطوة لا بد منها وكضابط لإيقاع الإنهيار الذي يتم العمل على منعه بعكازات وليس بعملية جراحية .
وان كانت المعالجات المحلية تندرج ضمن معالجات اسعافية عبر تأمين مليون طن من الفيول اويل للكهرباء من العراق يمكنها ان تؤجل الأزمة لستة اشهر ، او من خلال شد حبال بين حكومة تصريف الأعمال من جهة وحاكم المصرف تحت المحاكمة في فرنسا من جهة أخرى لتأمين عدم سقوط قطاعات الطاقة والصحة والمواد الضرورية لعيش اللبنانيين وهي كلها معالجات مؤقتة يمكن ان تؤخر الإرتطام الكارثي لكنها لن تمنعه .
في المقلب الآخر تبدو فرنسا التي بات رئيسها ومستشاره باتريك دوريل مقتنعان ان الأفق بات مسدوداً وان الأمور تتجه نحو الكارثة ، لهذا يعمل ماكرون الآن على اتجاهين :
– الإتجاه الأول يتركز على تأمين مبلغ يقارب 100 مليون دولار للجيش اللبناني لتأمين بعض احتياجات الجيش لمنع سقوطه وتشرذمه ما يعني دخول لبنان في تفلت أمني غير مسبوق ، وهو ما يتم العمل عليه لعقد مؤتمر وظيفته الوحيدة حث الدول على تأمين مبلغ يمكن يساعد الجيش على البقاء متماسكاً اقله الى حين إيجاد حلول جذرية تنتظر نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية والإيرانية – السعودية وما يمكن ان يتبلور من نتائج بعد قمة بوتين – بايدن .
– الإتجاه الثاني ويهتم به الفاتيكان الذي دعا الى مؤتمر في الأول من تموز حول لبنان والذي من المتوقع ان تصدر عنه توصيات ومبادرة فاتيكانية تبدو آفاقها حتى اللحظة تذكيراً بموقف الفاتيكان من لبنان واعتباره يتجاوز صيغة كيان عادي ليندرج ضمن صيغة الرسالة .
بين الإتجاهين تبدو السعودية غائبة كلياً عن المشهد اللبناني سوى لقاءات السفير البخاري مع فريق واحد من اللبنانيين مستبعداً الفريق الآخر وهو أمر يعني ان السعودية ليست بوارد تقديم أي دعم او مساعدة لا سياسية ولا مالية الا بشروطها التي تخالف ميزان القوى المحلي والإقليمي ، لهذا يتحرك الرئيس الفرنسي مجدداً بدعم أميركي حظي به بعد قمة الدول السبعة التي تتجه لإستعادة حضورها في المنطقة من خلال لبنان وهو أمر يشابه السيف ذو الحدّين ان لم يأخذ بعين الإعتبار حقيقة موازين القوى في لبنان والمنطقة .
ولأن كل القوى المحلية والإقليمية والدولية يدركون صعوبة الوصول الى حلول جذرية في المنظور القريب بدأت الأطراف الطوائفية بشحذ همم رعاياها وجذبهم بخطاب طائفي وتحضيرهم مجدداً لخوض الانتخابات النيابية في أيار 2022 على امل ترسيخ موازين قوى مختلفة عن الواقع الحالي ، تاركين الناس فريسة الترقيع والمهاترات وعدم الجدية في التوجه نحو تعريف دقيق للأزمة وحلول جدية تضع البلد على سكة العودة للإستقرار ولو استغرق الأمر سنوات كبديل عن الفوضى ونتائجها الكارثية .