كيف أصبحت الرياض عاصمة المخدرات.. الكشف عن خطط التهريب وأطنان الكبتاغون
بالتماهي مع الاتهامات الأميركية والإسرائيلية المستمرة لحزب الله بالتورط في تجارة المخدرات والجريمة المنظمة لتمويل “أنشطته الإرهابية”، تصرّ السعودية على توجيه أصابع الاتهام للحزب لدى اكتشاف كل محاولة تهريب حبوب مخدّرة إلى أراضيها، واستخدامها لتضييق الحصار على لبنان وتحقيق بعض الأهداف السياسية.
في حين تعتبر السعودية بالمرتبة الأولى بين الدول العربية في تعاطي المخدرات وخصوصًا حبوب الكبتاغون، وكانت السعودية عام 2004 الدولة العاشرة عربياً في ترتيب الدول التي تزرع وتتجار بالمخدرات. وقد كتبت الصحيفة الأمريكية “فورين بوليسي” في كانون الاول الماضي مقالاً بعنوان صريح “السعودية عاصمة المخدرات في الشرق الأوسط”.
وفي الآتي عرض للمعلومات حول عمليات تهريب الكبتاغون في السعودية مع الكميات المضبوطة وطرق تهريبها كما المتهمين بها، ونشرح فيه الخطة الأمريكية-السعودية ضد حزب الله باستخدام حجة المخدرات، كما نبيّن دور الوسائل الإعلامية اللبنانية كوسيلة لمساعدة الخطة الأمريكية – السعودية داخل لبنان.
الكبتاغون في السعودية
تسارعت خلال العام الماضي 2021 عمليات ضبط السلطات السعودية لكميات كبيرة من المخدرات المهربة، في وضعيات تهريب مختلفة، للحد من تعاطي السعوديين الشباب المخدرات، حيث يتعاطى 40% من مدمني المخدرات السعوديين حبوب الكبتاغون.
اتهام السعودية لحزب الله
تجارة الكبتاغون، كأي تجارة أخرى، تقوم على العرض والطلب، وهي علاقة تبادلية: زيادة العرض في بلد المنشأ تقوم على زيادة الطلب في البلد المستورد. تُحبط العمليات ويعتقل المتورطون، فيما على الطرف الآخر أشباح غير مرئيين قد لا يقلّون شأناً عن “أمير الكبتاغون” الشهير الملك السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODCفإن أكثر من نصف جميع كميات الكبتاغون التي تم ضبطها في الشرق الأوسط بين عامي 2015 و2019، كان في السعودية.
تقدّر كلفة إنتاج الحبّة الواحدة من الكبتاغون مع كلفة تهريبها بنحو 85 سنتاً، وتباع في “السوق” السعودية بما يراوح بين 10 و20 دولاراً. هامش واسع من الربح يفسّر “استقتال” المهرّبين على إيصال هذه الحبوب إلى حيث الطلب عليها كبير جداً. يكفي أن ينجح “التاجر” في إيصال شحنة واحدة، حتى ولو أُوقفت خمس شحنات أخرى له، ليحقّق ملايين الدولارات. إذ إنّ نسبة الأرباح العالية جداً من عملية ناجحة تُغطي بما لا يُقاس الخسائر المتحققة جراء فشل عدة عمليات تهريب.
الاعتبار هنا مالي بحت، بخلاف اللبوس السياسي الذي تحاول المملكة العربية السعودية وأخواتها الخليجيات إلباسه لتجار هذه المواد الممنوعة، واستغلال هذه التجارة في تصفية حسابات سياسية مع لبنان، وخصوصاً مع حزب الله، بالتماهي مع اتهامات إسرائيلية وغربية للحزب بالتورط في تهريب المخدرات الجريمة المنظمة “واستثمار عائداتها لتمويل أنشطته الإرهابية”.
التهريب أشبه ما يكون برقصة التانغو: يحتاج إلى راقصَين. فتحوّل لبنان وسوريا (والأردن وتركيا أيضاً) إلى مركز لتصدير الكبتاغون يعني أن هناك أسواقاً ضخمة للاستهلاك. بالتالي، ازدياد الإنتاج وارتفاع عمليات التهريب مرتبطان بارتفاع الطلب في بلدان الاستهلاك. ووصول حبوب الكبتاغون إلى السوق السعودية أو الخليجية يفترض أن هناك تجاراً سعوديين وخليجيين على الطرف الآخر هم من يستلمونها ويتولّون توزيعها. لكن اللافت أن الحكومة السعودية، مثلاً، التي تصبّ جام غضبها على لبنان لدى اكتشاف كل عملية.
تهريب، لم تكشف يوماً عن أي من التجار الكبار المحليين، باستثناء من تعلن إعدامهم بتهمة الترويج من أبناء الجاليات الهندية والفيليبينية وغيرها. علماً أن توقيف الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود (“أمير الكبتاغون”)، في مطار بيروت عام 2015 أثناء محاولته تهريب طنين من حبوب الكبتاغون في طائرته الخاصة، مؤشر على الفئة التي ينتمي إليها المنخرطون في هذه التجارة في الرياض.
إحدى أشهر الشحنات التي وصلت إلى السعودية داخل صناديق من الرمان، في نيسان 2021، لم تكن الأولى. رغم ذلك، اتخذتها الرياض ذريعة لوقف استيراد الفاكهة والخضار من لبنان وتضييق الحصار عليه، وشنّ حملة اتهامات ضد حزب الله، رددت صداها جهات محلية، رغم أنه تبيّن أن عملية التوضيب تمت داخل الأراضي السورية، كما استغلت بعض من العمليات سياسياً لتشديد حصارها على لبنان رغم أن عدداً لا يستهان به من عمليات التهريب التي أُحبطت كُشِف لاحقًا أن مصدرها الأردن وتركيا. بالإضافة الى أن كل هذه العمليات أُوقف فيها متورطون في عمليات التهريب والتصنيع لم تثبت علاقة لأي منهم بحزب الله.
دور الوسائل الإعلامية اللبنانية في التحريض ضد حزب الله
بعد الاتفاق على إقرار حظر استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، حرّكت السعودية مكيناتها الدعائية داخل لبنان ضدّ حزب الله، حيث خصّصت قناة MTV أكثر من نصف مساحة نشرة أخبارها لتناول قضية الكبتاغون المهرّب، وأخذت في السياق عينه تهوّل على اللبنانيين وخطر خسارة البوابة الخليجية، مع إغفال لإمكانية أن يكون قرار المقاطعة مقصوداً من قبل السعودية ومن أيّد قرارها بحظر استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية.
إلى جانب التهويل، فتحت مساحة أمام المسؤولين السعوديين من أجل زيادة الضغط على اللبنانيين، حيث ظهر السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، على يومين متتاليين، على mtv ليدعو الدولة اللبنانية إلى إجراءات أكثر صرامة في ما خصّ قضية الكبتاغون، ولاقاه في النشرة نفسها رئيس هيئة “تنمية العلاقات السعودية اللبنانية” إيلي رزق، الذي استضافته المحطة ليُعلم اللبنانيين بالشروط التي تطرحها المملكة لفكّ الحظر عن تصدير المنتجات اللبنانية. وبعد خروج خبير الشؤون الاقتصادية في المحطة، سامي نادر، ليتحدّث عن تداعيات خطوة السعودية على الاقتصاد اللبناني، جاء دور إقحام حزب الله” في القضية، لكنّ هذه المرة، ليس عبر التلميح بل على غرار ما حصل بعيد تفجير المرفأ. إذ راحت mtv تصوّب على الحزب وتتهمه بجريمة الرابع من آب، بالاتكاء على صحف ومواقع أجنبية. وها هي تعيد الكرة عينها، مع شحنة الرمان المخدّر، وتستعرض مقالات أجنبية وخرائط تدّعي من خلالها وجود مصانع كبتاغون تابعة للحزب في البقاع وعلى الحدود مع سوريا وفي ضاحية بيروت الجنوبية.
إذاً، تفرد mtv مساحاتها الإخبارية لتنفيذ أجندتها السياسية، مسترضيةً السعودية من جهة، ومهوّلةً على اللبنانيين من جهة أخرى حين توجّه سهامها صوب “حزب الله” كما جرت العادة!
كما في ما يخصّ موضوع توقيف الملك السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود وأربعة مرافقين له في مطار بيروت في تشرين الأول 2015، مع ضبط طنّين من حبوب الكبتاغون في طرود وحقائب، غيّبت قناتي mtv والمستقبل الخبر عن مقدمة نشرة أخبارهما، وكذلك صحيفة الجمهورية. الخبر غاب أيضاً بشكل تام عن صحيفة “المستقبل”، وحضر في الصفحة الخامسة من “النهار” ضمن خانة صغيرة تحت عنوان “توقيف أمير سعودي حاول تهريب مخدرات… المشنوق ينفي أي ضغوط للفلفة الموضوع”. وحضر الحدث في أسفل الصفحة الأولى لـ “السفير” تحت عنوان “طنّان من الكبتاغون في طرود ملكية سعودية”. أما lbci، فقد حاولت في أسطر مقدمتها التخفيف من وطأة التوقيف، معتبرة أنّه “مبتور” لأنه لم يقترن بتعقب المصدر بما أنها جرت العادة الكشف عن “المرحلة الأخيرة” أي التسفير لا التصنيع وخرائط الطرق “بين المصنع أو المصانع الى المطار”.
الكاتب: الخنادق