سعد وبهاء : سقوط الحريرية ؟!
نبيه البرجي-الديار
مستشار سابق في قصر قريطم، وهو أكاديمي متوقد، تميز بجرأته الصادمة حيناً، الصدامية حيناً، سألناه ماذا يعني أن يكون سعد الحريري وبهاء الحريري وجهاً لوجه على أرض لبنان؟ أجاب: «يا صاحبي … سقوط الحريرية بأيدي أبنائها».
حين أقول ان اللبنانيين كلهم يتساقطون بعدما أوصدت في وجوههم كل الأبواب، يعقب قائلاً «ذات يوم شعرنا وكأن رفيق الحريري نزل علينا من السماء. أوقف انهيار الليرة، وشرع في التخطيط لاعادة الاعمار، قبل أن يتبين له أن طريق الحكم في لبنان هو طريق الجلجلة. لا داعي للتذكير ما في آخر هذا الطريق».
سألت ما اذا كان بهاء الحريري قد عثر على موطئ قدم، ولو قدم واحدة، على الساحة السياسية. رد من زاوية أخرى «لا أتصور أن أياً من الشقيقين يصلح حتى أن يكون ظلاً لأبيه. الفوارق شاسعة في الظروف، وفي المكانة، وفي التجربة، وفي العلاقات (وديناميات التأثير)، وفي الأريحية، وفي الثروة».
وقال «كأي ورثة، ثمة هوة سيكولوجية بين الاثنين. دون أي شك، كانت تجربة سعد في السلطة أكثر من فاشلة بعدما أحاط نفسه بما هب ودب. لا تستغرب ان قلت لك أن خصومه أكثر رعاية له من الذين يستوطنون بيت الوسط. أما الحلفاء فحدث ولا حرج. حملة الخناجر أم الراقصون على الحبال؟».
المستشار السابق يلتقي معنا في التساؤل «من نصح بهاء الحريري بأن يدخل تسللاً الى هذه الحلبة ؟ هذه ظروف تحتاج الى سوبر حريري لا الى ميني حريري. ولا أتصور أن الأب فكّر، ولو للحظة، في أن يرثه أي من أبنائه في السراي أو في الهالة».
يعتقد «ان الذين دفعوا الابن البكر الى الاستعداد للحلول محل أخيه لم يفرقوا بين الحصان الأبيض والحصان الخشبي. راهنوا على بقاء دونالد ترامب لولاية ثانية. تالياً أن تتدحرج «صفقة القرن» الى الداخل اللبناني واحداث تغيير دراماتيكي ليس فقط في معادلات القوة وانما أيضاً في معادلات الوجود».
البداية كانت مرتجلة، وتعكس مدى الضحالة السياسية (ضحالة الرؤية) لدى من أوعزوا اليه بأن يكون شعاره الذهبي ازالة سلاح «حزب الله»، حتى اذا ما فاز جون بايدن بالسباق الى الرئاسة، كان على بهاء أن يتخلى حتى عن وعده باطلاق مشروعه لانقاذ لبنان.
رجل من دون خبرة سياسية، و حتى من دون برنامج سياسي، ألقي به وسط المتاهة. يقول المستشار «ما وصلني من معلومات حول بعض محتويات ذلك المشروع يثير الرعب حقاً. بمؤازرة خارجية تعبئة القوى السياسية، والطائفية، المعادية لـ»حزب الله»، والى حد الدعوة للنزول الى الخنادق. وكان عليّ أن أتساءل مع حريريين قدامى هل الذين أعدّوا بهاء الحريري لذلك الدور كانوا يبتغون حمله الى السراي أم الى المحرقة ؟».
في رأي المستشار السابق أن ثمة تغييراً في لهجة بهاء بعدما وضع السيناريو اياه جانباً، أو القي في صندوق القمامة. واضح أن محادثات فيينا، وأياً تكن النتائج، جعلت قوى اقليمية تكتشف أن الرهان على الأميركيين رهان سيزيفي. في هذه الحال، اعادة النظر في المواقف السياسية، والتفاعل مع الوساطات التي لطالما ارتطمت بالجدار تلو الجدار.
ثمة جهات أوروبية تؤكد أن الدخان الأبيض سيتصاعد من فيينا، وهذه المرة على ايقاع «الدانوب الأزرق» ليوهان شتراوس، حاملاً أكثر من مفاجأة على صعيد العلاقات بين الرياض وطهران، وقبل الانتخابات الرئاسية في ايران خلال حزيران المقبل.
بعد قراءة بانورامية للاحتمالات، يرى المستشار السابق أن لا سعد ولا بهاء سيكون رجل المرحلة المقبلة. كما أن أياً من الوجوه التقليدية لم يعد صالحاً أو مقبولاً للمرحلة. يتحدث عن شخصيات أخرى سنية موثوقة، ومؤهلة، وقد فرض عليها أن تقبع في الثلاجة.
ليس من الصعب العثور على احدى تلك الشخصيات لتكون الشريكة في قيادة حقبة بالغة التعقيد اقتصادياً ومالياً (معيشياً بطبيعة الحال). المؤكد أن تشكيل حكومة سيكون نقطة الانطلاق في طريق الخلاص الذي لا بد أن يكون طويلاً وشاقاً، لكنه ليس الطريق المستحيل.
صفحة آن الأوان لكي تطوى…