وصلتنا عبر البريد مقالة مرسلة من حبيب الشرتوني تطرق فيها الى مقابلة الرئيس السابق أمين الجميل مع قناة «الجزيرة أخيراً. وفي ما يلي النص كما ورد من دون تدخل المحرر:

بالنسبة إلى المقابلة التي خصّصتها قناة «الجزيرة» لأمين الجميّل في الشهر المنصرم، تشرين الأول ٢٠٢١، لا يُقال فيها غير أنها جاءت في سياق محاولة مبتذلة لتعويمِه ومنحِه صفات الانفتاح والتوافق والعروبة التي لو امتلكَها لما أفلسَ في مسيرته السياسية، وفشلَ حزبُه أيضاً في تحقيق غاياته والحفاظ على عديد منتميه، إذ يسعى اليوم إلى ركوب موجة المجتمع المدني المتنوّعة الخلفيات والخيارات، والمخاصِمة ولو من حيث الشكل لمنظومة الفساد الذي التحق منذ الاستقلال بها، وكان جزءاً لا يتجزأ منها، وهذا حتى يحجزَ لنفسِه موقعاً في التركيبة القادمة بعد الانتخابات النيابية.
لكن، قد تكون الملاحظات أو التعليق على مضمون المقابلة ضرباً من ضروب الإعجاز، لأنه لم يُجِب بغروره، لا بل بوقاحته المُعتادة، عن أيّ سؤال إجابة صحيحة، بل كان الحوار بمجمله كذباً بكذب، فيما اكتفت المحاورة بطرح الأسئلة من دون التعليق إلا شكلياً على بعض الإجابات، لعدم اطّلاعها على الوقائع التاريخية، ما دفعني تلقائياً إلى اختصار رسالتي هذه من دون تفنيد كل كلامه، ومن عاصرَ المراحل التي تحدّث عنها يعرف ذلك تمام المعرفة، ويعرف كيف انطلق أمين الجميّل في بدايات الحرب الأهلية كقائد لميليشيا الكتائب في المتن، وارتكبَ مجازره بحق المسيحيين الموارنة في قرية عينطورة، وبحق الفلسطينيين أيضاً المسيحيين في الضبية وجسر الباشا، مع تصفية المئات من المنتمين إلى الأحزاب الوطنية في مناطق سيطرته، ثمّ ختمها بمجازر الضاحية الجنوبية ضدّ الشيعة اللبنانيين بعد حلول الاجتياح الإسرائيلي وانتخابه بالقوة رئيساً للجمهورية المحتلّة، ما قسمَ الجيش في حينه، وعلى أثر خطف ٢٦٠٠ شاب لبناني متنوّعي الانتماءات المذهبية والحزبية من بيروت الغربية عن طريق ألوية من الجيش كانت بإمرته، بمؤازرة ميليشيا القوات، والذين لم يعودوا إلى ذويهم واعتُبروا في عداد المفقودين.
أما أن ينسب أصول عائلته المبهمة والمجهولة إلى قريش، أي إلى قبيلة الرسول الأكرم، فيما تعددت الروايات حول أصلِها على لسانه ولسان والده قبله إلى حدّ التشعّب والتناقض، ليدّعي بعدها أنه لم يُخضع الشرتوني لأيّ تعذيب، فهذه هي الهرطقة بعينها التي اتّهم بها كلام هذا الأخير الذي ذكرَ فيه عبارةَ تفنّنه بأساليب التعذيب، الذي استعان في الحقيقة من أجلها وكما عرفَ كُثر من بين ضباط الجيش وقتها بخبراتٍ أجنبية.
ونشير هنا الى صدور مقال لحبيب الشرتوني في جريدة «الديار»، عدد ٢١ نيسان ٢٠١٧، عن أصول آل الجميّل، فيما نعي في آن أن لا مشكل لدى محازبي الكتائب مع الأصل اليهودي، بل دفعهم التطرّف الطائفي إلى معاداة العرب والمسلمين علانيةً فترة الحرب الأهلية، ولاستباحة الأبرياء والمدنيين منهم ومن المختلفين معهم في الانتماء السياسي والوطني حتى من المسيحيين أنفسهم كما جاء، إنما ارتضت بعض القيادات الروحية والسياسية للطوائف المسيحية المشرقية العريقة أن تزايد قبيلة الجميّل ــــ المتحولة إلى المسيحية لدى قدومها إلى لبنان منذ حفنة قرون والمتحولة إلى الإسلام في اليمن للحفاظ على امتيازاتها هناك قبل العدوان الأخير والباقية على يهوديتها في المغرب ــــ على خياراتها وتوجّهاتها لتجرّها إلى التحالف مع إسرائيل لخوضِ حروبٍ هدفت إلى تقسيم المنطقة إلى كيانات دينية ومذهبية سابحة في فلك الكيان الأقوى من بينها أي إسرائيل، فيما تحوّل المشروع عندما واجه مقاومةً كما يحصل عادةً في المسار التاريخي للشعوب كافّة إلى حروبٍ عبثية ودامية لم يجنوا منها غير الدمار والخراب.