الحكومة إلى “ما دون الصفر”.. خصوم باسيل يفنّدون “مبادرته”!
خاص “لبنان 24”
أخيرًا، دخل رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل على خطّ “الوساطات” لتشكيل الحكومة، على حدّ ما أوحى في مؤتمره الصحافي، الذي أطلق خلاله ما وصفها بـ”المبادرة”، التي حيّد رئيس الجمهورية ميشال عون عنها، وقوامها أولاً رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20 أو 22 أو حتى 24 وزيرًا.
وإذا كان باسيل كرّر، في متن هذه “المبادرة”، الفصل بين “التيار الوطني الحر” ورئيس الجمهورية، معلنًا “التخلّي” عن حصّة الأول الحكوميّة لصالح الثاني، فإنّه لم يغيّب “ثابتة” المعايير الموحَّدة التي ينادي بها منذ اليوم الأول للتكليف عن مَطالبه، شاكيًا مرّة أخرى “ازدواجيّة” تعاطي رئيس المكلّف مع المسيحيين بخلاف نظرائهم المسلمين والدروز.
لكنّ باسيل تقدّم خطواتٍ إلى الأمام، أو أوحى بذلك على الأقلّ، بإعلانه عن طرحٍ بديلٍ “أسهل وأفعل”، يقضي بالتخلّي عن كلّ الشروط والمطالب، مقابل “التسليم” ببرنامج “التيار” الإصلاحيّ، متحدثًّا في هذا السياق عن شروط “سهلة” يمكن أن تؤدي إلى ولادة الحكومة، خلال أسبوع واحد، ولكن إذا ما توافرت “الإرادة السياسية”، على حدّ تعبيره.
أين المبادرة؟!
لم يتأخّر الردّ “السلبيّ” على مؤتمر باسيل في الظهور من خلال البيان “الفوريّ والناريّ” لتيار “المستقبل”، الذي اتسم بلهجةٍ حادّة، ولم يَخلُ من “القنابل الصوتية”، وصولاً إلى حدّ اتهام رئيس “التيار الوطني الحر” بأنّه ما زال يقيم في “لالا لاند”، في إيحاءٍ بانفصامه عن الواقع، ويفرض على رئاسة الجمهورية الاقامة الجبريّة.
ومع أنّ المكتوب يُقرَأ من عنوانه، إلا أنّ محسوبين على التيار “الأزرق” يذهبون أبعد من ذلك، ليستهزئوا بالحديث عن “مبادرة” أطلقها باسيل في خطابه، متسائلين عمّا إذا كان ورد أيّ بندٍ في الخطيب يمكن أن يرتقي لمثل هذا الوصف، طالما أنّ الرجل كرّر المواقف نفسها، من الحصص والمعايير والبرامج وما إلى ذلك، إلا إذا كان “توزيع الأدوار” بينه وبين رئيس الجمهورية، والذي لا ينطلي على أحد، يمكن أن يسمّى “مبادرة”.
بالنسبة إلى هؤلاء، لا يعني شيئًا أن يقول باسيل إنه لا يريد أيّ حصّة أو حقيبة لنفسه أو لتيّاره، إذا كان “يحيّد” نفسه عن رئيس الجمهورية، علمًا أنّه بدا في “مطالعته المطوّلة” ناطقًا باسم الأخير، ويحدّد ما يمكن أن يقبله أو يرفضه. ويذهب “المستقبليّون” أبعد من ذلك، بالتنبيه إلى أنّ جزءًا وافرًا من الخطاب، هُدِر على محاولة باسيل “تثبيت” حقّ فريق “العهد” بالحصول على الثلث المعطّل، ولو جاء ذلك في معرض “نفي” المطالبة به!
“انقلاب” على التوافق!
ولعلّ الأخطر من ذلك، برأي الأوساط “المستقبليّة”، ليس فقط أنّ باسيل كرّس “الانقلاب” على التوافق الوحيد الذي كان قد تمّ في الأيام الأولى من التكليف على حجم الحكومة، ولكن أنّه عاد لاستخدام الخطاب الطائفي، بل هاجم الرئيس المكلَّف على تأكيده “حرصه” على “حقوق المسيحيّين”، لأنه اشتمّ في خطابه “رائحة تربيح جميلة”، وليس أكثر من ذلك.
في المحصّلة، وبمُعزَلٍ عن “البازار” الذي افتتحه كلام باسيل، فإنّ المشكلة الأكبر فيه تبقى أنّه أدّى إلى “توتير” الأجواء الحكوميّة، أكثر ممّا كانت متوتّرة في الأصل، وهو ما أصبح “ملازِمًا” لخطاباته برأي خصومه، ممّن يشيرون إلى أنّ حليفه الصامد الوحيد، “حزب الله”، لم يعد يَسلَم من “استفزازاته”، وهو ما كان عبّر عنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ولو بصورة غير مباشرة في خطابه الأخير، حين أعلن رفضه مناقشة الاختلافات بين الجانبين في العَلن.
ووفقًا للعارفين والمراقبين، فإنّ “مبادرة” باسيل، التي لم يقاربها الخصوم بواقعية أو جدية، لاعتقادهم أنّها محاولة للقفز إلى الأمام ليس إلا، أعادت الأمور إلى “ما دون الصفر”، وهنا الطامة الأكبر، لأنّ المطلوب في هذه المرحلة قد يكون “الصمت” أكثر من أيّ شيء آخر، بانتظار نضوج ظروف “تسوية” ما، لا تشجّع عليها خطابات الأسقف العالية، التي تستجلب ردودًا قاسية، تضيّع كلّ الجهود المبذولة المرئية وغير المرئية، إن جاز التعبير.
يقول “التيار الوطني الحر” دفاعًا عن “مبادرة” رئيسه، إنّ الخصوم لم يعلّقوا، في ردودهم “المتسرّعة”، على “الجوهر”، وهو البرنامج “الإصلاحيّ” للحكومة المقبلة. يرون ذلك طبيعيًا، كون هذا البرنامج “غُيّب” مثلاً عن خطاب الحريري قبل أسبوع، كما يغيَّب عن كلّ النقاشات حول الحكومة. لكن الأكيد أنّه، ببرنامجٍ أو من دونه، فإنّ “المساكنة” بين طرفي الأزمة لا تزال “مستعصية”، حتى إثبات العكس!