انفجار بين ضفتي الأطلسي
يقولون أيضاً ان قرار غزو أفغانستان جاء من جورج دبليو بوش، وأن قرار الانسحاب جاء من جو بايدن «لم نكن هناك سوى الانكشارية، بالعيون الزرقاء». ألهذا أبدى الجنرال جوزف فوتيل، القائد السابق للقيادة الوسطى، خشيته من «الانفجار بين ضفتي الأطلسي» ؟
لم يتجرأ جوزيف بوريل، مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على محاكاة ايمانويل ماكرون بالدعوة الى انشاء جيش أوروبي منفصل عن حلف الأطلسي. قال بقوة من بضعة آلاف للتدخل في الأزمات. على كل الرئيس الفرنسي تراجع عن طرحه بحركة من اصبع دونالد ترامب. يعلم ما كان مآل شارل ديغول حين قال بـ «أوروبا العظمى» قبالة «أميركا العظمى. بكل تلك الغطرسة، قال جون بولتون ان التاريخ (وما بعد التاريخ) يبدأ بأميركا وبنتهي بأميركا…
الأوروبيون غاضبون، بدوا عراة، عراة حتى من ورقة التوت، في تلك الليلة الليلاء، ليعلو صراخهم. البشرية لم تشهد حتى أيام الأمبراطورية الرومانية، أو في أيام أمبراطورية جنكيزخان، تلك الحالة من الاستقطاب الأحادي. حتى الكرة الأرضية لا تدار من اله واحد بل من ثلة من الآلهة.
متى يدرك الأميركيون أن ما دعاه جورج بوش الأب، غداة تفكك الاتحاد السوفياتي، بالنظام العالمي الجديد انما هو الفوضى العالمية الجديدة. الأميركيون خرجوا حفاة من أفغانستان . ولا بد أن يخرجوا حفاة من سائر أرجاء العالم. هذا منطق الأشياء، ولا بد من ادارة مشتركة لكوكبنا.
من هنا كانت دعوة ريتشارد هاس، وكان مسؤول الشرق الأوسط، الى «اعادة النظر في سياساتنا حيال هذه المنطقة». في نظره أن «ادارتنا الهشة هناك ستذهب بالأنظمة الحليفة الى روسيا والصين. الحكام بدأوا يستشعرون أن عليهم أن يحزموا حقائبهم، ويغادروا تحت جنح الظلام، كما فعل أشرف غني، لأن الرهان على الأساطيل الأميركية كمن يراهن على المستحيل.
لافتة جداً التعليقات في بعض الصحف الخليجية حول «جنرالات الخشخاش»، وحول «الخواء الأميركي». لا تشكيك في الأرمادا العسكرية، ولا في الأرمادا الاقتصادية، للولايات المتحدة . ولكن لماذا تتحول الأمبرطورية الى دجاجة أمام ذلك الطراز من قطّاع الطرق؟
ماذا حين يثير فرنسيس فوكوياما، الذي شغل كتابه «الانسان الأخير ونهاية التاريخ» العالم على مدى أكثر من عقد في نهايات القرن المنصرم، تلك الأسئلة الصارخة حول مستقبل التصدع الدرامي في البنى السوسيوسياسية في أميركا.
البيض ضد السود، والسود ضد البيض. الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين لم يعد صراعاً سياسياً، بل تحوّل الى صراع ايديولوجي وعلى كل المستويات.
الصين تبدو كما الحيوان الخرافي الذي يثير الهلع، كما الخلاف، لدى الكثير من الأميركيين. من هنا دعوة هنري كيسنجر، وهو من فتح بديبلوماسية البينغ بونغ، أبواب المدينة المحرمة أمام ريتشارد نيكسون عام 1972، الى «رقصة التانغو مع التنين» . آخرون يرون أن نمو الصين عسكرياً، واقتصادياً، بالوتيرة الراهنة، «قد يجعل طريق الحرير يقطع طرقات كثيرة أمامنا»، حتى أن الاسرائيليين أبلغوا وليم بيرنز بأن «أميركا حليفتنا، لكن الصين ليست عدوتنا».
لاتعوز المؤسسة اليهودية، بتشكيلها الأخطبوطي، الرؤية البعيدة المدى لتلاحظ أن خارطة القوى في الكرة الأرضية تتغير على نحو دراماتيكي. تعتبر أن أفغانستان ستكون، اقتصادياً، في قبضة الصين التي تصبح على مسافة خطوات من الشرق الأوسط. في هذه الحال، والأميركيون يغادرون المنطقة، وان ببطء، لا بد من توثيق العلاقات مع بكين.
أولياء أمرنا في لبنان الذين ترتعد فرائصهم حتى أمام دوروثي شيا (وقيل أنها تستخدم أحمر الشفاه من صنع صيني)، يراهنون على صندوق النقد الدولي، بشروطه القاتلة، ويبتعدون عن العروض الصينية الواعدة . ولكن اسرائيل هي اسرائيل، ولبنان هو لبنان. يا للمفارقة الصادمة بين الساسة هنا والساسة هناك.
هل لدينا ساسة فعلاً أم تماثيل الشمع؟
رغم كل المشهد الرهيب في أفغانستان، الصقور في أميركا يقولون «اذا توقفنا عن قيادة العالم، لن تروا آدم يهبط الى الأرض. انه يهبط الى جهنم».
كلنا نعلم ما ينتظرنا في هذا الشرق الأوسط الذي اذ يقع على خط الزلازل، قد يقع، قبل منتصف القرن، على خط التنين . « وول ستريت جورنال» توقعت «غزو الصين للمنطقة بطريق الحرير لا بالدبابات والقاذفات». وليكن ..