ماذا بعد الاعتذار وتفلّت الشارع ومن يطفئ النار ويمنع الانهيار وهل من منقذ ومغيث؟
} علي بدر الدين-البناء
إقدام الرئيس المكلف سعد الحريري، على الاعتذار عن عدم متابعة مهمته التي كان الوصول بها إلى الخواتيم السعيدة من «سابع» المستحيلات، لأنّ ما بُني على الباطل والكيدية والتحدي والتحاصص، لا يمكن التعويل او الرهان عليه، ووفق المعطيات والمؤشرات السلبية التي ولدت مع التكليف منذ ما يقارب التسعة أشهر، وما واكبه من زيارات ولقاءات وجولات من المزايدة والادّعاء بالحرص والدفاع عن حقوق الطوائف والمذاهب، والإختلافات السرية والعلنية حول حجم الحكومة وشكلها وتوزيع حقائبها، وما رافقها من اتهامات متبادلة بين قصري بعبدا وبيت الوسط، وتحميل المسؤوليات لهذا أو ذاك في عرقلة التأليف، كافية للدلالة على انفراط عقد التسوية السياسية الرئاسية، وكأنها لم تكن، لأنها كانت من الاساس قائمة على المصالح والتحاصص ضمناً، وإنْ كان ظاهرها يوحي عكس ذلك، وعندما تضاربت المصالح وطغت الانانية وتحكم الطموح السلطوي الآني والآتي انهار الهيكل، ولم تعد «المساكنة» ممكنة بين الرجلين، وقد انفقد الودّ وطارت المودّة وتفرّق العشاق، وعاد كلّ فريق الى وتده متمسكاً بحبل مصالحه وحلفائه ومرجعيته في الداخل والخارج، من دون اعتبار لحال البلاد والعباد الكارثية جراء الانهيارات المتتالية التي لا تعدّ ولا تحصى اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً واستقراراً، وقد حلّ الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذل والحرمان والإهمال، ولم ينظروا أقله بعين الرحمة والرأفة والمسؤولية الإخلاقية لوطن ينهار عن «بكرة أبيه» ولدولة تمزقت ومؤسسات أصبحت في خبر كان: ولا لشعب معظمه يتمنّى الموت على عيشة الذلّ والمهانة والعوز والجوع وفقدان كلّ ما هو ضروري ليبقى على قيد الحياة.
ليس مهماً أن ترتفع أصوات فرقة حسب الله من هنا او هناك، ولا مواقف جوقات الشرف المطعون فيها، التي بدأت بالنشاز وبفتح ملفات الفساد والمحاصصة والنهب، ورمي الاتهامات جزافاً، أو تحميل المسؤولية لهذا المسؤول أو ذاك عن الفشل في تشكيل الحكومة وولوج الحلول، لأنّ الثابت في كلّ ما حصل وما سيحصل من تأزم وصراعات وتفاقم الانهيارات والانزلاقات بإتجاه الأسوأ والأخطر وإلى ما لا يُحمد عقباه، لأنّ كلّ المنظومة السياسية الحاكمة شريكة بالتكافل والتضامن والتحاصص والسطو عن سقوط البلد وجرّ شعبه الغارق بالجهل والعصبية والتخلف، إلى الفتنة الطائفية والمذهبية والزعائمية المدمّرة والقاتلة.
لأنّ الشعب الذي “هبّ” بعد الاعتذار أثبت مرة أخرى، وللمرة الألف انه غير جدير بالحياة ولا يستحقها، لأنه فاق مسؤوليه ومن يدّعي أنهم أولياء نعمته فساداً وجشعاً ونفاقاً وارتهاناً، وها هو يقتحم الشوارع ويقفل الطرق والشوارع وينشر الفوضى والفلتان والتسيّب ويواجه القوى الأمنية، وبدل أن يوجه رسالته وصرخاته واحتجاجاته وغضبه بإتجاه من “مصّ” دمه وحرم أولاده وأفقرهم وجوّعهم، ينتقم من شركائه في الوطن والفقر والجوع والذلّ.
لا فائدة لأيّ كلام بعد الآن، لأنّ الكلّ سقط في المهوار الذي لا خروج منه إلا بمعجزة وقد ولى زمانها، وسقطت المبادرات المحلية والخارجية التي ساهمت بحماية السلطة السياسية الحاكمة وظلت تدعمها وعلى تواصل معها وشجعتها على مواصلة نهجها الإفسادي، وعلى تقويض أسس هذا البلد المخلخلة أساساً، وكلّ حركتها لا قيمة لها ولا فائدة منها، لأنها روّضت الشعب بوعود العقوبات الفارغة من دون أن تنفذ أيّ قرار أو بند منها، ربما يؤثر في هذه السلطة ويردعها قبل فوات الأوان.
الأسئلة تتزاحم والاقتراحات تتوالى والبلد برمّته بات على كف عفريت كبير من الفوضى التي اذا ما استمرّت يعني أنّ كرة النار ستتدحرج وتحرق الجميع ولن يسلم منها أحد أياً كانت طائفته أو مذهبه أو مسؤوله وزعيمه، ولن يقدر أحد على إطفائها.
ليس ما يحصل الآن وما سيحصل من تداعيات خطيرة جداً سببه الاعتذار الذي كان متوقعاً منذ فترة، بل بسبب تراكم الأزمات والمشكلات والانهيارات وتخلي السلطة عن مسؤولياتها وواجباتها، وعدم تراجعها عن فسادها وتحاصصها ونهبها للمال العام والخاص على المكشوف. الإعتذار تحوّل إلى عود كبريت أشعل كومة القش التي جمعتها مكونات هذه السلطة بالغش والكذب والوعود المخدّرة للشعب.
من حق البعض أن يسأل، ماذا بعد، وما هي المخارج؟ ومن سيطفئ النار التي بدأت بالتمدّد إلى كلّ المناطق، والأخطر أنها تحرك الغرائز والعصبيات التي وحدها تشكل مقتلاً للوطن والدولة والمؤسسات والدستور والقانون والشعب. هل من منقذ ومغيث قبل دفن الوطن والشعب إلى مثواهما الأخير؟