من الدعم إلى البطاقة التمويلية… Debut mal parti finit mal
هتاف دهام – لبنان24
منذ إعلان حكومة الرئيس حسان دياب تعثر الدولة ماليا ووقفها عن دفع المُستحقات المتوجبة عليها من ديون (سندات اليوروبوندز وبعدها سندات بالليرة اللبنانية)، والبلد يشهد تدهورا في كل المؤشرات المالية والإقتصادية والنقدية، ولعل تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، والتضخّم وما يواكبه من تنامي نسب الفقر في لبنان، هي من أكثر المؤشرات تداولًا ولكنها ليست الوحيدة.
لكن، أما وقد أقرت البطاقة التمويلية بمعدل وسطي 137دولار للعائلة، فإنها ستطال كل الأسر اللبنانية المحتاجة، على ان تستثنى فقط الأسر الميسورة، مما يعني أنه ستتم إضافة نحو 500 ألف أسرة إلى برنامجي شبكة الأمان الاجتماعي والأسر الأكثر فقرا ليصل العدد في المحصلة إلى 750 ألف عائلة.
وقد كلف وزراء المال والاقتصاد والشؤون الاجتماعية وضع آلية التوزيع ومعايير الاشخاص الذين يستحقون البطاقة (مستوى الدخل، الحالة الاجتماعية وعدد أفراد العائلة) والاستثناءات خلال 15يوما ، علما أن النقاش الطويل الذي شهدته اللجان المشتركة يوم الخميس حول علاقة البطاقة التمويلية برفع وترشيد الدعم، أفضى إلى تضمين الأسباب الموجبة وليس متن القانون دعوة الحكومة الى إنجاز هذا الموضوع .
على هذا الأساس، من المتوقع أن تقدم الحكومة مطلع الأسبوع المقبل مشروع قانون البطاقة التمويلية كي يقر في جلسة سيعقدها الأسبوع المقبل المجلس النيابي بالإضافة الى إعلان الإجراءات التي تتصل بترشيد الدعم، الذي شكل، وفق الخبراء الاقتصاديين، تعديا فاضحا على أموال المودعين، خاصة وانه كلف شهرياً نصف مليار دولار تقريباً وفق وكالة موديز، عطفا عن أنه عزز عمليات التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية والتي لا تزال مستمرة بوتيرة متصاعدة حتى اليوم.
إن تمويل البطاقة التمويلية، وفق مصرف لبنان، سيتم بالاستناد إلى المادة 91 من قانون النقد والتسليف الذي يتيح للبنك المركزي توفير قرض للدولة بصورة استثنائية على أن يسترده لاحقا بعد تحويل البنك الدولي جزءا من القروض المقررة للدولة اللبنانية وتوفير قرض جديد بقراءة 300 مليون دولار للبطاقة ، وهذا يعني ان القرض الذي سيمنحه المركزي للحكومة يمثل جزءا من أموال المودعين، علما ان عددا من النواب لم يخجل في القول “طبعا تمويل البطاقة التمويلية من اموال المودعين”، فليس أمامنا أي حل او خيار او بدائل يمكن اللجوء اليها، مع علم المعنيين ان هذا الاجراء قد يدفع بقوة الى ارتفاع خسائر المودعين.
رأي خبير
ويؤكد الخبير المالي طلال مارديني ان تمويل البطاقة التمويلية من أموال المودعين لن يؤدي فقط الى ارتفاع خسائر المودعين انما أيضا إلى المزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يمثل نتيجة مباشرة وحتمية للمس بالاحتياطي الذي يعني مسا بالثقة بالليرة اللبنانية والتي باتت ضعيفة جدا، لكن المؤسف ان الطبقة السياسية لا تزال تتعاطى بطمع مع هذا الاحتياطي ولا تنوي مطلقا القيام بالإصلاحات المرجوة، علما ان سبل الحلول متاحة لو يستمع المعنيون الى نداءات المجتمع الدولي الذي يبدي والبنك الدولي الاستعداد لمساعدة لبنان شرط تنفيذ الاصلاحات المطلوبة منه. فقروض البنك الدولي تنتظر الحكومة وبالتالي لماذا اللجوء الى قرض من مصرف لبنان بدل الحصول عليها مباشرة من البنك الدولي؟ الجواب ان الحكومة لا تنوي اخذ قروض البنك الدولي لأنها محكومة بشروط تتصل بحسن تنفيذ الاصلاحات، ولان لا نية لديها بتنفيذ جدي وشفاف للمشاريع المطلوبة منها، فهي تلجأ الى أموال المودعين لصرفها بعيدا عن رقابة البنك الدولي او اي رقابة اخرى.
بطبيعة الحال، فإن استخدام الاحتياطي تحت أي حجة سيؤدي الى ارتفاع الدولار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي فان تمويل الدعم من خلال هذا الاحتياطي يعني تمويله من التضخم اي فرض ضريبة جديدة على المواطن الذي سوف تنخفض قدرته الشرائية، يؤكد مارديني.
المشهد اليوم يؤكد أن كل المشاريع يتمّ تمويلها من مصدر واحد وهو الإحتياطي الإلزامي – أي أموال المودعين. هذا الأمر يطرح عددا من الإستنتاجات وعلى رأسها أن لا أموال فعلية إلا في مصرف لبنان وأن الدولة اللبنانية أصبحت تقريبا من دون مداخيل. أيضا يمكن الإستنتاج أن الإحتياطي الإلزامي هو حقيقي والدليل أن الصرف يأتي من هذا الإحتياط. كما يمكن القول إن هناك أمرا أصبح شبه أكيد وهو أن لا حل سياسي في الأفق وهو ما يدفع الدولة إلى التوجه إلى هذا الإحتياطي الإلزامي.
لكن أليس الأجدى بالدولة إعطاء الأموال للمودعين بدل صرفها على الدعم وعلى البطاقة التموينية؟
الواقع يقود الى التأكيد أن لجوء الدولة الى الاحتياطي الالزامي يؤدّي إلى نتيجتين:
الأولى أنه لم يعد للدولة أي دور فعلي لا في الاقتصاد ولا في النقد .
والثانية أن هناك طبقة فقيرة لا تمتلك المال ستذهب ضحية ارتفاع الأسعار.
أضف إلى ذلك أن استحقاق الانتخابات النيابية دفع القوى السياسية إلى إستخدام هذا الإحتياط بهدف ضمان عودتها إلى السلطة من خلال البطاقة التمويلية او الانتخابية وهو ما يجعل هذه القوى تفضل إستخدام الإحتياط بدل إعطائه لأصحابه.
في ظل المس بالإحتياطي الإلزامي، ماذا سيكون موقف نقابة المحامين التي هددت ونقيبها برفع دعاوى ضد كل من مس بالإحتياط؟ وماذا سيكون موقف رئيس لجنة العدل النائب جورج عدوان الذي هدّد أيضًا بملاحقة قانونية بحق المسؤولين؟
وسط هذا المشهد الذي يثبت أن العد العكسي لتبعات الانهيار والارتطام المالي والمعيشي والاجتماعي قد بدأ بالتصاعد، يكتفي الخبراء الاقتصاديون العالمون بخفايا الامور في الصالونات التي تجمع القوى السياسية مع “مهندسي السياسة المالية” ،بالقول début mal parti finit mal، على اعتبار أن البحث عن مكمن الازمة يقودنا فورا إلى العودة لمرحلة ما قبل الدعم الذي شكل أسوأ خيار حكومي، أوصل إلى النتائج الخاطئة الراهنة.