جنبلاط يُحرّض على القرض الحسن
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يرتفع النائب السابق وليد جنبلاط ويهبط بحسب حركة البورصة السياسية. حين يكون الاشتباك يدور على أشده في وجه حزب الله يأخذ “البيك” موقعاً لنفسه، أقرب إلى “النكوزة”!
يخرج بحرتقات على شكل مواقف، ويفتي بأمور من قبيل الخلاف الذي دار مؤخراً مع الضاحية حول معامل التربة ورفض الحزب التوسط لتأمين حركة “سبلين” واخواتها إلى سوريا، أو كمثل الهجوم الذي دشّنه حديثاً تحت عنوان “التقريع على القرض الحسن”.
منذ فترة وجنبلاط يُنقّر على مؤسسة القرض الحسن بصفتها “جهة تؤمن التمويل لحزب الله” متقاطعاً بذلك مع الاتهامات الاميركية. تصريحاته خلال الفترة الاخيرة تزدحم بالاتهامات المكرّرة للحزب. في الثالث من الشهر الجاري قال لـ”سكاي نيوز عربية” إن “القرض الحسن مؤسسة أصبح لديها ATM وتوزع للمواطنين الذين ينتمون اليها مبالغ تقارب خمسة آلاف دولار”. يخيل إلينا أن مندوباً من المؤسسة يقف في الشارع العريض ويقوم بتوزيع الدولارات “الفريش” على المارة! أعاد الكرة قبل يومين عبر موقعه حزبه الرسمي، الانباء، وردد المعزوفة ذاتها ولو بتعديل لغوي طفيف: “حزب الله من خلال القرض الحسن يقوم بتركيب أجهزة ATM في مناطقه تمكّن من سحب مبلغ يصل إلى حد الـ ٥٠٠٠ دولار نقداً”. تصرف لا يقرأ إلا من منطلق أن جنبلاط، أقلها، يحرّض الأميركيين أو يلفت نظرهم إلى كون المؤسسة تؤمن اقتصاد موازٍ في مناطق نفوذ الحزب كبديل للاقتصاد الذي يعمل على ضربه بإستخدام سلاح العقوبات. وبعد، جنبلاط يرمي من وراء تصريحاته إلى إشاعة أجواء مخالفة للواقع. فالقرض الحسن يقوم بتقديم قروض ميسّرة لقاء رهن الذهب ولا يوزع دولارات بالمجان. في جانب آخر، يحرص “البيك” من خلف تصريحاته إلى الإبقاء على ارسال رسائل ساخنة نحو الحزب.
لا يُمكن إعفاء “البيك” من أدواره حيال ملف القرض الحسن سيما عندما تأخذ أشكالاً ملتبسة لا يصح فيها القول أنها “مسائل عرضية على صلة بالاشتباك السياسي الدائر داخلياً تحت عنوان الحكومة أو غيرها”. هناك سؤال جوهري لا بد من طرحه و بصوت عالٍ ومطلوب من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ان يجيب: لماذا هذا التزامن بين تصريحاته التي تطال “القرض الحسن” والحملة السياسية التي تستهدف المؤسسة بالتقاطع طبعاً مع الهجمة الاميركية الشرسة، وتلك التي استجدت قبل ساعات من خلال اعتماد أسلوب القرصنة وكشف سرّية عملاء ومستخدمي المنصة الصفراء، بطريقة، لا يمكن إعفاء وقوف جهات منظمة خلفها.
على الأرجح أن “البيك” لن يجيب وهذا متوقع، لكن ذلك لن يعفيه من واقع أنه يتموضع في الوقت الراهن في موقع الاتهام، وهذا طبعاً لا يعفيه من مسؤولية التورّط في تأدية أعمال تخدم غرض كشف القرض الحسن.
وللحقيقة، يمكن القول في هذا الجانب، ان “بيك المختارة” يرمي من وراء هذا الاستهداف إلى جني أثمان سياسية بعيدة المدى. وإستناداً إلى “ربط النزاع” القائم مع الحزب، يجد البيك أنه من الافضل عدم مجابهة الضاحية بشكلٍ مباشر، وإن أفضل طريقة هي المواجهة بالمقلوب، أي عبر الجنوح إلى “ممارسة التلطيش والتحريض” من خلال تناول قضايا يضعها حزب الله في مقام الحساسة.
ثمة أمر آخر، “البيك” لا يتقبل فكرة أن حزب الله مرتاحاً في مناطقه على الرغم من الحصار المالي والعقوبات، بينما الآخرين يعانون. ردّد تلك المعزوفة أكثر من مرة. فقبل فترة ارسل اكثر من اشارة في هذا الاتجاه، عبر الاعلام او من خلال أصدقاء ومعارف، ونقل عنه انتقاده الأميركيين لكون العقوبات لا تؤثر على بيئة حزب الله إطلاقاً، بل تضعف البيئات المجاورة. هو يلمّح إلى الجبل الذي “يعاني” بحسب أكثر من مصدر، لذا، كان “البيك” حريصاً على إطلاق “مقاومة زراعية” على غرار تلك التي أطلقها حزب الله، بهدف تحويل مناطق شاسعة من الجبل إلى “محميات زراعية”. طبعاً الانتقاد لا يحمل علامات الحرص على “بيئة الحزب”، بل يستبطن دعوات ربما لاعتماد وسائل ضغط أخرى يرى البيك انها افضل!
ثمة جانب سياسي إضافي أكثر اهمية. فجنبلاط لا يريد إظهار نفسه على أنه يتموضع في خانة رمادية في مشروع مقارعة حزب الله في الداخل، سيما مع بلوغ المشروع مراحل متقدمة. صحيح أن “البيك” يعتمد سلوكاً هادئ نسبياً في الظاهر، لكنه في العمق لا يقل سوءاً عن أسلوب سمير جعجع مثلاً المتقاطع في النظرة إلى الحزب مع السعوديين. إذاً الاختلاف محصور في “التكتيك”.
أكثر من ذلك، فعلى أبواب التبدلات والانعطافات السياسية الداخلية، إن على صعيد تأليف الحكومة أو وصول العهد إلى العامين الأخيرين من ولايته، والمعطيات التي تفيد بدخول جنبلاط في أحلاف معارضة، لا يريد أن يبقى جالساً عند قارعة الطريق. لا بد من أخذ موقف. ورويداً رويداً يخطي خطواته بتأنٍ تجاه بلورة خطاب سياسي مشترك مع الآخرين، يتقاسم خلاله الأدوار لجهة مواجهة حزب الله التي غدت الآن واضحة ومختلفة عن النماذج التي اعتمدت في السابق.