تحقيقات - ملفات

بطاقة “سَجَّاد” المسيحيّة… آخر رهانات “العهد القويّ”

 

خيرالله خيرالله – أساس ميديا

من أجل وضع اليد على لبنان، ليس أفضل من إفقاره وإفقار شعبه. هذا ما يفسّر كلّ حدث من الأحداث التي مرّ فيها البلد منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005، وصولاً إلى تعطيل رئيس الجمهورية تشكيل حكومة في سنة 2021، مروراً، بطبيعة الحال، بالاغتيالات التي استهدفت شخصيّات محدّدة، والتفجيرات، وحرب صيف 2006، والاعتصام في وسط بيروت، واتّفاق الدوحة، وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وانهيار النظام المصرفي، وتفجير مرفأ بيروت.

لذلك كلّه، قد لا تكون لـ”العهد القوي” مهمّة أخيرة في السنة والشهور الأربعة الباقية له سوى إكمال إفقار اللبنانيين أكثر وتحويلهم إلى مجرّد متسوّلين بناءً على رغبة مَنْ أوصل ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهوريّة في آخر شهر تشرين الأوّل 2016، أي “حزب الله”.

ينفّذ الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أجندة لا هدف لها سوى تحويل لبنان واللبنانيين إلى مجرّد ورقة تستخدمها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في معاركها الخارجيّة، خصوصاً مع الدول العربيّة المطلوب أن ترضخ لها، ومع الولايات المتحدة التي عليها العودة إلى تمويل المشروع التوسّعي الإيراني، كما حصل في عهد باراك أوباما.

في كلّ ما له علاقة بوصول الوضع اللبناني إلى ما وصل إليه، لا بدّ من البحث عن “حزب الله” الذي وجد الشخص المناسب بغية تنفيذ المهمّة المطلوب تنفيذها بدقّة ليس بعدها دقّة. هل من شخص آخر غير رئيس الجمهورية الحالي يلقي بكلّ ثقله من أجل الحؤول دون تحقيق دولي في جريمة بحجم جريمة تفجير مرفأ بيروت قبل ما يزيد على تسعة أشهر؟

ليس ما يدلّ على نهاية “العهد القويّ” وسقوطه المريع سوى الطريقة التي تصرّف بها مرافقو صهر رئيس الجمهوريّة جبران باسيل مع فتاة في البترون اختارت أن تقول للصهر في وجهه رأيها فيه. لم تقُلْ الفتاة شيئاً باستثناء عبارة “تفو عليك”، التي كانت كافية لكشف العهد على حقيقته، نظراً إلى أنّ لهذا العهد رمزاً واحداً هو الصهر المدلّل لرئيس الجمهوريّة الذي يريد تعليم العالم، بالصوت والصورة، كيف تُدار الدول من دون موازنات. مَن يعتدي مرافقوه على فتاة مسالمة إنّما هو مفلس لا أكثر. وليس هذا التصّرف الأحمق والزقاقيّ بامتياز سوى دليل على أنّ اللبنانيين، عموماً، باتوا يعرفون حقيقة العهد وحقيقة الكلام الفضفاض الفارغ من أيّ مضمون الذي يصدر عنه…

وسط كلّ ما حدث ويحدث في لبنان، حيث يتعرّض المواطن يوميّاً لكلّ أنواع الذلّ، بعد سرقة أمواله واحتجازها في المصارف، وبعد انهيار كلّ قطاع من القطاعات بما فيها التعليم والصّحّة والسياحة، لا يمكن تجاهل الدور الذي أدّاه المسيحيون من الطبقة دون الوسطى في الوصول إلى الكارثة. هؤلاء، الذين خذلوا فؤاد شهاب في الماضي واستجابوا لغرائز بدائيّة تحرِّكهم، يتحمّلون مسؤولية كبيرة عن وصول البلد إلى ما وصل إليه. هؤلاء لم يتعلّموا شيئاً من دروس الماضي القريب، وبقوا أسرى تلك الغرائز، التي في أساسها الجهل، والتي جعلتهم يؤيّدون ميشال عون ومرشّحيه في الانتخابات النيابيّة لعام 2005. كانت تلك أوّل انتخابات بعد الخروج السوري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري. تبيّن أن هؤلاء يعشقون كلّ مَن لديه رهانات خاطئة، مثل رهانات ميشال عون في عاميْ 1989 و1990 على صدّام حسين، ورهاناته بعد عام 2006 على استعادة حقوق المسيحيين بواسطة سلاح “حزب الله” المذهبي والميليشيويّ، ورهاناته الحالية مع جبران باسيل على بطاقة تمويليّة خاصّة بالمسيحيين ستموّلها إيران، على نسق بطاقة “سَجَّاد” التي يعتمدها “حزب الله” مع جمهوره. هؤلاء يعتقدون أنّ الفرج آتٍ، وأنّ إيران ستتوصّل إلى صفقة مع الإدارة الأميركية، ستفرج بموجبها عن أموال تكفي لجعل إيران قادرة على تمكين “العونيين”، عبر بطاقة تمويلية خاصّة بهم، من اكتساح المقاعد المسيحيّة في الانتخابات النيابيّة في سنة 2022.

هؤلاء العونيّون يظنّون أنّ إيران ستدعم بطاقة “سَجَّاد” المسيحية التي تسمح لناخبيهم بالحصول على الأرز والسكّر والبيض وبعض اللحم والسلع الضرورية. هذا ما يطمح إليه “العهد القويّ”، وهذا رهانه الجديد بعد سقوط كلّ الرهانات الأخرى التي يمكن أن تحمل جبران باسيل إلى قصر بعبدا. هل ضاق أفق المسيحيين إلى حدّ لم تعد طموحاتهم تتجاوز بطاقة تمويلية؟ هل ضاقت إلى حدّ لم يعد بينهم مَن يقرأ نصّاً للأديب الفرنسي الساخر فولتير (1694 – 1778) ينطبق على الوضع اللبناني الراهن، الذي يجمع بين الحرامي العاديّ والحرامي السياسيّ بطريقة عجيبة. جاء في النص:

“الحرامي العاديّ: هو من يسرق مالك، محفظتك، درّاجتك، مظلّتك…

الحرامي السياسي: هو من يسرق مستقبلك، أحلامك، علمك، صحّتك، قوّتك، ابتسامتك…

يكمن الفارق الكبير بين هذين النوعين من الحرامية في أنّ الحرامي العاديّ يختارك من أجل سرقة ما تملكه، بينما الحرامي السياسي فأنت مَن تختاره كي يسرقك.

الفارق الكبير الآخر، وهو لا يقلّ شأناً عن الفارق الأوّل، أنّ السارق السياسي محميّ عادة من خلال مواكبة الشرطة له…”.

لا حاجة إلى مزيد من الكلام. عاش فولتير في القرن الثامن عشر، ولكن ليس ما هو أدقّ من كلامه لوصف حال بعض المسيحيين اللبنانيين الذين ما زالوا يراهنون على رهانات ميشال عون وجبران باسيل في عام 2021.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى