الترسيم رهن الطفافات وخط هوكشتين
المصدر: نداء الوطن
هل يقترب لبنان من احتمال التفاهم غير المباشر مع كيان العدو الإسرائيلي حول ترسيم حدوده البحرية؟
سؤال ما زال مطروحاً بانتظار أن تتسلم الدولة اللبنانية الصيغة الخطية النهائية المقترحة حول ما يتم تسميته بـ»خط هوكشتين» المستحدث، والذي أظهرت إحداثياته الأولية التي تسلمها القصر الجمهوري واستعان بخبراء معنيين لتنزيلها على الخارطة، إضافة الى وقائع الاتصالات والاجتماعات في لبنان وخارجه، الأفخاخ التالية:
أولاً: إن خط الطفافات الذي اصطنعه العدو الإسرائيلي بعد انسحابه من الأراضي اللبنانية في العام 2000 لأسباب أمنية كما يدعي، ينطلق من نقطة إبتدعها وسماها النقطة 31 وهي بداية الخط 1 الذي أودعه العدو الأمم المتحدة العام 2011، مما يعني عملياً أن لبنان تنازل عن اعتبار نقطة رأس الناقورة منطلقاً لترسيم الحدود، مع العلم أنه من المفترض أن يتم ترسيم الحدود البحرية انطلاقاً من آخر نقطة برية على الشواطئ اللبنانية. وبالتالي فإن الأمر لا يقف عند حدود التنازل بحراً بل يتعداه للقبول الضمني بأنه يمكن إزاحة الحدود البرية الملامسة للشاطئ الى ما خلف رأس الناقورة شمالاً.
لكن الأخطر أن المساحة الواقعة بين نقطة رأس الناقورة وخط الطفافات المصطنع يعتبرها لبنان منطقة محتلة من قبل هذا العدو، وبالتالي فإن تثبيت خط هوكشتين المستحدث يعني أن العدو يكون قد شَرَّع احتلاله برضى الدولة اللبنانية، أما إذا تم الإذعان لفكرة أن تكون هذه المساحة «منطقة عازلة» تحت سلطة قوات الأمم المتحدة «اليونيفيل»، فإن هذا يعني قبول لبنان بأن هذه المنطقة متنازع عليها وليست حقاً مكتسباً للبنان وفقاً لإتفاقية «بولي-نيو كومب» العام 1932، ولإتفاقية الهدنة العام 1949 اللتين ثبتتا حدود لبنان المعترف بها دولياً.
ثانياً: إن الإحداثيات التي من المفترض أن يودعها لبنان الأمم المتحدة بعد إنجاز التفاهم أو الاتفاق الموعود وفق خط هوكشتين يعني تعديلاً في الخط 23 المودع في العام 2011 بمرسوم حمل الرقم 6433. إضافة الى أن هذه الإحداثيات لن تتضمن حكماً الجزء الشمالي من «حقل قانا» المحتمل، مما يعني أن الاتفاق على هذا الجزء لن تكون له أية مفاعيل قانونية دولية، وإنما سيكون في إطار صيغة مطاطة وغير ملزمة للعدو في حال مماطلته أو حتى تلكُّئِه في الإيفاء بمندرجات هذا الاتفاق، خصوصاً وأن الراعي الأميركي حاضر دائماً لحمايته والضغط على لبنان.
أما السؤال الأهم فهو يتمحور حول الضمانات التي سيتلقاها لبنان لتسهيل عملية المسح والاستكشاف ومن ثم التنقيب في الجزء الشمالي من حقل قانا المحتمل، مع العلم بأن هذا الجزء يقع ضمن البلوك «الإسرائيلي» رقم 72 والذي من المفترض أن يطرح تلزيمه ضمن دورة التراخيص الرابعة بعد الانتهاء من الاستخراج وضخ الغاز والنفط من حقل «كاريش». وفي حال ربط العدو الإسرائيلي بين موافقته على السماح للبنان البدء بالعمل في الجزء الشمالي من حقل قانا المحتمل وبين الموعد الذي يناسبه لبدء العمل في البلوك رقم 72 الذي قد يمتد لسنوات، فماذا باستطاعة لبنان أن يفعل؟ وللتذكير فإن العدو قد فعل أمراً مشابهاً مع دولة صديقة له وهي قبرص حيث أوقف العمل في حقل «أفروديت» المشترك بينهما لمدة عشر سنوات، مع العلم أن حصته لا تتجاوز الـ5% من هذا الحقل. وهذا يعني أن جهود لبنان للاستفادة من الجزء المذكور ستبقى معلقة بانتظار القرار الإسرائيلي.
ثالثاً: إن الاهتمام الأميركي الذي يترجمه الوسيط الأميركي هوكشتين استعجالاً لترتيب اتفاق، أو على الأقل تفاهم، إنما ينبع من رغبة إدارته «تحرير» حقل كاريش وإخراجه من دائرة التفاوض، وتمكين حكومة العدو من البدء بتصدير الغاز «الإسرائيلي» الى أوروبا. ولتحقيق ذلك يتكل هوكشتين على خوف المسؤولين اللبنانيين المعنيين من العقوبات الأميركية، وأيضاً على اندفاع رئيس الجمهورية ميشال عون وطاقمه لإنجاز اتفاق أو تفاهم بأي ثمن خلال الأسابيع القليلة المتبقية من عهده! هذا الاندفاع الذي كانت بداياته إعلان صريح من الرئيس عون التنازل عن المطالبة بالخط 29 الذي وحده يتمتع بمصداقية قانونية دولية وبمواصفات تقنية تحفظ حقوق لبنان الفعلية، ومن ثم القبول بالتفاوض حول الخط 23 وصولاً الى خط الطفافات أو خط هوكشتين المستحدث. وهذا يقودنا الى المعادلة التالية:
– بدء الإنتاج في حقل كاريش بمجرد إقرار الاتفاق أو التفاهم بين لبنان وكيان العدو الإسرائيلي.
– إطلاق حكومة العدو دورة التراخيص الرابعة لتلزيم البلوكات الواقعة بين الخطين 23 و29، أي مساحة الـ1430 كلم² التي كان من المفترض أن تكون منطقة متنازعاً عليها لو تجرأت الدولة اللبنانية على تعديل المرسوم 6433.
– إنتظار لبنان للإجراءات والتفاهمات الإسرائيلية مع الشركات المعنية التي ستسمح له ببدءِ العمل في الجزء الشمالي من حقل قانا المحتمل الواقع ضمن البلوك رقم 72 «الإسرائيلي».
– إنتظار لبنان تجديد تجمع الشركات التي نالت التراخيص للمباشرة بالعمل في البلوك رقم 9 نشاطها بعد تسوية أوضاعها في ما بينها ومع الدولة اللبنانية، إثر خروج شركة «نوفاتيك» الروسية من هذا التجمع.
– تنازل لبنان عن جزء من مياهه الإقليمية في حال قبوله بخط الطفافات أو ما يسمى خط هوكشتين المستحدث.
– الإنكشاف أمام العدو الإسرائيلي عند البحث في الطلب منه التراجع عن الخروقات البرية المسماة «الخط الأزرق» الى الحدود المعترف بها دولياً، لأنه حينها سيعتبر أن التسوية السياسية التي عقدها مع لبنان بحراً، والتي لا تستند الى أية حيثية قانونية دولية أو تقنية صحيحة، يمكن أن يعقد مثلها في البر.
– عدم حصول لبنان على الحيز الجغرافي الذي يفترض ترسيمه ليضم الجزء الشمالي من حقل قانا المحتمل، أي ضم هذا الجزء الى الخط 23. واقتصار الأمر لاحقاً على نيل لبنان عائدات مالية مفترضة من الشركة التي ستنال حق التنقيب والاستخراج في حال ثبت وجود كميات تجارية في هذا الحقل.
إن لبنان الذي يعيش أزمة مالية واقتصادية-اجتماعية خانقة لن يضيره الثبات على موقفه السيادي لنيل حقوقه القانونية والفعلية كاملة وليس تلك الحقوق المجتزأة التي تطالب بها السلطة السياسية القائمة. ذلك أنه مضطر في شتى الحالات الى الانتظار سنوات عديدة كي ينهض بمشروعه للاستثمار في ثرواته البحرية من النفط والغاز. وبالتالي فإن إيهام الرأي العام اللبناني بأن إنجاز اتفاق أو تفاهم سريع مع العدو بوساطة أميركية سيؤدي حكماً وسريعاً الى تحقيق بحبوحة مالية واقتصادية، لا يعدو كونه أوهاماً يبيعها مسؤولو السلطة الحاكمة الفاسدون والفاشلون للبنانيين، كذلك هي وعود فارغة غير قابلة للتحقق في المدى المنظور، وهي أيضاً مشابهة للوعود التي سبق وأطلقتها قوى هذه السلطة عند كل استحقاق انتخابي أو حكومي ولم تنفذ منها شيئاً.
إن المستعجل هو العدو ومعه حليفه الأميركي، وبالتالي فإن الفرصة سانحة للبنان كي ينال حقوقه القانونية والفعلية، أو على الأقل أن تفاوض سلطته القائمة من موقع القوي، ولا يحتاج الأمر سوى الى موقف لأن الموقف لوحده سلاح كافٍ، أما التنازل للعدو وإن تم تغليفه بالواقعية فهو وصمة عار.