صاروخ ديمونا ليس حدثاً عابراً
ناصر قنديل-البناء
– ليست قضيتنا مناقشة تذهب أبعد من تفحص الرواية التي قدّمها كيان الاحتلال وجيشه للصاروخ الذي بلغ مفاعل ديمونا، والتي تقول إنه صاروخ دفاع جويّ سوريّ انزلق وهو يلاحق إحدى طائرات جيش الاحتلال. وهذه الرواية تفترض أننا نتحدث عن صاروخ دفاع جوي بمدى يزيد عن 300 كلم. وهذا الصاروخ يفترض أنه ليس موجوداً لدى الجيش السوري وقوى المقاومة، فمدى صاروخ الـ أس 200 الذي تحدّث عنه جيش الكيان هو 160 كلم أفقياً ومدى صواريخ الـ أس 300 هو 100 كلم أفقياً وصواريخ أس 400 مداها هو 250 كلم، إلا إذا كان تفسير جيش الكيان يرتكز على استخدام صواريخ مطوّرة من شبكة الـ أس 400 من طراز (40N6)، الذي يصل مداه الى 400 كلم أفقياً، وفي هذه الحالة يكون مجرد استخدام الصاروخ حدثاً بحد ذاته.
– في التعامل مع الغارات التي يشنها جيش الاحتلال على جوار العاصمة السورية، بات ثابتاً خلال مدة طويلة أن جيش الاحتلال يغير بواسطة طائرات من خارج الأجواء السورية، منذ إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة اف 16، عام 2017، وأن الدفاعات السورية كانت تحصر تعاملها مع الصواريخ وتستثني استهداف الطائرات المغيرة من خارج الأجواء السورية، وفيما لم يجرؤ جيش الاحتلال على العودة لانتهاك الأجواء السورية، تخطّت سورية قاعدة حصر استهدافها للصواريخ وصولاً لاستهداف الطائرات المغيرة من خارج الأجواء السورية بمرات محدودة، ما يعني ان هذا التخطي يترجم قراراً سياسياً، لأن التصدي للصواريخ شيء والتصدي للطائرات وخارج الأجواء السورية شيء آخر. وعندما تستهدف الطائرات المغيرة خارج الأجواء السورية فالأمر بين احتمالين، أن تسقط الطائرة، أو أن يواصل الصاروخ سيره حتى مداه النهائيّ وينفجر، ووجهة الإطلاق تحدد نقطة الانفجار، وهي ليست عشوائية أبداً، بل تتم بتحكم دقيق من جهة الإطلاق.
– الأمر إذن بين احتمالين لا ثالث لهما، الأول ان صاروخ دفاع جوي تعمّدت سورية إطلاقه نحو الطائرات المغيرة وهي في سماء فلسطين المحتلة، فلاحقها وبقي يواصل سيره نحو ديمونا حيث انفجر، وهو في هذه الحال من طراز مطوّر وحديث من صواريخ إس 400، وبخلفيّته قرار سياسيّ مزدوج، بتظهير وجود شبكة أس 400 حديثة، وقرار بملاحقة الطائرات المغيرة من خارج الأجواء السورية، وصولا لفرضيّة انفجار الصاروخ في مدى عمق الكيان، يعلم بسهولة من أطلق الصاروخ ترجيح نقطة انفجار صاروخه في أجواء ديمونا، فيصير القرار مثلثاً برمزية ما تعنيه ديمونا ومفاعلاتها، والاحتمال الثاني أنه صاروخ أرض أرض باليستي أطلق من الاراضي السورية نحو منطقة قريبة من مفاعل ديمونا في رسالة مباشرة تقول إن المفاعل بات هدفاً مشروعاً لصواريخ سورية ومحور المقاومة رداً على الاعتداءات المتكررة، والرسالة ليست عادية ولا عابرة في هذه الحالة.
– القضية الأهم التي يثيرها صاروخ ديمونا هي، فشل جيش الاحتلال في اعتراضه، رغم وجود قبته الحديدية، وشبكات صواريخ حيتس وباتريوت. والأمر هنا ليس بلوغ صاروخ أطلق من عمق مسافة لا تقل عن خمسين كلم داخل الحدود السورية، إلى منطقة القشرة الحدودية في الأراضي المحتلة، كما حدث قبل أسابيع قليلة عندما سقط الصاروخ السوري في الحدود الجنوبيّة للبنان، بعد عبور سماء الجولان المحتل من دون قيام شبكات صواريخ جيش الاحتلال بالنجاح في اعتراضه. فالقضية هذه المرة أن الصاروخ عبر أكثر من 250 كلم في سماء فلسطين المحتلة، وتجاوز شبكات رادار وإنذار مبكر وصواريخ، وصولاً الى ديمونا، ما يقول شيئاً غاية في الخطورة، وهو أن صاروخاً بمفرده ينجح بفعل ذلك، من دون أن تتولى صواريخ رديفة تشويش شبكات القبة الحديدية وردائفها، فكيف عندما تكون المواجهة المفتوحة، ويحدث ما يصفه قادة جيش الاحتلال بشتاء الصواريخ، المتعدّد المصادر والاتجاهات، وهذا إن قال شيئاً فهو يقول فقط، وفقط لمئة مرة، إن الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وإن قادته يكذبون ليس في روايتهم عن الصاروخ فقط، بل في ما تحدثوا عنه مراراً من فعالية القبب الحديدية والفولاذية، فإذ هي مجرد قبب من ورق أو من حبر أو من كلام فقط وفقط.