“عقدة” النزوح تفتتح “عقداً جديداً” من الحرب السورية
مرّ عقد من الزمن على اندلاع الأزمة السورية، إذ إن تاريخ 15 آذار 2011 كان مفصلياً بالنسبة إلى سوريا والمنطقة، فاهتزّ النظام الذي كان يحكم البلاد بالحديد والنار، ومعه دفع الشعب السوري أغلى فاتورة دم ودمار منذ عقود.
على رغم أن الأزمة السورية هي من أكبر أزمات العالم، إلا أن تلك الحرب لم توصل الدولة السورية إلى الإنهيار مثلما أوصل حلفاء النظام السوري في لبنان الدولة اللبنانية، لكن مما لا شكّ فيه أن سوريا فقدت إستقلاليتها وباتت أرضاً تتصارع عليها القوى الإقليمية والدولية.
ومن أهم مُخلّفات الحرب السورية كانت أزمة النزوح التي ضربت لبنان والعراق والأردن وتركيا، لكن لبنان دفع الفاتورة الأكبر نظراً لوضعه الإقتصادي المهترئ ولطبيعة تكوينه الجغرافي والديموغرافي.
وهنا يُطرح سؤال كبير وهو: هل سيحمل العقد الثاني من الحرب السورية حلّاً لملف النزوح السوري أم أن الأزمة ستستفحل ويعيش لبنان سيناريو النزوح السوري؟
بعد مرور 10 سنوات على اندلاع الحرب، بات النزوح أقرب إلى التواجد الإقتصادي منه إلى الأسباب الأمنية، والدليل أن عدداً كبيراً من النازحين يزور سوريا مرات عدّة في السنة، وبالتالي فإن من اعتاد العيش في لبنان لن يعود إلى مدن وبلدات مدمّرة من دون أي أُفق لإعادة الإعمار.
والأخطر من هذا كلّه أن هناك جيلاً وُلد في لبنان وكبر ولا يعرف شيئاً عن سوريا وبات يرى طريقة العيش مختلفة عن بلاده، وهذا الجيل قد يُفكّر مع الوقت بالهجرة إلى الغرب لكنه بالطبع لن يعود للعيش كما عاش آباؤه وأجداده.
كل تلك العوامل تدفع العدد الأكبر من السوريين إلى البقاء في لبنان على رغم اشتداد الأزمة الإقتصادية، خصوصاً أن لبنان يدفع ثمن أزمة سوريا، والوضع في سوريا ليس أفضل حالاً لأن الإنهيار يقع هناك أيضاً والدولار يُحلّق على رغم كل التدابير القمعية التي يتخذها النظام السوري، ومحاولة حلفائه في لبنان وعلى رأسهم “حزب الله” مدّه بالمواد المدعومة وحرمان الشعب اللبناني منها.
هذا في الشق الإقتصادي والإجتماعي، أما سياسياً، فتؤكّد معلومات “نداء الوطن” أن عدداً كبيراً من الدول الفاعلة وكذلك منظمة الأمم المتحدة أبلغت لبنان رسمياً منذ فترة قصيرة بأنها تتفهم معاناته بالنسبة إلى تحمّل أعباء النزوح لكن في الوقت عينه غير قادرة على فعل شيء، ووضعته في صورة أن حلّ الأزمة لا يزال بعيد المنال.
ويطرح عدد من السفراء أمام مسؤولين لبنانيين إستحالة العودة في ظلّ عدم رغبة عربية وأوروبية وأميركية في تمويل مشروع إعادة إعمار سوريا، ما يدفع المنظمات الدولية إلى الإستمرار بمساعدة النازحين في لبنان ودول الجوار السوري وعدم طرح حلّ جذري بإعادتهم وتقديم العون لهم في بلادهم.
وتلعب روسيا دوراً محورياً في المساهمة في حلّ هذه الأزمة، لكن الروس يؤكّدون أن عودة النازحين تبدأ من إبرام تسوية سياسية كبرى في المنطقة تشارك فيها جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وينتج عنها مؤتمر دولي لإعادة الإعمار وتأمين التمويل اللازم، عندها تبدأ حكماً مسيرة عودة النازحين إلى بلادهم.
ويحاول النظام السوري إبتزاز دول الجوار والمجتمع الدولي بملف النزوح وهو لا يقدم على خطوات تُسهّل العودة بل يفتعل العراقيل وآخرها فرضه على كل سوري عائد تأمين 100 دولار أميركي من أجل السماح له بالرجوع إلى منزله، وهذا الأمر نقطة في بحر العراقيل التي توضع في درب العودة، في حين أن أفرقاء الداخل لا يسعون إلى تأمين عودة النازحين، كل واحد منهم لأسبابه الخاصة.