MEE: الرسوم المسيئة هي المشكلة وليس احتجاج المسلمين
المدرسة قالت إنها تحقق في الواقعة- أرشيفية
هاجم موقع “ميدل إيست آي” الحكومة البريطانية ووسائل إعلامية وحركات “اليمين المتطرف”، على خلفية تحركها ضد المسلمين، واحتجاجهم على عرض أحد المعلمين رسوما مسيئة للنبي في إحدى المدارس البريطانية.
وقال الموقع في تقرير ترجمته “عربي21″، إن التغطية الإعلامية، صورت المسلمين في بلدة باتلي، على أنهم يخوضون حربا مع القيم البريطانية، لكن “الأوباش الحقيقيين”، ليسوا أولئك المحتجين خارج المدرسة، لكن الإعلام الذي عمل على تأجيج النار.
وأضاف: “تحت سمع وبصر إعلام جاهل، يغلب عليه التعصب ولا يعرف الشفقة، يتم دق طبول الهلع ضد المسلمين البريطانيين بينما يعمل وزراء لا ضمير لهم على كسب نقاط سياسية رخيصة، وتتسع التصدعات في مجتمعنا الذي يعاني أصلاً من المشاكل”.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
تحت سمع وبصر إعلام جاهل يغلب عليه التعصب ولا يعرف الشفقة، يتم دق طبول الهلع ضد المسلمين البريطانيين بينما يعمل وزراء لا ضمير لهم على كسب نقاط سياسية رخيصة، وتتسع التصدعات في مجتمعنا الذي يعاني أصلاً من المشاكل.
والأسوأ من ذلك كله أن قضايا بالغة التعقيد يتم اختزالها على شكل تحليل مبسط يلحق ظلماً كبيراً بحق إنسانيتنا المشتركة. نحن أمام واحدة أخرى من الحروب الثقافية التي يعشق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إشعالها.
والرابحون هم الغلاة في الجانبين.
من الخطر وانعدام الشعور بالمسؤولية والخطأ الجسيم نشر اسم مدرس باتلي الذي عرض على تلاميذه الصور المسيئة للنبي محمد – وتهديده عمل إجرامي. ولكن في نفس الوقت، يتم استغلال هذا الخلاف، المصطنع إلى حد بعيد، من قبل حركات اليمين المتطرف ومراكز البحث والتفكير التابعة لها، والتي سخرت الكثير من الوقت والجهد والموارد الفكرية لإثبات أن ثمة توترات لا يمكن التفاهم حولها بين الغرب والإسلام.
معايير مزدوجة
دعونا نعود خطوة إلى الوراء. لقد ثبت منذ وقت طويل وجود تحالف غير معلن بين المتشددين المسلمين وبين من لا شغل لهم سوى توجيه اللكمات للمسلمين. فكلا الطرفين جل همه التأكيد على أن الإسلام والغرب لا يمكن لهما أن يتعايشا، رغم أن هذا الاعتقاد باطل، بدليل ما تثبته التجربة التاريخية مراراً وتكراً. ومع ذلك، كلما ثار خلاف مثل هذا تكتسب مزعهم زخماً، وتتوحش وسائل الإعلام في الترويج لأفكارهم.
سوف أبين في هذا المقال لماذا لربما (وأستخدم كلمة لربما لأننا مازلنا لا نعرف كافة التفاصيل ولم نطلع على كل الحقائق) كان أولياء الأمور الذين اشتكوا محقين فيما أقدموا عليه.
ولسوف أقدم دليلاً يثبت أنه تم لي التغطية الصحفية بحيث تصور المسلمين في بلدة باتلي على أنهم متعصبون يخوضون حرباً مع القيم البريطانية. ولكني سوف أبين في البداية أن قضية باتلي وما تمخض عنها تتعلق بما هو أدنى بكثير من مسألة حرية التعبير التي أجمع كتاب الأعمدة في الصحف البريطانية على التأكيد عليها.
لم يكن لدينا في يوم من الأيام حرية تعبير غير مقيدة في بريطانيا. فالعبارات العنصرية غير قانونية. وكذلك خطاب الكراهية والتحريض على العنف. وكل إنسان نزيه يرحب بفرض مثل هذا الحظر. وفي نفس الوقت تعاقب قوانين القذف كل من يقوم بنشر مواد كاذبة وغايتها التشهير. ولكن بشكل عام، تتوفر هذه القوانين فقط لأصحاب الثراء الفاحش الذين يسيئون استخدامها لحماية سمعتهم.
ومع ذلك من الصعب أن تجد من يقول بأنه ما كان ينبغي لقوانين القذف أن توجد.
ثم هناك الأحكام التي تحمي الدولة. لقد ارتكبت بريطانيا وكذلك حلفاؤنا جرائم مريعة في الخارج، وبشكل خاص – وإن لم يكن حصرياً – في البلدان المسلمة، ويصعب، بل ربما يستحيل في بعض الأوقات، أن تجد شيئاً منشوراً عن تلك الجرائم.
يجدر بالمرء أن يتذكر المصير الذي ينتظر من يتجرأ على ذلك. خذ على سبيل المثال جوليان أسانج، الذي يقبع داخل سجن بيلمارش منذ عامين، وقد يموت داخل السجن، وجريمته: حرية التعبير.
وكما ذكرت في تقرير أعددته بالاشتراك مع ميلي كوك ونشر في مجلة “بريتيش جيرناليزم ريفيو” فلقد عمدت وسائل الإعلام البريطانية ضمن الخط العام، فيما عدا استثناءات نادرة، إلى تهميش أو تجاهل قضية أسانج، وذلك رغم أن إصرار الولايات المتحدة على تسليمها أسانج بسبب نشره الحقيقة حول جرائم الحرب التي ترتكبها الولايات المتحدة تمثل أخطر قضية تواجه حرية التعبير حتى الآن في هذا البلد.
وبقدر ما تسنى لي التحقق منه حتى الآن (ولن أتردد في تصحيح تلك المعلومة إن ثبت أنني مخطئ) لم ينتصر لأسانج كاتب أو مجادل واحد من الذين كتبوا بإلحاح شديد دفاعاً عن حرية التعبير في باتلي.
لا ماثيو سيد، ولا ماثيو باريس، ولا فياز موغال، ولا تشارلز مور، ولا جوانا روسيستر ولا كينان مالك ولا نيك تيموثي في صحيفة التلغراف. ولا أحد من بين التجمع الضخم للكتاب الذي تدافعوا للهجوم على المدرسة وعلى ما يسمى محتجو باتلي فيما يبدو في الظاهر أنه دفاع عن حرية التعبير.
أدعو أولئك الكتاب المتنفذين، والذين أكن لبعضهم عظيم التقدير والاحترام، إلى أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانوا مذنبين بازدواج المعايير. فمحاولات تسليم أسانج تحظى بالمساندة من قبل مصالح عالمية في منتهى القوة والنفوذ، بما في ذلك جبروت حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا المتمثل بدعم كامل من المؤسسات العسكرية والسياسية في البلدين.
عليكم ألا تنسوا أن غالبية جرائم الحرب الأمريكية التي فضحها أسانج – بما في ذلك الاحتجاز غير المشروع في غوانتانامو وغيره، والمذابح التي ارتكبت بحق المدنيين العزل، والتعذيب – كانت قد ارتكبت داخل بلدان مسلمة.
عليكم أن تتذكروا أنه لو ارتبكت مثل هذه الجرائم من قبل دولة مسلمة ضد مواطنين غربيين، لكانت تفاصيل تلك الجرائم تتصدر العناوين الكبرى ولكان أسانج اليوم بطلاً يحتفى به. عليكم أن تتذكروا أنه بسبب أننا نتحدث عن هجمات غربية ضد المسلمين، وليس العكس من ذلك، فقد غدا أسانج منبوذاً ويتم تجاهل ما كشف عنه من حقائق.
حكاية باتلي
والآن أتحول إلى الأحداث في باتلي. ففي الثاني والعشرين من مارس / آذار، قام أستاذ الدراسات الدينية بعرض صورة من الرسوم المسيئة للنبي محمد أثناء الحديث عن التجديف (الكفر). يقال إن المدرس قام بعرض صورة من الرسومات التي نشرتها مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، إلا أن الصورة نفسها لم يتم الكشف عنها للعامة – ولم تؤكد المدرسة ما إذا كانت تلك الرواية صحيحة أم لا.
نظمت خارج المدرسة احتجاجات في صبيحة يومي الخميس والجمعة الماضيين. وتم توقيف المدرس عن العمل بانتظار التحقيق، وهو الآن متخف. وصفت معظم هذه الصور بأنها مجرد “رسومات” – والرسومات عادة ما يتشكل الانطباع لدى الناس عنها بأنها فكاهية.
لا يوجد ما هو فكاهي أو مضحك بشأن الصور التي نشرتها مجلة شارلي إيبدو حول النبي محمد. فمثلها مثل رسومات الصحيفة الدنمركية “يلاند بوستن”، إنما كان المستهدف منها هم المسلمون ولم يقصد منها إلا السخرية والإهانة. يعتبر تصوير النبي محمد من المحرمات في الإسلام، بغض النظر عن مدى احترام أو تقدير من يقوم بالتصوير، فكيف بتلك الرسومات التي لا تعبر إلا عن عدم الاحترام.
هل كان من الضروري عرض هذه الصور؟ لقد كان بإمكان المدرس طرح الموضوع للنقاش دون عرضها.
لا نعلم بالضبط ما الذي تم عرضه، أو كيف أدار المدرس ما جرى من نقاش. إلا أن ذلك يبقى من الأهمية بمكان إذا أردنا أن نفهم ما الذي حدث بالضبط، فبعض المعلقين ذهب إلى تصوير النقاش على أنه البديل بين عرض الصور والالتزام بقوانين التجديف.
ليس لدي علم على الإطلاق عما إذا كان المدرس قد عرض الأمر بهذا الشكل – مع أن ذلك هو ما افترضه معظم المراقبين. إذا صح ذلك، فلم تكن تلك مناظرة حقيقية في سياق ما يجري داخل الفصل الدراسي من نقاش. صحيح أن الدفاع عن حق حرية التعبير أمر قانوني، وتطبيق قوانين التجديف غدا غير قانوني منذ أن ألغيت تلك القوانين تماماً في كل من إنجلترا وويلز في عام 2008، وتم إلغاؤها مؤخراً في اسكتلندا. فذلك لا يبقي للتناظر شيئاً.
أقترح أن ما نحن بصدده يتعلق بحق الإساءة للآخر – وما إذا كان حق حرية التعبير – أو متى يكون ذلك الحق – مقدماً وله الغلبة على ما قد تسببه ممارسته من إساءة وضرر نفسي وعاطفي.
السياق مهم
كما هو الحال دوماً، ينبغي أن توضع هذه المجادلة ضمن السياق. نحن نتحدث عن فصل دراسي لتلاميذ تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة عشر وأربعة عشر عاماً، كثيرون منهم مسلمون. هناك إرشادات متوفرة للمعلمين الذين يتعاملون مع قضايا حساسة كهذه. ولقد وجدت من المفيد أثناء التحضير لهذا المقال الرجوع إلى نشرة المعلومات التي تقدم للمعلمين تحت عنوان “التعامل مع المسائل الخلافية”.
يحسن بالآخرين أن يفعلوا نفس الشيء.
هناك اعتبار آخر لربما لم يخطر ببال كتاب الأعمدة الرئيسيين في التلغراف والتايمز، والذين يتقاضون أتعاباً مجزية جداً على كتاباتهم، أن يأخذوه بالحسبان. حرية التعبير غير متاحة للأطفال المسلمين في سن الثالثة عشر في باتلي. فعبارة واحدة تعتبر خارجة أثناء نقاش موضوع حساس مثل رسومات شارلي إيبدو قد تُشعر المعلم بأنه لا يملك خياراً إزاءها سوى رفع تقرير بها بموجب ما تنص عليه إرشادات “برنامج بريفنت”.
وهذا يعني أنه إذا لم يعرض المعلم الموضوع على أنه “مناظرة” بين القانون وتصرف غير قانوني، بدلاً من أن يكون بين ما هو مشروع وفوائد ضبط النفس، فإنه يعرض التلاميذ للخطر. مرة أخرى، لا يوجد ما يثبت أن المعلم فعل ذلك، ولكن يبدو أن ذلك ما يفترضه كثير من المعلقين في وسائل الإعلام ممن هبوا للدفاع عنه.
جميع المقالات التي نشرت في صحافة التيار العام خلصت إلى نفس الاستنتاج وهو أن هذه القضية تتعلق بحرية التعبير مقابل التعصب.
فئتان من حرية التعبير
شيء واحد يقلقني. نحن نتكلم عن فئة من الناس هم الأفقر والأدنى نفوذاً في هذا البلد. لا يتكبد المعلقون البريطانيون أي تكاليف مقابل تصوير هؤلاء الناس على أنهم متعصبون ويشكلون تهديداً وجودياً للحريات الغربية التي نعتز بها.
تدفعني أحداث كهذه إلى التساؤل في بعض الأوقات عما إذا كان لدينا في واقع الأمر فئتان من حرية التعبير، واحدة للأثرياء وأخرى للفقراء. واحدة للأقوياء وأخرى للضعفاء. واحدة لنا وأخرى للمسلمين. ولذلك من المثير للاهتمام بالفعل أن المقال الوحيد الذي وجدته يتحدى الإجماع هو مقال نشر خارج وسائل إعلام التيار السائد، في مدونة شخصية.
لم يمر بي اسم كاتب ذلك المقال، جون ياتس، من قبل. وإن بت أعلم الآن أنه سوف يصدر له كتاب هذا الصيف حول كيف يمكن أن نداوي ما تعانيه مجتمعاتنا من انكسار. يشير ياتس إلى أن بريطانيا تقبل بسرور جميع أنواع الحظر الذي قد يفرض على حرية التعبير، ولا يبالي بذلك أحد. ويقترح أنه يتوجب علينا جميعاً خوض تجربة ذهنية نتصور من خلالها أن المعلم:
“جاء بمقال نشر في أمريكا في خمسينيات القرن العشرين حول العلاقات بين الأعراق. وأنه راح يقرأه جهاراً دون أن يلاحظ أنه في الفقرة الثالثة والخامسة منه وردت كلمة زنجي. لم يتوقف عندها، بل مضى وقرأها. ثم قضى بعض الوقت وهو يناقش جهاراً كيف ينبغي بالضبط النطق بالكلمة … أو ربما قرر أن يقوم بدور عطيل. ولكي يجذب اهتمام الجميع، جاء إلى الفصل وقد طلا وجهه باللون الأسود.”
ثم يقول إن مثل هذا التصرف سيحكم عليه بأنه غير مقبول، وسيضطر مدير المدرسة لاحقاً إلى الاعتذار عنه، وقد يصدر قرار بتوقيف المعلم بينما يجري التحقيق في الحادثة. وذلك هو بالضبط ما حدث في باتلي، إذ تصرف مدير المدرسة بحصافة، وليس صحيحاً أنه كان، كما كتب بريندان أونيل في مجلة “ذي سبيكتاتور”: “ينحني أمام المتطرفين المتدينين طالباً منهم العفو وناشداً المغفرة عن شيء من المقبول تماماً أن يحدث في مؤسسة تعليمية.”
من هم الأوباش حقاً؟
في هذه الأثناء، برز رجل بعينه أكثر من أي شخص آخر على اعتبار أنه صورة طبق الأصل لما أطلق عليه “المسلمون الغاضبون” ممن قيل إنهم يحتجون خارج مدرسة باتلي الثانوية. لربما تعرف عليه المتابعون باهتمام من قراء الصحف من عمامته ومن لحيته المكتملة فضية اللون ومن قناعه. تعرفه الصور المنشورة له على أنه زعيم الاحتجاج.
بحثت عنه فوجدت أنه مفتي محمد أمين باندور، موظف الدولة السابق. قال لي إنه لم يكن أصلاً يتواجد خارج المدرسة من أجل الاحتجاج وإنما بطلب من الشرطة، الذين طلبوا منه أن يعمل على تهدئة الأمور.
تحققت من الأمر فوجدت له مقطع فيديو وهو يقوم بالضبط بتلك المهمة، ويحث الناس على الالتزام بأحكام القانون.
لو أمعنت النظر في صور محمد باندور لوجدت في بعضها أن ممثلي وسائل الإعلام يتجاوزون المحتجين عدداً. فمن كان الأوباش الحقيقيون الذين وقفوا خارج المدرسة ينبحون؟
هل كان أولئك هم “المسلمون الغاضبون” كما صورتهم تقارير وسائل الإعلام البريطانية، أم وسائل الإعلام التي خرجت في مهمة الغاية منها إذكاء لهيب الحرب الثقافية الأخيرة لبوريس جونسون؟