تحقيقات - ملفات

من بغداد ودير الزور الى طرابلس .. السعودية تُطلق ذئابها ؟

ارشيف


عمر معربوني | باحث لبناني في الشؤون السياسية والعسكرية .
إنطلاقاً ممّا حدث في العراق حيث كنّا وبعد فترة طويلة على إختفاء العمليات الإنتحارية أمام عملية مزدوجة في ساحة الطيران – بغداد ، ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى ، وهو ما أثار موجة من الغضب لدى العراقيين وأدخل الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية في سجالات عنيفة وصلت حد إقصاء العديد من المسؤولين الأمنيين وتحويل البعض الى التحقيق ، واتخاذ تدابير وإجراءات مشدّدة للحد من عودة هذه العمليات بالوتيرة التي سادت قبل سنوات .
في سورية ايضاً شهدنا عودة لنمط الكمائن التي لم تفرّق بين العسكريين والمدنيين على امتداد الطريق الرابط بين بادية دير الزور وصولاً حتى مشارف بادية مسكنة .
الكمين الأول تعرض لقافلة مبيت عسكرية في منطقة كباجب في ريف دير الزور وادّى الى استشهاد 34 عسكرياً ، في حين تعرّض الكمين الثاني لقافلة صهاريج نفط وحافلات مدنية في منطقة وادي الغريب بالقرب من أثريا شرق ريف حماه .
بالإنتقال الى لبنان يمكن القول أنّ ما شهدته مدينة طرابلس من رمي للقنابل على سرايا طرابلس لمرتين يُعتبر نقلة خطيرة في مسار الأزمة اللبنانية لا يمكن التغاضي عنه ولا تجاهل آثاره وتداعياته السلبية .
وقبل الدخول في تبيان طبيعة التطورات الجديدة وتداعياتها لا بد من التذكير أن البلدان الثلاثة العراق وسورية ولبنان تتعرض لأكبر حملة ضغوط يمكن وصفها بالأشد والأقصى منذ عشر سنوات .
فمنذ سنة وشهرين انطلقت في العراق ولبنان وبشكل متزامن إحتجاجات شعبية بسبب الأوضاع الاقتصادية والضائقة المعيشية يتم الإستثمار فيها من قبل الأميركيين بشكل واضح تمّ الإعلان عنه منذ فترة على لسان ديفيد هيل عندما قال أمام لجنة استجواب في الكونغرس الأميركي أن اميركا دفعت على مدى سنوات للمنظمات غير الحكومية في لبنان مبلغ عشر مليارات دولار ، إضافة الى ما تتعرض له سورية من عقوبات وحصار كان آخرها مفاعيل ” قانون قيصر ”
في سورية والعراق من الواضح أنّ تفعيل عمليات تنظيم ” داعش ” الإرهابي كان واضحاً لجهة اعتماد نمط الإنتحاريين في العراق والكمائن في سورية وهي أنماط تعكس إنكفاء التنظيم على المستوى الجبهي العسكري بعد تحقيق سلسلة من الهزائم في بنيته العسكرية افقدته القدرة على التأثير كما كان عليه قبل سيطرته على مساحات شاسعة من الجغرافيا العراقية والسورية وتموضعه المحدود في جرود عرسال ورأس بعلبك اللبنانية .
وبرأيي كان من الطبيعي ان نشهد هذا الإنكفاء ل ” داعش ” في البعد العسكري والتوقُّع باعتماد التنظيم عمليات ذات بعد أمني .
في العرا ق وسورية تمّ اعتماد أليات مكافحة لبقايا التنظيم لكنها لم تصل حدّ القضاء علىه نهائياً بعد انتقاله الى مرحلة الخلايا النائمة متخفياً في متاهات الباديتين العراقية والسورية ومعتمداً على الدعم اللوجستي والتقني الأميركي انطلاقاً من قاعدة التنف والقواعد الأميركية في العراق .
في لبنان تبدو الأمور مختلفة الى حدّ كبير في أنماط الإستهداف ولكنها تندرج تحت عنوان رئيسي واحد وهو : ” ماذا بقي من تأثير أميركي وسعودي ؟ ” .
وعندما نُشير الى التأثير الأميركي السعودي فإنّنا بالتأكيد لا نغفل التأثير الإسرائيلي حيث باتت الأمور في الفترة الأخيرة منكشفة وعلنية في شكل ومضمون التحالفات التي تُعلن تباعاً تحت مسمّى ” التطبيع ”
منذ عام 2017 بدأ التراجع في التأثيرين السعودي والأميركي في سورية والعراق ملفتاً وكبيراً مقابل تقدم كبير في التأثير التركي القطري .
فبعد تحقيق الهزيمة بتنظيم ” داعش ” في سورية والعراق وإنكفاء الجماعات الإرهابية من الجنوب السوري والغوطتين الشرقية والغربية لمدينة دمشق ، وفي القلمون الشرقي والغربي وارياف حمص واستعادة الدولة السورية السيطرة على غالبية الجغرافيا بات ممكناً القول ان التأثير السعودي – الإسرائيلي تراجع كثيراً في بعده العسكري بسبب أن هذه الجماعات كانت مدعومة مباشرة من السعودية وكيان الاحتلال ، لينحصر منذ ال 2017 في البعد الأمني الذي تبدو المعالجات فيه جيدة الى حدّ كبير ، في حين انّ التأثير الأميركي لا يزال قائماً في شرق الفرات محققاً مزيداً من الضغوط في البعدين الأمني والإقتصادي ، بالتوازي مع مزيد من التأثير للتركي في الشمال الغربي لسورية ولبنان ، هذا في سورية والعراق .
في لبنان تبدو الأمور مرشحّة على كل الإحتمالات خصوصاً انّ الإنقسام وصل الى الذروة متزامناً مع ثلاث أزمات ضاغطة : سياسية وإقتصادية ومالية ، تنبيء بدخول حتمي للبنان الى الكارثة وهو بسبب الإستثمار المريع للأميركي والإسرائيلي والتركي في هذه الأزمات والدخول السعودي مجدّداً على خط هذه الأزمات .
خلال السنتين الفائتتين استطاع التركي ان يجد له مواطيء قدم جيدة في الساحة اللبنانية وهو يحاول بقوة الحلول مكان السعودي الذي يخسر في لبنان بشكل متلاحق للعديد من الأسباب كما خسر في العراق وسورية .
في أحداث طرابلس الأخيرة كان واضحاً للمتابعين أنّ جماعات الشغب بشكل خاص تتبع لمجموعات سياسية ناشئة تتبع للمنتديات التي يدعمها بهاء الحريري ومجموعات أخرى تابعة للواء اشرف ريفي أُتهمت سابقاً انها تعمل مع التركي ولكن الثابت على ما يبدو علاقة هذه القوى بالسعودية والإمارات .
إضافة الى ما تقدّم من الواضح ان السعودية وبسبب التحولات الحاصلة في الإقليم تريد استعادة أدوارها السابقة لتجد لها مقعداً في المفاوضات الإقليمية والدولية القادمة .
فالسعودية التي خسرت في سورية والعراق ولبنان وتخسر ايضاً في اليمن قد تُقدم على خطوات مغايرة لما كانت تعتمده في لبنان ترتبط بموقف ان لا عودة سعودية الى المشهد السياسي اللبناني ما دام حزب الله الذي تُصنّفه منظمة ارهابية يتحكّم بالقرار اللبناني ويفرض ” مشروعه الايراني ” عليه، كما يؤكد المسؤولون السعوديون “انه لا يمكن لدول الخليج، لاسيما السعودية تجاوز موقف الملك سلمان عن لبنان وحزب الله في كلمته امام الجمعية العمومية للامم المتحدة الاخيرة التي عُقدت عبر تقنية الفيديو، والذي دعا فيه الى نزع سلاح حزب الله المقوّض للسيادة اللبنانية”.
وبناء عليه وحيث ان عودة السعودية الى لبنان بصيغها السابقة غير واردة فمن المرجح ان السعودية يمكنها بما تمتلكه من أوراق تحكم مع الأميركي والإسرائيلي ببقايا الجماعات الإرهابية والتي باتت على شاكلة خلايا نائمة وذئاب منفردة أن تعيد فرض ايقاعها من جديد خصوصاً وللتأكيد ان مبنى بلدية طرابلس هو مبنى عثماني وفي حرقه رسالة نارية بديل عن التراشق الإعلامي الذي ساد سابقاً بين انصار السعودية وتركيا في لبنان .
واذا ما استمرت الأمور بالتصاعد سنكون أمام مشهد كارثي اذا ما قرّرت السعودية إطلاق ذئابها في لبنان لتصبح شريكة أساسية في الفوضى وتحفظ لها مقعداً في أي مفاوضات قادمة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى