تحقيقات - ملفات

موجة أولى من زلزال إقليمي مقبل: محور صهيوني – خليجي برعاية أميركيّة

أكّد ابن زايد أن «المحرقة لن تتكرّر» في عبارة دَرَج الصهاينة على تكرارها لشرعنة حروبهم (أ ف ب )

 

الأخبار- وليد شرارة

تتسارع الخطوات نحو إتمام «زواج» غير شرعي بين الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية، بضمّ السعودية إلى هذا الركب، في ما قد يشكّل «كسراً للتوازن» في الإقليم، وفق معلّقين صهاينة. خطواتٌ تترافق مع مساعٍ مفضوحة لبناء سردية جديدة للصراع العربي – الإسرائيلي، تستهدف تشكيل وعي زائف لتأمين المبرّرات للتحالف العتيد. إزاء ذلك، تبرز أهمية تعاضد القوى والدول المعارضة للمحور الصهيوني – الخليجي، فضلاً عن توفير متطلّبات إطلاق انتفاضة شعبية فلسطينية

 

ما يجري بين بعض البلدان الخليجية، الإمارات والبحرين ومِن خلفهما السعودية، والكيان الصهيوني، تحوّل جيوسياسي عميق وخطير، سيفضي إلى احتدام الصراعات المتداخلة الدائرة في المنطقة، وإعادة صياغة التحالفات التي سادت فيها حتى الآن. جميع المعطيات التي أُوردت لتفسير خطوات هذه الأنظمة الخليجية وجيهة: اختيار توقيتها هو بالفعل “هدية انتخابية” للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اللاهث وراء أيّ “إنجاز” في الداخل أو الخارج؛ التحالف مع إسرائيل يرتبط مباشرة أيضاً بالمعركة ضدّ إيران وأطراف محور المقاومة الأخرى، وهو في نظر الأنظمة المذكورة “ورقة أمان” إضافية لضمان استمرار الدعم الأميركي والغربي لها. غير أن الأمر لا يقف عند هذه الحدود. ما نشهده هو تحقيق لحلم قديم لقادة الحركة الصهيونية، وبأبخس الأثمان: ما سمّاه ناحوم غولدمان، رئيس “المؤتمر اليهودي العالمي”، في بداية سبعينيات القرن الماضي، زواج “الذكاء” اليهودي والرأسمال العربي. وعلى الرغم من العنصرية الفاضحة لمثل هذه المقولة، التي تفترض أن العرب يمتلكون المال ولكنهم فاقدون للذكاء، فإن غولدمان وغيره من الذين روّجوا لها اعتبروا يومها أن تسويةً تقوم على مبادلة الأرض بالسلام هي المقدّمة الضرورية لتحقيق هذا “الحلم”. الجديد اليوم هو أن قادة خليجيين باتوا مستعدين لإنشاء تحالف مع إسرائيل من دون انسحابها ولو مِن جزء من الأراضي العربية المحتلّة عام 1967، انطلاقاً من اقتناعهم بأن مثل هذا التحالف سيُعظّم من قدرات أنظمتهم الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، ومن وزنها الجيوسياسي الإجمالي. بكلام آخر، إن نفس الاعتبارات التي تدفع العديد من دول العالم، الغربية وغير الغربية، بما فيها الصين وروسيا مثلاً، إلى تعزيز علاقاتها وتعاونها في مجالات شتّى مع إسرائيل، باعتبار الأخيرة أحد أقطاب التطوّر العلمي والتكنولوجي في منظومة العولمة، تحكم حساباتِ الجيل الجديد من قادة هذه الأنظمة الخليجية وقطاعٍ لا يُستهان به من نخب بلدانها وحتى نخب بلدان عربية أخرى مقتنعة في سرّها بصوابية هذا التوجّه. ما قد يترتّب من نتائج وتداعيات على هذا “الزواج” غير الشرعي على واقع الإقليم وموازين القوى فيه، يفرض على محور المقاومة تحدّي التفكير “من خارج الصندوق”، وخاصة بالنسبة إلى التحالفات التي ينبغي نسجها، أو على الأقلّ التقاطعات التي يجب تنميتها، لإلحاق الهزيمة بهذا المشروع المدمّر لحاضر الأمة ومستقبلها.

تزييف التاريخ لتسويغ زواج صهيوني – خليجي
تتلازم مع عملية بناء تحالف صهيوني – خليجي حملةٌ إعلامية أيديولوجية – سياسية وظيفتها تحريف الوقائع المرتبطة بتاريخ الصراع العربي – الصهيونى، وإنتاج وعي مزيّف حوله لدى الأجيال الشابة في بلدان الخليج، لتأمين المسوّغات والمبرّرات لمثل هذا التحالف. الحجّة الجيوسياسية بأولوية “التهديد الإيراني” لا تكفي وحدها لتبرير تحالف مع كيان تَربّت أجيالٌ من العرب على اعتباره العدو القومي الرئيس، ناهيك عن أن هذا التهديد المفترض أصبح ذريعة لإقامة تحالف ترى فيه العائلات الحاكمة سبيلاً لتعزيز مصالحها وموقعها الجيوسياسي. لهذه الغاية، لا يتورّع منظّمو تلك الحملة عن تبنّي أبرز المقولات الصهيونية عن الفلسطينيين وعن الصراع وخلفياته.

تندرج في هذا الإطار المقابلة التي بُثّت أخيراً مع بندر بن سلطان، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية والسفير – النجم الأسبق للمملكة في الولايات المتحدة، وما تخلّلها من هجوم عنيف على القيادات الفلسطينية التي “أضاعت الفرص” (لاحظوا التطابق مع الخطاب الإسرائيلي حول هذا الموضوع)، و”القليلة الوفاء” تجاه بلدان الخليج، والتي باتت “أدوات” لدول كإيران وتركيا، وهو ما يقوله الإسرائيليون حرفياً اليوم. وفي الإطار نفسه، أيضاً، تأتي زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، برفقة غابي أشكنازي، وزير الخارجية الصهيوني، النصبَ التذكاري لـ”الهولوكوست” في برلين، وتأكيده أن “المحرقة لن تتكرّر”، وهي العبارة التي دَرَج القادة الصهاينة على تكرارها لشرعنة حروبهم على الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة، وتبرير سياسات الاستيطان والضمّ بحجّة الأمن ومنع “إبادة أحفاد ضحايا الهولوكوست”. هذه الزيارة، وقبلها تلك التي قام بها الأمين العام لـ”رابطة العالم الإسلامي”، محمد عبد الكريم العيسى، إلى “معسكر أوشفيتز”، حيث وصف “المحرقة اليهودية” بأنها “أبشع ما وقع في تاريخ الإنسانية”، وتوازي ذلك مع إنشاء الحلف المشار إليه، يعني أننا ببساطة أمام تأسيسٍ لسردية جديدة لتاريخ الصراع العربي – الصهيوني، هي في الحقيقة ترجمة عربية لتلك الصهيونية. غير أن نجاح بناء هذا التحالف لا يكتمل إلّا بانضمام السعودية الرسمي إليه، والذي يصفه الصهاينة بأنه “كاسر للتوازن” في الإقليم، فيما تتزايد الإشارات إلى أنّ هذا الاحتمال لم يعد مستحيلاً، وربّما يتحقّق في مستقبل ليس ببعيد.

محور المقاومة والتفكير «خارج الصندوق»
التهديد الوجودي الذي يُمثّله قيام منظومة هيمنة إسرائيلية – أميركية مندمجة مع السلالات الخليجية الحاكمة، بالنسبة إلى جميع شعوب المنطقة، العربية منها، بما فيها شعوب البلدان المعنيّة في الخليج، وغير العربية، أي الإيرانيين والأتراك، يقتضي من محور المقاومة، قوّة التصدّي الرئيسة لسياسات السيطرة والإخضاع الاستعمارية، بناء أوسع شبكة تحالفات أو تقاطعات مع القوى المناهضة للمنظومة أو المتضرّرة منها. والمعيار هنا، لتحديد هوية هذه القوى، هو الموقف المعلَن من الحلف الجديد، ومدى الاستعداد للتصدّي له، حتى ولو اقتصر الأمر على رفضه وإدانته. دول عربية، كالجزائر وتونس، وإسلامية، كتركيا وباكستان وحتى ماليزيا وأندونيسيا، وقوى شعبية إسلامية وقومية ويسارية أجهرت بمعارضتها له، وبعضها يخوض صراعاً مفتوحاً في أكثر من ساحة في الإقليم مع عرب الردّة… التقاطع معها في الحدّ الأدنى، إن لم يكن التحالف ممكناً، أصبح ضرورة حيوية في مقابل تحالف عاتٍ يتحوّل إلى أمر واقع ميداني، ومن بين نتائجه الآنيّة مثلاً تشجيع دولة كفرنسا على التخلّي عن مطلب قيام دولة فلسطينية كشرط لـ”السلام”، بحسب المعلومات التي أوردتها أسبوعية “لو بوان” في عددها الأخير. هذا أوّل الغيث، والآتي أعظم. توسيع جبهة الأصدقاء، وخاصّة إذا كانت تضمّ قوى إقليمية وازنة، خطوة مهمّة لمجابهة هذا التحدّي. يبقى أن الردّ الأقوى عليه هو تأمين جميع سبل الدعم والمساندة لإطلاق انتفاضة شعبية فلسطينية تقلِب الطاولة على رؤوس الصهاينة والأميركيين وحلفائهم الخونة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى