زيارة تاريخية للبابا فرنسيس للعراق على رغم “كورونا”… لماذا هذا الإصرار؟
اندريه قصاص-لبنان24
إنّها الرحلة الأولى للبابا فرنسيس خارج الفاتيكان منذ تفشي وباء “كورونا”، وهي الزيارة الأولى في التاريخ لحبر أعظم إلى العراق. ولكن، ليس لهذين السببين فقط، تصنّف الزيارة البابوية إلى بلاد الرافدين بين 5 و8 الجاري بـ”التاريخية”.
وقبل أن تصبح الزيارة البابوية حقيقة وواقعًا، حيث تبدأ اليوم وتستمر لأربعة أيام، كان كثيرون قد توقعوا أن يلغي البابا رحلته، وعدّها آخرون مخاطرة، مع تفشّي الوباء، وبعد التفجيرين الانتحارين في ساحة الطيران وسط بغداد في كانون الثاني الماضي، وسقوط قتلى خلال مظاهرات إحتجاجية في محافظة ذي قار قبل أيام. يضاف إلى ذلك، الإعلان عن إصابة السفير البابوي في العراق، ميتجا ليسكوفار، بفيروس كورونا، وهو من الشخصيات المحورية في التحضير للزيارة على المستويات الدبلوماسية واللوجستية.
كلّ ذلك، لم يدفع الفاتيكان إلى التأجيل، إذ يبدو أنّ البابا فرنسيس أصرّ على التوجه إلى بغداد، ومنها، خلال الأيام اللاحقة، إلى كل من النجف وسهل أور واربيل وقرقوش والموصل.
فما هي أسباب هذا الإصرار؟ وما الذي يجعل هذه الرحلة بالذات، “تاريخية”؟
الجواب لا يحتاج إلى تفسيرات وتحليلات من مقربين من حاضرة الفاتيكان، بل جاء على لسان قداسته مباشرة عبر رسالة وجهها إلى الشعب العراقي عشية الزيارة، إذ قال: “أوافيكم حاجاً يشوقني السلام لأكرر: “أنتم جميعاَ إخوة”. أجل أوافيكم حاجاً يشوقني السلام، وأسعى خلف الأخوة، وتدفعني الرغبة في أن نصلي معاً ونسير معاً، ومع الإخوة والأخوات من التقاليد الدينية الأخرى أيضاً، تحت راية أبينا إبراهيم، الذي يجمع في عائلة واحدة المسلمين واليهود والمسيحيين”
وأضاف: “أود أن أحمل لكم عناق الكنيسة بأسرها المفعم بالحنان، الكنيسة التي هي قريبة منكم ومن الشرق الأوسط المتألم، وأن أشجعكم على المضي قدماً. لا تسمحن للمعاناة الفظيعة التي عشتموها والتي تؤلمني كثيراً بأن تنتصر. لا تستسلمن في وجه انتشار الشر، لأن منابع الحكمة العريقة في أرضكم توجهنا لنتخذ سبيلاً آخر، لنفعل مثل إبراهيم الذي فيما ترك كل شيء، لم يفقد الرجاء أبداً، بل وضع ثقته بالله فصار أباً لذرية يعادل عددها عدد نجوم السماء”.
وعن الزيارة قال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إنها ستسهم في “ترسيخ الاستقرار، وإشاعة روح التآخي في العراق وفي عموم المنطقة”. وأضاف أن جهود البابا “مشهود لها حول العالم في الحد من الصراعات، وتغليب الحكمة والعقل وإعلاء قيمة الإنسان، فوق كل المصالح السياسية والنزاعات والحروب”.
وكان الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، قد أكد أن “البابا مرحب به في القلوب قبل العقول”، مضيفا “وصلني أن هناك بعض المعارضين لزيارة البابا فأقول إن الانفتاح على الأديان أمر مستحسن”.
وفي ما يشبه اللقاء التاريخي بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب سيلتقي البابا بالمرجع الشيعي علي السيستاني في داره في النجف، وهو لقاء فريد من نوعه بين البابا الذي يعتبر الأب الروحي للمسيحيين الكاثوليك، وبين السيستاني، الزعيم الروحي البارز لشيعة العراق، وأحد أكثر المراجع الدينية الشيعية تأثيرا في العالم.
ويرجّح أن يتخلل هذا اللقاء توقيع وثيقة لـ”لأخوة الإنسانية” بين المرجعين “تسمح بترسيخ علاقات الثقة المتبادلة بين جميع المكونات”.
ووفق المعلومات المتداولة فإن الطرفين سيبحثان في سبل الحوار بين الأديان، وقضايا الحد من التطرف ونبذ الكراهية وإشاعة قيم السلام ومؤازرة سكان المناطق المحررة، وبالخصوص “سكان سهل نينوى والموصل والمدن المجاورة”.
وقالت مصادر كنسية عراقية إن برنامج البابا سيتضمن إضافة إلى محطة النجف ولقاء السيستاني، زيارة “منزل النبي إبراهيم” في محافظة ذي قار، والذي يمثل رمزا للتقارب بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وسيقيم الصلاة في مناطق سهل نينوى في كنيسة كان تنظيم “داعش” يسيطر عليها، كما سيقيم قداسا كبيرا في إحدى ملاعب إقليم كردستان العراق.
وبحسب ما هو مقدّر فإن زيارة البابا التاريخية للعراق سيكون لها إنعكاسات إيجابية على دول المنطقة المضطربة، وأن لبنان ستكون له حصّة من هذه الإنعكاسات الإيجابية، ولا سيما في مجال تفعيل الحوار بين المكونات اللبنانية.