“أصابع الإتهام في اغتيال سليم على خصومه حتى تُثبت الدولة العكس” العلّامة السيّد علي الأمين: هذا ما أقوله للسيّد نصرالله
نوال نصر-نداء الوطن
بصوتٍ مهيب، عميق، فيه نغمة حزينة، يتكلم، وهو العارف أن الصوت الهادئ أقوى من كل الصراخ. هو ابن بلدة قلاويه العاملية الذي هُجّر ذات يوم من بيته ومقره في دار الإفتاء الجعفري في مدينة صور. ومذاك وهو مصرّ على أن يبقى الصوت الحرّ الصارخ في البرية. العلامة السيد علي الأمين كان “يخاف على لقمان سليم من جرأته”، لكن رصاصات الغدر لن ترهبه “لأن من يدفن رأيه وقناعاته في الخوف فهو ميت قد تأجل دفنه”. يُردد في حواره مع “نداء الوطن” مرات: “وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة”، ويتكلم عن “صور الحبيبة” وعن “الإنتفاضة الحقّة” و”الغصّة في الحلق” ممن “ارتضوا إلغاء الصوت الحرّ في الطائفة الشيعية”. ويقول: “لو قابلت السيد نصرالله لقلت له: إرجع الى لبنان”.
وجع اللبنانيين، على اختلاف إنتماءاتهم وطوائفهم، هائل وكبير. ما دوركم في بعث بعض الأمان؟
دورنا هو الوقوف إلى جانب الموجوعين والمفجوعين وأن نرفع الصوت تأييداً للمعترضين والمنتفضين على هذه الأوضاع السيئة التي وصل إليها الشعب اللبناني بسبب فشل الطبقة الحاكمة.
القمع ثم القمع ثم القمع. أنتم عانيتم منه وما زلنا في خضمّه. فهل أنتم، أبناء الإنتفاضة والثورة عموماً، ضعفاء أم هم أقوياء؟
عبّرَتْ عن قوّة أهل الثورة والإنتفاضة وحدتُهم الوطنيّة وتحركاتهم السلمية بأصواتهم وشعاراتهم والأعلام اللبنانية التي حملوها معهم ورفعوها في الساحات، ولم تخمد تلك الجذوة على الرغم من القمع الذي حصل لها في ساحات عديدة. ولو لم تكن الإنتفاضة قوية لم تكن بحاجة إلى كل تلك الأساليب القمعية التي استخدمت ضدّها.
هناك من يرددون اليوم أن لبنان قد سقط تحت نفوذ “حزب الله”؟
في رأينا أن وقوع لبنان تحت نفوذ “حزب الله” كان قبل اليوم، وقد تحقق سقوط لبنان تحت نفوذه بعد السابع من أيار 2008 عندما اجتاح مع حلفائه بيروت والجبل بقوة السلاح من دون رادع من الدولة، وبعد ذلك حصل اتفاق الدوحة بين الأطراف المشاركة التي وافقت على منح “حزب الله” التحكّم بمفاصل الدولة التنفيذية والتشريعية، فلا تحصل انتخابات لرئاسة الجمهورية من دون رضاه ولا تتشكّل حكومة بمعارضته، وتجلّى ذلك أيضاً بتدخلاته في الحروب على الساحات الإقليمية، مع رفع شعار النأي بالنفس الذي كانت ترفعه الحكومات التي كان يشارك فيها.
كثيرون من البيئة الشيعية ومن سواها نراهم وكأنهم فقدوا الأمل. ماذا تقول لهم؟
لا يجوز أن نفقد الأمل في التغيير، يجب أن نستمر بالتضامن والتعاون على دفع الإنتفاضة الشعبية إلى الأمام، فإن القدر يستجيب لإرادة الشعوب الساعية إلى تحقيق الأفضل في أوطانها وكما قال الشاعر: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
كثيرون انتفضوا في 17 تشرين. قبلهم انتفض كثيرون في 14 آذار. ما هو القاسم المشترك بين الانتفاضتين؟
القاسم المشترك هو التطلعات الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب إلى بناء دولة المؤسسات والقانون، الدولة التي تحقق العدالة الإجتماعية لشعبها وتكون وحدها المسؤولة عن السيادة على أرضها.
– أنتم كنتم أول من دفع ثمن تقاعس وتحالفات مستترة قام بها من قادوا ثورة 14 آذار فتُركتم في نصف الطريق. كم يتحمل هؤلاء مسؤولية ما وصلنا إليه؟
لا شك في مسؤولية الذين ارتضوا إعطاء الوكالة الحصرية عن الطائفة الشيعية إلى الثنائي الشيعي (“حزبُ الله” وحركة “أمل”) فقد ألغوا بذلك الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية، وتخلّوا عن الذين وقفوا معهم في مشروع بناء الدولة وفي المحطات الصعبة من اجتياح بيروت وغيرها من المحطات، وقد أدركت معظم قيادات 14آذار خطأ تلك التحالفات وإن جاء ذلك متأخّراً. وقد انعكس منطق الوكالة الحصرية توسّعاً في التّحكّم بمؤسسات الدولة على نحو العموم، وبه شرعوا الأبواب لمنظومة المحاصصات الطائفية التي اعتمدت الولاء للزعامات الطائفية وأبعدت الكفاءة، فكانت من أسباب انتشار الفساد في الإدارات.
البيئة الشيعية انتفضت وثارت على الثنائي الشيعي وهتفت بالحرية ولكن رأيناها مهددة. ماذا تقول للخائفين.
أقول لهم لا تخافوا، أنتم الأقوياء. الخائف هو الذي يشهر السلاح في وجوهكم. القاتل هو الخائف. والبيئة الشيعية عانت كغيرها من الفساد والتهميش والتّسلّط الحزبي في ساحتها وغياب الدولة عن حماية الرأي الآخر. وأتت الإنتفاضة فشجعت هؤلاء على الخروج والمشاركة والتظاهر حتى في مناطق السيطرة الحزبية، وقد تعرضوا للقمع والقهر والتخويف، ونقول لهم واصلوا المسيرة مع إخوانكم وأبناء وطنكم في كل المناطق اللبنانية.
هل فاجأك اغتيال لقمان سليم؟
كنت أخاف عليه من جرأته في المواجهة ومن صراحته في الموقف ومن شجاعته في إبداء الرأي، خصوصاً وأنه كان يعيش في بيئة محكومة بالرأي الواحد.
من هي يد الغدر التي قتلت لقمان سليم التي تحدثت عنها في نعْيك إياه؟
لقمان سليم كان صاحب رأي في السياسة يخالف فيه بشكل واضح مشروع “حزب الله” السياسي داخليّاً وخارجيّاً، ومن الطبيعي جدّاً عند حصول الإغتيال لشخص كان معروفاً بخصومته مع آخرين في السياسة أن توجه الأنظار وأصابع الإتهام إلى خصومه. والقضاء هو المسؤول عن إثبات الإدانة أو نفيها.
قارئ القرآن عن روح لقمان سليم تراجع. كرجل دين كيف قرأت ما قال وفعل؟
كان أثر الترهيب ظاهراً على محيّاه وفي كلماته، وكما يقال: لعلّ له عذراً وأنت تلومهُ.
هل إرادة إلغاء الآخر تُروعكم؟ هل ترهبكم الرصاصات الغادرة؟
إرادة إلغاء الآخر موجودة في المجتمعات التي تتحكم فيها الأحزاب المسلحة في ظلّ غياب سلطة الدولة وعدم حمايتها للرأي الآخر، لكننا لم نخف من تلك الإرادة الإلغائية القائمة منذ أعوام عديدة، ولن ترهبنا رصاصات الغدر لأننا نعتقد أن من يدفن رأيه وقناعاته في الخوف فهو ميّت قد تأجّل دفنه.
من يحميكم؟
لا توجد لدينا حماية شخصية من الدولة ولا حماية حزبية وكفى بالأجل حارساً.
الصوت الحر في خطر
هل الصوت الشيعي الحرّ في خطر؟
الصوت الحرّ ككل في وطننا يبقى يعيش في دائرة الخطر، أين الشهداء رفيق الحريري ورفاقه وبيار الجميل وسمير قصير وجبران تويني ووليد عيدو وغيرهم من شهداء مسيرة درب الحرّيّة؟ وتبقى مسيرة الأحرار تتحدى المصاعب والأخطار.
في لغة العدد، هناك من يقلل من عدد الأصوات المعترضة ومن الحركة الإعتراضية. فهل شيعة لبنان الذين يرفعون شعار “لبنان أولاً” قلّة؟
الطائفة الشيعية في عمومها لا تقل وطنية وولاءً لوطنها عن سائر الطوائف الاخرى، وهي في إيمانها بلبنان والعيش المشترك مثل بقية شركائها في الوطن من الطوائف اللبنانية الكريمة، وهي مثلها في التطلعات السياسية إلى قيام دولة المؤسسات والقانون، ولكن الذي حصل هو هيمنة السلاح الحزبي على الطائفة فأخفى أصواتها بصوته. ولا يمكن لأي حزب أن يختزل رأي طائفة، فالطائفة تبقى أكبر من الأحزاب. والذين ارتفعت أصواتهم مع الإنتفاضة وشاركوا فيها عبّروا بشجاعة وجرأة عن تلك الأكثرية الصامتة في الطائفة الشيعية التي تريد “لبنان أولاً”، والتي كان لقمان سليم من روّادها. على كل حال ليست المسألة مسألة عدد وإنما هي مسألة هوية وانتماء إلى الوطن، وهي مسألة فوق العدد. لا يمكن لأي حزب ان يختزل طائفة عريقة وعريضة ويجعلها ذات رأي واحد. والشريحة التي تعتبر نفسها ذات “الصوت المسموع” هي تمثل نفسها لأنها انتزعت بقوة السلاح تمثيلها الأحادي على كل الطائفة، وعموماً ابناء الطائفة الشيعية في لبنان مرتبطون بوطنهم ودولتهم، وهذا ما يجب ان يكون عليه الحال حتى بالنسبة لتلك الجماعات الحزبية التي ارتبطت بسياسات أنظمة خارجية، فنحن نرفض ان يكون هناك ارتباطٌ خارج حدود الوطن بأي مشروع سياسي.
لم أزر صور منذ 7 أيار 2008
اتُّهمتَ بالعمالة. ما رأيك بمن يستسهل استخدام هذه التهمة في وجه كل صوت معارض؟
الأحزاب المستقوية بالسلاح وبشعار مقاومة العدو تحاول أن تلصق تهمة العمالة والخيانة بمعارضيها، فهي لا تجد القدرة لديها على محاورة الأفكار ومناقشة الآراء، فتسعى لإسقاط المعارضين لها في أعين أتباعها وأنصارها، وبذلك تعمل لإخافة المعارضين وترهيبهم وتصنع غطاءً يبرر الإعتداء عليهم تحت تلك العناوين الباطلة.
كم آلمتك هذه التهمة؟
قال الشاعر: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة/ على المرء من وقع الحسام المهنّدِ.
هل زرت مدينة صور بعد إخراجك عنوة منها؟
لم أتمكن من زيارة مدينة صور الحبيبة منذ أن أخرجت منها بقوة السلاح في أحداث السابع من أيار 2008، ولم أتمكن على الرغم من الدعاوى القضائية من استعادة مكتبتي وأغراضي الشخصية التي كانت في دارة الإفتاء الجعفري، عند اجتياحها من قبل العناصر المسلحة والتي حولوها في ما بعد إلى مقر حزبي حتى يومنا هذا.
هل لا تزال صور تشبه نفسها؟
كانت صور مدينةً للعيش المشترك والتّعدّديّة والتسامح والإنفتاح قبل السيطرة الحزبية عليها.
لطالما ناديت بحوار الاديان وانفتحت على من يوصف بالآخر. من هو هذا الآخر؟ وهل هناك معنى للبنان من دون هذا الانفتاح؟
الآخر هو شريكي في الوجود على الأرض، فالله تعالى قد خلقنا في الأرض لنعيش عليها بعدالة وسلام بعيدين عن الظلم والعدوان. ولبنان الوطن شكل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الإنفتاح والتّسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية، وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر والقبول به ونبذ التّعصّب الّذي يشكّل سمةً من سمات الجهل والتخلّف. ولبنان بتلك القيم غدا رسالة كما وصفه قداسة البابا يوحنا بولس عند زيارته له.
هل “حزب الله” قادر، بشكله، أن يجاريكم ذات يوم في الانفتاح؟
من يرفض الرأي الآخر ويقمعه لا يمكن أن يكون منفتحاً، و”حزب الله “معروف برفض الرأي المعارض له في صفوفه وبيئته، وهو بوصفه حزباً دينياً يعتمد على نظرية ولاية الفقيه يعتبر أن رأيه وحده هو الذي يمثل الشرعية الدينية، وبذلك يسلب الصفة الشرعية عن الرأي الآخر المعارض له.
نسمع كلاماً كثيراً عن تغيير صيغة لبنان. عن مؤتمر تأسيسي جديد. ما تعليقك؟
اللبنانيون بكل طوائفهم متمسّكون بلبنان الواحد وصيغة العيش المشترك ومشروع الدولة الواحدة التّي تشكّل مرجعيّة لكلّ اللبنانيين في مختلف الحقول والميادين، من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان، من دون أن تكون هناك امتيازات في الحقوق لطائفة على أخرى ولا لفرد على آخر، من خلال الانتماء الدّيني للطّوائف والأفراد الّذين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، وقد استجاب اتفاق الطائف لمعظم طموحات الشعب اللبناني في إرساء دعائم دولة المؤسسات والقانون، ولكن المشكلة كانت في التطبيق.
سبق وقلت: الأمة التي لا تستفيد من تجاربها ستبقى المأساة تتكرر في حياتها. هل تعلّمت أمتنا من تجاربها؟
الإنتفاضة التي جمعت بين اللبنانيين على اختلاف مشاربهم تحت راية العلم اللبناني تعطينا أملاً بأن هذا الشعب يسير على طريق الإستفادة من التجارب.
منطق الدويلة ضد التاريخ ولبنان اللاطائفي سينتصر. هذا كلامك لكن الوقائع تشي بالعكس؟
حركة التاريخ تقول بأن الإنقسامات لا تدوم، وهذا ما شاهدناه في الكثير من المجتمعات التي انتقلت من البداوة إلى الحضارة، ومن حالات الصراعات القبلية والمناطقية والنزاعات الداخلية إلى الإتحاد، فقد تحصل بعض التصدّعات نتيجة لسياسة الإستيلاء والسيطرة من فريق على آخر، لكنها لا تدوم. كثيرون قالوا بأن لبنان انتهى في عهد دويلة التنظيمات الفلسطينية والأحزاب اللبنانية التي كانت تابعة لها. وقد ذهبت تلك الدويلة وبقي لبنان.
كيف السبيل الى الحد من التعصب وهناك من لا يزال يعمل على ارهاب التنوع؟
لا بد من نشر الوعي عبر وسائل الإعلام والتعليم، ولا بدّ من رعاية الدولة لذلك من خلال سنّ القوانين التي تعاقب على فعل التّعصّب الرافض للتّعدّديّة والتّنوّع.
لو قابلت السيد حسن نصرالله ماذا ستقول له؟
سأقول له إرجع إلى لبنان وسلّم سلاح “الحزب” إلى الجيش اللبناني المسؤول وحده عن الدفاع عن أرض الوطن، وانخرط في مشروع الدولة وتحول إلى حزب سياسي بالكامل.
جُرّت الطائفة الشيعية الى المحور الإيراني. فكيف السبيل لإعادتها الى لبنان؟
من جرَّ الطائفة الشيعية إلى المحور الإيراني هي سياسة الثنائي الشيعي، ولم يقتصر ذلك على الطائفة الشيعية وحدها بل جرّوا الدولة اللبنانية أيضاً وأبعدوا لبنان عن محيطه العربي. ونحن قد رفضنا هذه السياسة، ولا زلنا نطالب برفض الإرتباط بالسياسات الخارجية والمحاور الدولية والإقليمية.
متى آخر مرة زرت فيها إيران؟
آخر مرّة زرتها كانت في العام 1985 على ما أظنّ.
كيف ترى لبنان المقبل الجديد؟
لبنان الجديد الذي تتطلع إليه كل الطوائف هو لبنان الرسالة وطن العيش المشترك، وطن التعددية والتسامح والإنفتاح، وطن تحكم شعبه دولة المؤسسات والقانون بعيداً من الإنتماءات الطائفية والسياسية والتدخلات الخارجية. وهو ما تسعى إلى تحقيقه الإنتفاضة الوطنية اللبنانية.