أوباما لعبدالله: جلالة الملك، كيف توفّق بين 12زوجة؟ (2)
لعلّنا لو قرأنا مذكّرات باراك أوباما التي نشرها أمس (الثلاثاء) بعنوان “أرض موعودة” (أو أرض الميعاد)، نفهم أن الرجل بنى منذ البداية نظرته الى السعودية على أنها تسببت في نشر التشدد والتطرف الإسلاميين عبر العالم، وأنها بحاجة الى تحديث عقيدتها والحد من هيمنة الوهابية. وهو على الأرجح لم يغيّر رأيه في ذلك حتى مغادرته السلطة، خصوصا ان تحديث الداخل والحد من سيطرة رجال الدين والانفتاح المجتمعي والثقافي والفني، حصلوا مع ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، أي بعد مغادرة أوباما البيت الأبيض قبل أربع سنوات.
وفي ما يلي النص الحرفي لما ذكره أوباما في كتابه:
هكذا رأيت السعودية
كنا نعمل على خطابي (الذي القاه في القاهرة في العام 2009) حين هبطنا في الرياض في المملكة العربية السعودية، حيث سألتقي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين المقدسين (في مكة والمدينة)، القائد الأكثر قوة في العالم العربي. لم أكن قد زرت قبل اليوم المملكة، وأول شيء لاحظته، على أرض المطار، في خلال الاستقبال الهائل، كان الغياب الكامل للنساء والأطفال. كان هناك فقط صفوف من الرجال ذوي الشوارب السوداء واللباس العسكري او التقليدي، الثوب، والغترة وشال يحمي الوجه. كنتُ اتوقع ذلك بلا شك، فهكذا كانت الأمور في الخليج. وحين سرنا في السيارات، صدمني المشهد القمعي والحزين الذي ينبعث من ذاك المكان الذي يفرض التمييز، وكأنني دخلتُ فجأة في عالم امَّحت منه كل الألوان.
قلتُ في نفسي ان اسلام السعودية لا يُشبه كثيرا الإسلام الذي عرفته في خلال طفولتي في اندونيسيا. ففي جاكرتا في الستينيات والسبعينيات (القرن الماضي)، كان الإسلام يحتل تقريبا المكان نفسه في ثقافة البلاد الذي تحتله المسيحية في كل المدن الأميركية، أكانت صغيرة ام كبيرة، كان مهماً ولكن ليس مهيمناً. كانت صلاة المؤذن تصدح كل الأيام وفي الاعراس ومجالس العزاء، وكانت خاضعة لتقليد مكتوب، وكانت النشاطات تتباطأ في شهر الصيام، ومن الصعب إيجاد لحم خنزير في المطاعم. لكن بالمقابل كان الناس يعيشون حياتهم، والنساء يلبسن التنانير القصيرة وينتعلن الكعوب العالية ويركبن على الدراجات النارية الصغيرة للذهاب الى مكاتبهن، وكان الصبيان والبنات يلعبون بالطائرات الورقية، والشباب ذوو الشعر الطويل يرقصون على موسيقى البيتلز والجاكسون 5 في علب الليل.
لم يكن المسلمون يتمايزون عن المسيحيين والهندوسيين ولا عن الملحدين في الجامعات.
تاريخ المملكة والوهابية
بعد انهيار السلطنة العثمانية، ومع نهاية الحرب العالمية، عزز عبد العزيز سيطرته على قبائل عربية أخرى وأسس المملكة العربية السعودية بالاتفاق مع الوهابيين. غزوه لمكة، والمدينة المقدسة، وفّر له منبراً مكّنه من ممارسة تأثير واسع على العقيدة الاسلامية في العالم. ثم جاء اكتشاف آبار النفط السعودية والثراء الفاحش منها ليعزّزا ذاك التأثير. لكن ذلك أحدث التناقض الكبير بين الممارسات المحافظة والمتشددة الواجب احترامها، وبين عالم يتطور بسرعة، فعبد العزيز كان بحاجة للتكنولوجيا والخبرة وقنوات النقل (للنفط) الغربية كي يفيد من الاستخراج الكامل لهذه الثروة، فتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية للحصول على الأسلحة الحديثة وحماية آبار النفط من الدول المنافسة.
كنتُ أتساءل في بعض المرات، عما إذا لم تكن المملكة السعودية، قادرة في لحظة معينة على إعادة تقييم التزاماتها الدينية، انطلاقا من أن الأصولية الوهابية، وعلى غرار كل الاصوليات الدينية، لا تتوافق مع الحداثة، واستخدام ثروتها وسلطتها لوضع الإسلام على سكة أكثر حداثة وتسامحا. ربما لا. ذلك ان الممارسات القديمة كانت متجذرة بعمق، وحين اندلعت بعض التوترات مع الأصوليين في السبعينيات، فهمت العائلة المالكة ربما، وعلى حق، أن الإصلاح الديني سيقود دون شك الى تحولات سياسية واقتصادية ثقيلة.
لذلك وتفادياً لثورة مشابهة لتلك التي حصلت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية المجاورة، عقدت المملكة السعودية اتفاقا مع رجال الدين الأكثر تشددا، مقابل الحفاظ على شرعية السلطة المطلقة لآل سعود على الاقتصاد والحكومة والدولة. راح رجال الدين والشرطة الدينية ينظمون الممارسات الاجتماعية اليومية، ويقررون ما يجب تدريسه في المدارس، ويعاقبون من يخالف المراسيم الدينية، من الجلد امام الناس، الى الصلب الحقيقي، وصولا الى قطع الأيدي. ولتتويج كل ذلك، فان العائلة المالكة دفعت مليارات الدولارات لرجال الدين هؤلاء لبناء المساجد والمدارس القرآنية عبر العالم السني. وكانت النتيجة أنه من باكستان الى مصر ومالي واندونيسيا، سيطرت الأصولية، وضعف التسامح وكذلك الممارسات المعتدلة للإسلام، وتعززت الضغوط لتشكيل حكومات إسلامية. وتعددت الدعوات لتطهير الأرض من التأثير الغربي بالعنف إذا كان ذلك ضروريا، فانتشرت حركة متطرفة عابرة للقارات ترفض التأثير الغربي وتنظر بعين الحذر للتقارب السعودي الأميركي، ما وفّر ارضا خصبة لتطرف العديد من الشباب المسلم.
وهكذا فان رجالا مثل أسامة بن لادن، ابن رجل الأعمال المهم في السعودية، والقريب من العائلة المالكة، و15 من السعوديين، مع 4 آخرين، خططوا ونفذوا هجمات 11 أيلول/سبتمبر.
اللقاء الأول مع الملك عبدالله
أرض واسعة جدا، فيلات متعددة، حنفيات مصقولة بالذهب، ثريات من الكريستال، كان مجمّع الملك عبدالله الذي خصصه لي ولفريقي، يشبه فندق فورسيزن في قلب الصحراء. الملك الثمانيني العمر ذو اللحية والشارب السوداوين، استقبلني بحرارة عند المدخل الذي يبدو انه جناحه الخاص. كان الى جانبه السفير السعودي في أميركا عادل الجبير، دبلوماسي حليق بإتقان، درس في الولايات المتحدة، يتقن الإنكليزية، والعلاقات العامة، ويملك دفتر هواتف غنيا في واشنطن، جعله مبعوث المملكة الخاص للتخفيف من الخسائر غداة 11 أيلول/سبتمبر.
كان الملك مرتاح المزاج في ذاك النهار، والجبير يترجم له. راح يتذكر بحنان الاجتماع بين والده وفرانكلين روزفلت في العام 1945 على متن “يو اس اس كوينسي”، وشدد على الأهمية الكبيرة التي يعلقها على التحالف مع الولايات المتحدة. وأسرّ لي بسعادته لانتخابي رئيسا ولعزمي على القاء خطاب في القاهرة، مشيرا الى ان الإسلام هو دين سلام، ومذكرا بالعمل الذي قام به هو شخصيا لتعزيز الحوار بين الأديان، واكد لي ان المملكة تعمل مع مستشاريّ الاقتصاديين كي لا يؤثر سعر النفط على التحسن الاقتصادي بعد الأزمة (الأزمة الاقتصادية العالمية 2008).
أما في ما يتعلق بطلبي، بان تقوم المملكة وبعض أعضاء جامعة الدول العربية بمبادرة إيجابية حيال إسرائيل، من شأنها إعادة اطلاق محادثات السلام مع الفلسطينيين، وان يناقش فريقنا امكان نقل بعض السجناء من جيتمو (غوانتانامو) الى مراكز إعادة تأهيل سعودية، فقد بقي الملك ضبابيا، خشية الاعتراض ربما (داخل الجامعة العربية).
زوجات الملك والشرق الاوسط
سألني الملك عن اخبار عائلتي، فقلت له ان ميشال والبنات يتكيّفن مع حياتهن الجديدة في البيت الأبيض، فشرح لي ان لديه 12 امرأة – ربما العدد الحقيقي كان يقارب الثلاثين – وقال ان لديه أربعين ولدا وعشرات الاحفاد وأبناء الاحفاد. قلت له:”آمل الا يُزعجك سؤالي، ولكن يا جلالة الملك، كيف توفق بين 12 زوجة؟ أجاب وهو يهز رأسه:”أجد صعوبة في ذلك، لأن ثمة واحدة منهن ستغار دائما من الأخرى، وهذا أكثر تعقيدا من السياسة في الشرق الأوسط”.
يروي أوباما هنا انه تلقى هدية ثمينة لزوجته من الملك، لكنه رفضها على أساس انه ممنوع من تلقي الهدايا، ثم قال في مكان آخر:”فكرت بالقراصنة الصوماليين الذين طالبتُ بقتلهم، وكلهم مسلمون، وفكرت بالشبان مثلهم، من الجهة الأخرى القريبة من اليمن والعراق ومصر والأردن وأفغانستان وباكستان، حيث ان مداخيل كل حياتهم لن تصل أبدا الى سعر هذا العقد الذي بين يدي. يكفي ان تدفع 1 بالمئة من الشباب الى التطرف، كي يصبح عندك جيش من 500 ألف رجل مستعدين للموت لأجل المجد الأبدي، او ببساطة، لكي يتذوقوا شيئا أفضل، اعدت العقد الى العلبة واقفلتها وقلت، هي بنا الى العمل” (الحلقة الثالثة ).