روحاني وكشف المستور
الا ان لجوء روحاني الى تقديم قراءة واضحة ومباشرة لطبيعة الصراع القائم بينه وبين محمد باقر قاليباف الاتي من تجربة عسكرية في حرس الثورة وادارية في بلدية طهران، ويتربع منذ سنة تقريبا على عرش رئاسة مجلس النواب بعد ان كان احد ابرز منافسي روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2013، بوصف ما يقوله قاليباف وغيره من قيادات التيار المحافظ بان” هناك البعض الذي يحاول تحديد البطل الذي سينهي العقوبات، عليهم ان يدركوا بان رئيس الجمهورية والحكومة لا يمكن ان يكونوا ابطالا، لان البطل الحقيقي هو الشعب الايراني” متمنيا ان لا يذهب البعض في هذه المرحلة الحساسة لسياسة “تصفية الحسابات” وأن يتركوا هذه الامر للسنة المقبلة والحملات الانتخابية التي ستكون حاشدة بعد الانتهاء من كورونا ويستطيعوا ان يقولوا ما يشاؤون. فهذا يحمل الكثير من المؤشرات على طبيعة ما يدور بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في هذا المرحلة المفصلية من تاريخ إيران وما تواجهه من تحديات في معركتها المتشعبة والمركبة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل أبرز ما يكشفه كلام روحاني ارتفاع وتيرة الاستعدادات الايرانية، خاصة داخل التيار المحافظ لمرحلة ما بعد خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الابيض واستلام الرئيس المنتخب جوزيف بايدن مقاليد السلطة، وحالة الاستعجال التي تسيطر على بعض ممن يتحفز لدخول السباق لانتخابات رئاسة السلطة التنفيذية المقبلة في ايران بعد ثمانية اشهر في 18 حزيران 2021.
والاخطر في ما قاله روحاني، انه يدحض كل المواقف والأقوال التي صدرت عن القيادات العليا في النظام بعدم وجود أي ارتباط بين التغييرات الامريكية والانتخابات والمواقف الايرانية، وان ما تشهده الساحة الايرانية يأتي مخالفا لا بل معاكسا بشكل كامل لكل المواقف التصعيدية التي أعلنها المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي من الانتخابات الامريكية والتغيير في ادارة البيت الابيض، خصوصا التوصية التي وجهها للقيادات الايرانية من مختلف التوجهات بان لا يربطوا الاوضاع الداخلية الايرانية الاقتصادية والسياسية والامنية بما يجري في واشنطن والبيت الابيض وذهاب رئيس ومجيء اخر.
وزير خارجية حكومة روحاني محمد جواد ظريف كان اكثر شفافية من رئيسه في الحديث عن الرهانات الايرانية على ما يجري في واشنطن من تغيير، وردّ على كل المشككين في الداخل الإيراني، خاصة المحافظين، بعدم وجود اختلاف بين ترامب وبايدن، مؤكدا وجود هذا الاختلاف، وان المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً واضحاً في المزاجين الايراني والامريكية بالاتجاه نحو التفاوض والعودة الى الاتفاق النووي من دون شروط مسبقة، وان القيادة الايرانية تقرأ المتغير الامريكي بتروٍ وايجابية، وتعتقد بأن نتائج هذا التحول لن تظهر قبل منتصف السنة المقبلة، ما يعني أنها مرتبطة بقدرة بايدن على ترتيب ملفاته واولوياته، بالاضافة الى النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية الايرانية التي ستحدد السياق الذي ستجري عليه عملية التفاوض.
هذان الموقفان من رأس السلطة التنفيذية ورئيس ادارتها الدبلوماسية وما يشكلانه من رأس حربة في موضوع التفاوض والتوصل الى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 في ايار 2015، يؤكد ان طهران قد بدأت عملية التواصل مع الادارة الجديدة في البيت الابيض، وان المبادرة الى مثل هذه الخطوات لا يمكن أن تجري من دون غطاء واضح وصريح من المرشد الاعلى الذي يمتلك الكلمة الفصل والنهائية في مثل هذه القرارات الاستراتيجية والمصيرية، وان حكومة روحاني وفريقه المفاوض قد بدأوا بالفعل عملية تفاوض بعيدة عن الأضواء بهدف إنضاج الخطوة التي ستنقلها الى العلن وتؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة بين الطرفين حول مختلف الملفات والأزمات العالقة بينهما.
وما دعوة روحاني لعدم توظيف المسائل الاستراتيجية ومن بينها المفاوضات والملف النووي والصراع مع امريكا في متاهات الصراعات الداخلية في الطريق الى رئاسة الجمهورية، إنما للتأكيد بأن الآمال المعقودة على إحداث تغيير في موقف واشنطن يشكل خشبة خلاص للنظام وايران وشعبها، وان لا يعمد المعارضون للحكومة الحالية الى تضييع الفرصة السانحة بانتظار استجلاء الموقف في الانتخابات الرئاسية الايرانية التي ستأتي بحكومة جديدة لن يكون أمامها خيار سوى الذهاب الى التفاوض.
في المقابل، مع معرفة قيادات التيار المحافظ أن قرار التفاوض يأتي من خارج سلطة روحاني وقراراته، على غرار ما حصل مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي بدأت في عهده اللقاءات المباشرة مع الامريكيين في العاصمة العمانية مسقط، ثم انتقلت لادارة روحاني، الذي شكل مع فريقه الجانب الإيراني المفاوض منذ عام 2001، ما سمح بأن يكون في صلب هذه العملية على العكس من أحمدي نجاد. إلا ان مخاوف هذا التيار – المحافظ- لا ترتبط فقط بالجهة التي سيسجل باسمها هذا الانجاز، بل بامكانية ان تشكل العودة الى المفاوضات وما يتبعها من انفراج اقتصادي وسياسي ومالي ضغطاً على المعركة الانتخابية، وتعود اسهم القوى الاصلاحية المبعثرة الى الارتفاع في منافسة مرشح أو مرشحي القوى المحافظة. فهل ستسمح قيادة النظام العليا للمحافظين بالمقامرة بمصير النظام في معركة داخلية لا تملك الكثير من الصلاحيات في ظل وجود المرشد الاعلى في اعلى قمة الهرم، خاصة وان كل الأوراق باتت على الطاولة، وان كلام روحاني وظريف حول التفاوض لم يأت من فراغ وليس بعيدا عما يدور في كواليس القرار الاستراتيجي؟