تحقيقات - ملفات

رسائل روحاني الأميركية المعسكر الإصلاحي يبحث عن مخارج للتهدئة في الداخل لعبور إيران هذه المرحلة الحساسة

استغل روحاني مشاركته بمؤتمر دول مجموعة شنغهاي ليوجه رسالة إلى قيادة النظام الإيراني من بوابة التغيير الحاصل بالولايات المتحدة (أ ف ب)

في الوقت الذي يتحفز المعسكر المحافظ للانقضاض على السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية، الموقع الأخير الباقي خارج سيطرته في هرم الدولة الإيرانية، لا يتردد الرئيس حسن روحاني من اقتناص أية فرصة تسنح له لتوجيه الانتقادات إلى العملية السياسية التي يقودها النظام ومعه المحافظون لمصادرة الإرادة الشعبية والهيمنة على مفاصل الدولة والسلطة، والاكتفاء بالحد الأدنى من التأييد الشعبي الذي يخرج ما تبقى من آليات ديمقراطية رمزية من دائرة التأثير، حتى وإن كانت تجري تحت سقف شروط النظام والتزاماته الأيديولوجية.

وفي هذا الإطار، استغل روحاني مشاركته في المؤتمر الافتراضي لقمة دول مجموعة شنغهاي الذي استضافه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليوجه رسالة إلى قيادة النظام الإيراني من بوابة التغيير الحاصل في الولايات المتحدة نتيجة الانتخابات الرئاسية التي انتهت حتى الآن بإخراج الرئيس دونالد ترمب من البيت الأبيض، ونقلت مفاتيح القرار الأميركي إلى المرشح الديمقراطي جو بايدن.

ومن السهل لأي متابع للوضع والصراعات السياسية داخل النظام الإيراني أن “يؤّول” الموقف الذي أعلنه روحاني في خطابه أمام قمة شنغهاي حول العملية الانتخابية الأميركية ونتائجها، من دون أن يكون في هذا التأويل الكثير من التعسف أو التحريف أو تحميل الأشياء والكلام ما لا يحتمل. وبمعادلة لغوية بسيطة، يمكن استبدال ما جاء في كلامه من مفردات عن أميركا بمفردات إيرانية، لنقف على الرسالة الواضحة والمباشرة التي أراد أن تصل إلى مسامع قيادة النظام في طهران.

 

روحاني اعتبر أن ما شهدته الانتخابات الأميركية يضع الكرة في ملعب “الناخبين والقيادات الجديدة في الولايات المتحدة، وعليهم إدراك رسالة الشعب بشكل جيد، وتطبيق وترجمة إرادة التغيير في سياستهم الخارجية، والعلاقة مع الدول والشعوب الأخرى بشكل عملي”. والوقائع السياسية التي شهدتها إيران خلال السنتين الماضيتين، ونجاح التيار المحافظ في السيطرة ومصادرة السلطتين التشريعية والقضائية، وتحفزه للسيطرة على السلطة التنفيذية، لا تعقّد عملية جعل المخاطب في كلام روحاني مقتصراً على الإدارة الأميركية الجديدة، بل يجعل القيادة الإيرانية بكل أدواتها وآلياتها هدفاً واضحاً لهذه الرسالة، إذ إن التغيير في آليات الإدارة الأميركية يستدعي أيضاً إبداء النظام نوعاً من الليونة والمرونة في التعامل الداخلي، وفتح الأفق أمام مشاركة شعبية حقيقية ومؤثرة في آليات السلطة في الداخل الإيراني لتلاقي المتغيرات الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة المتأزمة مع واشنطن التي تمسك بيد من حديد برقبة الاقتصاد الإيراني، وتضيّق الخناق عليه، ما يعنيه ذلك من تهديد حقيقي لاستقرار النظام واستمراره، والذي يشكل هدفاً لا يغيب عن مخططات وأهداف الإدارة الأميركية، وإن كان بنسب مختلفة ومتفاوتة، حتى وإن تغيرت الإدارة في هذا البلد وانتقلت من فريق إلى آخر، إلا أن الهدف يبقى كامناً، مع اختلاف في التعبير والتوقيت الزمني له في المدى القريب أو البعيد.

إسقاط كلام روحاني عن الحال الأميركية على الحال الإيرانية ليس فيه كثير من المبالغة أو التعسف، فالمتغير الأميركي وما أفرزته الانتخابات في هذا البلد من متغيرات، تشبه في كثير من أبعادها ما يعتمل ويدور في الداخل الإيراني من صراعات حول التهديدات التي تتربص بالنظام، ومخاطر الإقصاء الذي يمارسه المعسكر المحافظ والإدارة العميقة في النظام ضد قوى أساسية لا تقف على طرف نقيض منه، بل تحمل رؤية مختلفة في إدارة الشأن السياسي داخلياً، وفي بناء علاقات إيران الخارجية، وضرورة الانتقال إلى حال من التعايش السلمي مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، وإطفاء بؤر ومصادر التوتر على جميع المستويات بما يحفظ موقع إيران الإستراتيجي بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والجغرافية في منطقة غرب آسيا.

فالجدل المحتدم الذي تشهده الساحة الإيرانية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة ارتفع بعد الانتخابات الأميركية، وأعاد خلط الأوراق في كلا المعسكرين الإصلاحي والمحافظ، إلا أنه يبقى جدلاً على هامش القرار الإستراتيجي في هذا الشأن الذي يقع خارج إرادة كلا المعسكرين، وينحصر في يد القيادة العليا بالتشارك مع الإدارة العميقة للنظام، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية التي تفضل عدم الانتقال إلى مرحلة حسم موقفها من هذا الاستحقاق مبكراً، وإفساح المجال في المقابل أمام هذا الجدل في مساعدتها على بلورة رؤيتها لمستقبل هذا الاستحقاق، إلى جانب ما ستفرزه الإدارة الأميركية الجديدة من مواقف ترتبط بأزمتها مع إيران.

المعسكر المحافظ، مدفوعاً بطموحات تكريس دوره كمنقذ للنظام والدولة والمجتمع من جميع أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، ما زال حتى الآن يقرأ المتغيرات الدولية التي ستنتجها الانتخابات الأميركية على صعيد السياسات الدولية من زاوية صراعاته الداخلية، وما توفره له من فرص في تكريس سلطته وهيمنته على مفاصل القرار ومؤسسات الدولة والاستحواذ على القرار السياسي، وما تشكله من فرصة ليلعب دور الجهة القادرة على تقديم الحلول ونجاح أي مسار تفاوضي مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي في جميع الاتجاهات، والقضايا المطروحة كتحديات للنظام، وأن أي تغيير في هذا الواقع لن يمهد الطريق أمام المعسكر المنافس للوصول إلى تفاهمات ومخارج لأزمات إيران الدولية، على غرار ما حصل في الاتفاق النووي الذي قاد مفاوضته فريق روحاني.

في المقابل، فإن المعسكر الإصلاحي، وكما يبدو إلى الآن، يبحث عن مخارج للتهدئة في الداخل للعبور بإيران هذه المرحلة الحساسة، ويرى ضرورة العمل خلال المدة الزمنية المتبقية للانتخابات الرئاسية لإيجاد حلول وسطية تؤسس لخروج طهران من عنق الزجاجة، من خلال البحث عن اسم أو شخصية توافقية غير مستفزة، لتكون مرشح إجماع وتوافق بين جميع الفرقاء لرئاسة الجمهورية، وتكون قادرة على قيادة المفاوضات المحتملة مع واشنطن، مستندة إلى تأييد شعبي وسياسي جامع، وتبعث رسالة طمأنة للمجتمع الدولي والمحيط الإقليمي للبدء بمرحلة جديدة من التعامل الإيجابي على مختلف الصعد، وفي جميع الملفات التي تثير قلق وحذر الآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى