الحدث

الحكومة بين الحريري وميقاتي؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

تدور فعاليات “اتفاق الإطار” حول تشكيل حكومة محظية برعاية فرنسية بهدوء ومن خلف الابواب الموصدة وبعيداً عن الضجيج.

مَن عمل على تسريب إسم محمد بعاصيري خلال عطلة نهاية الأسبوع كمرشح مفترض لتشكيل الحكومة العتيدة يعلم بدقة النقاشات الجارية من خلف الابواب، لذلك أراد تزنيرها بـ”حزام ناسف” قابل للتحكم والتفجير عن بعد. بالدرجة الاولى، يعلم جيداً بالتراكمات الإيجابية لذا حاول حرف الأمور باتجاهات أخرى.

الجميع يُدرك، أن الثنائي الشيعي تحديداً ومن خلفه ثنائي التيار – قصر بعبدا، لن يقبلا وتحت أي ظرف لتشكيل الحكومة بشخص على وزن بعاصيري المشكوك بأدواره المحلية حيال العقوبات الأميركية، ثم أن الجميع بات على يقين، أن الزمن الحالي زمن إختيار رئيس للحكومة من جينات “لقاء رؤساء الحكومات السابقين الاربعة”. لذا، ينشط الجميع حالياً في محاولة تهيئة الاجواء المناسبة كي يُقدِم رئيس الجمهورية ميشال عون على إفتتاح دورة الاستشارات النيابية الملزمة الاسبوع الجاري أو في مهلة أقصاها الأسبوع المقبل، وفي الطريق إلى ذلك، تنشط المحركات على محاولة تأمين إتفاق “آلية” لربط التكليف بسلة تفاهمات تساعد في التأليف وتقيه نيران الاعتذار.

كافة المؤشرات الحالية تقود إلى أن “الطحش” لتأمين ظروف تشكيل حكومة مبني على إعتقاد بأنه وكلما جرى الاقتراب أكثر من زمن فتح صناديق الاقتراع الاميركية تتوفر ظروف “لحظة فراغ أميركية” يجب استغلالها.

عملياً، بات ثابتاً أن الحكومة العتيدة سيتولى رئاستها واحد من شخصين. سعد الحريري أو نجيب ميقاتي وكلاهما يتقاسمان الحظوظ نفسها مبدئياً.

الحريري ما زال أسير “اللحظة السعودية”. أعاد التموضع ضمن المبادرة الفرنسية، صحيح، والرأي الفرنسي الغالب يريده رئيساً، لكنه بحاجة إلى “طوق نجاة”. حتى الآن من غير الواضح ما إذا في إمكان باريس تأمينه. مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي (حكومة تكنوسياسية من 20 وزيراً 14 إختصاصيين و 6 سياسيين) التي قيل أنها قد تكون أتت في سبيل تأمين مخرج للحريري للوصول إلى السراي تحتاج مبدئياً إلى تأمين توافق شامل عليها داخل “الرباعي السني”. ما يحول دون ذلك جملة اعتبارات من بينها وجود رأي يتبناه عدد من الأعضاء ما برحَ سقف طرح المداورة في الحقائب، بالاضافة إلى الاعتقاد الغالب أن الثنائي الشيعي ما زال يطرح نفس القواعد التي “نسفت” التكليف السابق، ومنها طلب الدخول السياسي إلى الحكومة وتسمية ممثل على حقيبة المالية. والحريري بالذات في باله أن الرياض لن تمنحه غطاء تشكيل حكومة فيها تمثيل صريح لحزب الله.

تلف الدائرة وتعود إلى ميقاتي إذاً. يُقال أن جانباً من المبادرة التي طرحها مصمم بحسب مقاساته السياسية، ويفترض أنه أدركَ تماماً إحتمالات العودة إليه في حالة الرفض من جانب الحريري. سعودياً، ما ينطبق على رئيس تيار المستقبل ينطبق على رئيس العزم. في المقابل، الاعتقاد السائد أن ميقاتي له قدرة على التحرك في المضمار السعودي بطريقة انسيابية أكثر من الحريري لسبب أن رئيس المستقبل محسوب بشكل كامل على الرياض. هنا عودة إلى الشروط.

ميقاتي يشترط في حال قبوله التكليف أن يتلازم وتفويض صريح يناله من قبل رؤساء الحكومات السابقين على غرار التفويض الذي حظيَ به السفير مصطفى أديب. هنا العودة إلى نفس المعضلة، هل في مقدور الحريري أو السنيورة منح تفويض لميقاتي لتشكيل حكومة ذات تمثيل صريح للثنائي الشيعي وفق ما تطلب حارة حريك وعين التينة؟ أكثر من ذلك، هل في استطاعة الحريري منح نقطة لميقاتي “المنافس الصريح له في الحقل” تستثمر في مجال التقدم عليه سنياً؟ الأمور ما زالت شائكة وضبابية.

ما يمكن الركون إليه الآن من معطيات، ان النقاش مفتوح ليس فقط لدى “الرباعي السني” بل عموم الصروح السياسية الداخلية، والهدف إيجاد تخريجة مناسبة في الوقت الفاصل عن فتح الصناديق الاميركية واغلاقها. هنا يخرق طبقة السرية تسريب مصدره “تيار المستقبل” إذ تبدي مصادره لـ”ليبانون ديبايت” إحتمالاً لتولي الحريري رئاسة حكومة تكنو-سياسية بشرط أن يغلب عليها الطابع التقني. عملياً، ما يطلبه المستقبل أن يتم إنتزاع “لغم الثلث السياسي المعطل” المحدد بـ 6 وزراء سياسيين كي يعدل في رأيه.

هذا الشرط له قدرة على إعادة النقاشات إلى بداياتها. “الثنائي الشيعي” الذي ساهم في “نسف” أول تكليف لاسباب باتت معروفة، بات ثابتاً لديه دخوله الحكومة بهامش تكنو-سياسي يتولى هو بالذات تسمية ممثليه إلى جانب البحث في برنامج الحكومة. ثمة أمر آخر، أن توزيعة الـ6 وزراء سياسيين التي وردت في إقتراح ميقاتي المستنسخ عن إقتراح مصدره الثنائي الشيعي اصلاً، تشمل منح وزرات أساسية لـ6 وزراء سياسيين محسوبين على الطوائف الرئيسية الـ6 (سنة، شيعة، موارنة، ارثوذوكس، كاثوليك (أو أرمن) ودروز”.

المعضلة هنا تكمن في إلزامية إعتماد هذا التقسيم الذي وفيما لو جرى تقليصه بمعنى إستثناء طوائف محددة منه سيغدو “جلّاب مشاكل” وله قدرة على نسف الاقتراح ككل والسبب أن أحداً من الطوائف المذكورة لن تقبل التضحية من حسابها.

بإختصار، ما زال إنتاج تسوية مقبولة داخلياً أمر يحتاج إلى وقت…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى