خطبة للإمام الحسن (ع) في تأبين أمير المؤمنين (ع)

«لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه (ص) فيقيه بنفسه، وكان رسول اللّه (ص) يوجهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم (ع) وقبض فيها يوشع بن نون وصي موسى (ع) وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادمًا لأهله».
وتمثّلت صورة أبيه أمامه فخنقته العبرة وأرسل ما في عينيه من دموع وكذلك بكى جميع من حضر في جنبات الحفل، وساد الحزن وعم الأسى ثم استأنف الإمام خطابه فأعرب للناس سمو مكانته وما يتمتع به من الشرف والمجد قائلاً:
«أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، وأنا من أهل بيت افترض اللّه مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه (ص): «قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له منها حسنًا فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت».
وحفل خطابه البليغ بما يلي:
1 – إنه عرّف الناس بجهاد أبيه وعظيم بلائه في الإسلام ووقايته لرسول اللّه (ص) بنفسه في جميع المواقف والمشاهد وقد أبّنه بكلمة تمثّلت فيها بلاغة الإعجاز وروعة الايجاز وهي قوله: «فهو لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل» ومن كان لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون كان أعظم شخصية بزّت جميع المصلحين والعظماء في جميع مراحل التاريخ وحقًّا إنه كذلك، فليس في جميع فترات الزمن وآناته قديمًا وحديثًا أحد فاق الإمام أو يفوقه في مثله وأعماله وجهاده وذبه عن حظيرة الإسلام.
2 – وأبان (ع) في خطابه الرائع قداسة الليلة التي رحل فيها أبوه إلى جنان الخلد. فلقد عرج فيها إلى السماء المسيح عيسى بن مريم (ع) ورحل فيها إلى جواره تعالى يوشع بن نون وصي موسى (ع). وفي هذه الليلة العظيمة انتقل إلى جوار اللّه سيد الأوصياء، وعميد الأتقياء، وحامي حوزة الإسلام الإمام علي (ع) فهي – بحق – أشرف الليالي وأسماها عند اللّه.
3 – وأعرب (ع) لذلك الحفل الحاشد زهد أبيه وعدم اعتنائه بدنياه فلقد رحل عنها ولم يخلف من حطامها شيئًا، وقد كان في استطاعته أن يسكن أفخم القصور، ويلبس الحرير والديباج، ويأكل ما لذّ من الطعام ويتخذ العبيد والإماء ولكنه ترك كل ذلك رغبة فيما أعد اللّه له في دار البقاء من النعيم والكرامة والسعادة، وما أفاض عليه في هذه الدنيا من خلود الاسم والثناء العاطر والذكر الحسن المقرون بالاكبار والتقديس عند الناس جميعًا!! لقد وافى الإمام عليًّا الأجل المحتوم وما خلف سوى ثمالة من المال يتركها أقل البائسين والضعفاء، وهو سلطان المسلمين وزعيمهم، تجبى له الأموال الطائلة من شتى الأقطار الإسلامية ولكنه (ع) أبى أن يأخذ منها شيئًا.
4 – وتضمن خطابه (ع) دعوة الناس إلى مبايعته، وقد كانت دعواه رائعة بكل ما للروعة من معنى، فلقد عرّف نفسه إلى الجماهير بأنه ابن الداعي إلى اللّه، وابن السراج المنير، وأنه ممن أذهب اللّه عنهم الرجس والأباطيل، وهل هناك أحد أحق بالخلافة من شخص التقت به هذه الكمالات، واجتمعت فيه هذه الفضائل.
الاسم :
الشيخ باقر القرشي
عن الكاتب :
الشيخ باقر بن الشيخ شريف بن الشيخ مهدي بن الحاج ناصر بن الشيخ قاسم بن الشيخ محمد بن الشيخ مسعود بن عمارة القرشي .rn عالم عراقي بارز، و كاتب و محقق متخصص في التاريخ الإسلامي وسيرة المعصومين عليهم السلام.rn ولد عام 1344 هـ في النجف الأشرف / العراق .rn التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف فدرس الفقه و الأصول و العلوم الإسلامية فتخرج منها برتبة عالية .rn من أساتذته: آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره.rn مؤلفاته تجاوزت السبعين منها: حياة الرسول الأعظم (٣ مجلدات)، موسوعة حياة اهل البيت (٤٢ مجلداً).rn توفي يوم الأحد 26 رجب سنة 1433 هـ في النجف الأشرف فصلى عليه المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره .rn دفن في مكتبته الخاصة ( مكتبة الامام الحسن عليه السلام ) في النجف الأشرف عصر يوم الأثنين الموافق 18/6/2012.rn
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2025-03-22 02:03:03
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي