ارشيف الموقع

مثيرو الأزمات في إسرائيل.. نتنياهو ليس وحده

الوقت- مع حل برلمان الكيان الصهيوني (الكنيست)، بات سكان الأراضي المحتلة على وشك إجراء الجولة الرابعة من الانتخابات العامة في أقل من عامين. وهذا أمر غير مسبوق، ليس فقط من حيث عدد استطلاعات الرأي، ولكن أيضاً من حيث التحالفات المتغيرة باستمرار والتحالفات التي تبدو غريبة، حتى في ضوء المعايير السياسية الإسرائيلية التي تمزقها الأزمات. ويمكن العثور على جذور الأزمة السياسية الأخيرة التي عصفت بـ”تل أبيب” في أربعة مكونات والتي هي كالتالي:

النظام الانتخابي

كان من أسباب استمرار الأزمة السياسية في دولة الكيان الصهيوني هو نوع النظام الانتخابي لهذا الكيان الذي شجّع الأحزاب الصغيرة وأضعف الأحزاب الكبيرة. وعلى الرغم من أن العديد من الأحزاب في إسرائيل تعكس العديد من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية للمجتمع الإسرائيلي، إلا أن النظام الانتخابي قام بدوره بتوسيع هذه الفجوات. ففي البلدان المختلفة، تم تعيين نصاب معين لمنع الأحزاب المحلية الأصغر من الترشح للبرلمان، ولكن كلما زاد عدد أعضاء تلك الاحزاب، زاد احتمال أن تتمكن الأحزاب الصغيرة من الترشح للبرلمان. ولكن بالنسبة لإسرائيل، يُسمح لعدد من الأحزاب الصغيرة بدخول البرلمان أو الكنيست ولكن ارتفاع عدد الأحزاب في البرلمان يزيد من صعوبة الوصول إلى ائتلاف حزبي موحد، ما يؤدي إلى تشكيل حكومات ائتلافية هشة؛ ائتلافات يقوم فيها أحياناً حزب صغير جداً بحل مجلس الوزراء وحتى يقوم بحل البرلمان لإجراء انتخابات مبكرة.


ولقد حاولت الأحزاب الأكبر تغيير قانون الانتخابات في أوقات مختلفة، لكن لأسباب مختلفة، بما في ذلك معارضة الأحزاب الصغيرة، فشلت في القيام بذلك. ففي عام 1992، أقر الكنيست قانوناً يسمح بانتخاب رئيس الوزراء عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، لكن هذا التغيير لم يدم ، وفي عام 2001، أعيد سن قانون لانتخاب رئيس الوزراء بالطريقة السابقة أي عبر البرلمان او الكنيست. وفي إسرائيل، تُجرى الانتخابات في دائرة انتخابية واحدة (كل إسرائيل دائرة انتخابية)، لذلك يتم إعداد قائمة الحزب على المستويين الوطني والمحلي، ما يجعل سكان المدن الصغيرة يشعرون بأن الأحزاب الكبيرة لا تولي اهتماماً وثيقاً لمشاكلهم المحلية. ونتيجة لذلك، تنشط العديد من الأحزاب الصغيرة في الانتخابات ويسهل دخولها البرلمان بسبب ضعف النصاب القانوني. لكن هناك أسباب أخرى إلى جانب النظام الانتخابي المتورط في الأزمة السياسية الأخيرة.

العنصرية في بناء الائتلافات والتحالفات

سبب آخر لحدوث الأزمة السياسية داخل أروقة الكيان الصهيوني يجب أن يكون مرتبطاً بالطبيعة العنصرية للبنية السياسية الحاكمة. ففي انتخابات سبتمبر 2019، رفض “غانتس” التحالف مع السياسيين العرب للإطاحة برئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” عندما قامت تلك الأحزاب العربية بتشكيل “القائمة المشتركة”. ولقد اختار الزعيم حزب “أزرق أبيض” العودة إلى إعادة انتخابه في 2 مارس من هذا العام، وفي النهاية وافق على التحالف مع عدوه الرئيس “نتنياهو”، بدلاً من إعطاء نقطة واحدة لـ”القائمة المشتركة”.

لقد أظهر قرار “غانتس” أن العنصرية تلعب دوراً رئيسياً في السياسة الإسرائيلية، حيث رفض التحالف السياسي مع “القائمة المشتركة” واختار الانتحار سياسياً. وفي نفس اليوم، يعني في الـ 26 مارس الماضي، عندما انضم إلى الائتلاف الذي يقوده “نتنياهو”، انهار تحالف “أزرق أبيض” من الداخل، وانفصل زعيم حزب “ياش عتيد” وزعيم حزب “تيلام ” على الفور من ذلك الائتلاف. يبدو أن المبدأ الثابت الوحيد في تشكيل الائتلاف بعد كل انتخابات هو عدم السماح للأحزاب العربية بدخول الحكومة بأي حال من الأحوال وأن صُنع القرار في إسرائيل محجوز تاريخياً للنخبة اليهودية في البلاد ومن غير المرجح أن يتغير في المستقبل.

موت الفكر السائد

يمكن رؤية سبب أساسي آخر لانخراط الصهاينة في أزمة سياسية جديدة، يتمثل في الافتقار إلى موضوعات الوحدة السياسية، والتي أدت في العقود الأولى من إنشاء هذا الكيان إلى تقليص الخلافات بين الأحزاب السياسية. إن الصهيونية، هي الأيديولوجية التأسيسية لهذا الكيان، والتي كانت قائمة على الاحتلال وتوسيع المزيد من الاحتلال في الأراضي المحتلة حديثاً. لقد استمرت هذه العملية حتى عام 1977، عندما تمّكن اليمين من تشكيل الحكومة لأول مرة في تاريخ هذا الكيان. وكانت تلك السنة إيذانا ببدء عهد جديد من عدم الاستقرار السياسي الذي ساء مع مرور الوقت. وبلغ الخلاف ذروته في عام 1995 باغتيال زعيم حزب العمل “يتسحاق رابين” على يد متطرف صهيوني يميني. وكان إكراه رئيس الوزراء وزعيم الليكود “شارون” على اتخاذ قرار سحب القوات الصهيونية من غزة عام 2005 ، والذي أدى إلى انقسام حزب الليكود (بتشكيل حزب كاديما)، مظهراً آخر من مظاهر اتساع الفجوة بين السياسيين في ظل فراغ إيديولوجية موحدة. ولقد استمر هذا الاتجاه حتى وقت قريب، عندما غادر وزير التربية والتعليم السابق “جدعون سار” في حكومة “نتنياهو” من حزب الليكود أخيراً قبل أسبوعين وشكل حزباً جديداً يسمى الأمل الجديد.


نتنياهو يجدف لتجنب الغرق

أخيراً، إن أحد جذور الأزمة السياسية في الأراضي المحتلة هو “نتنياهو” نفسه، الذي تأثر بجميع الإجراءات السياسية منذ رفع دعاوى قضائية في عدة قضايا فساد ضده وضد أسرته، بهدف الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء وممارسة الحصانة القضائية. وبالنسبة للأزمة الحالية، لم تكن خطة “نتنياهو” هي تنفيذ اتفاق تقسيم رئاسة الوزراء مع “غانتس”، على أمل أنه مع حل الكنيست، لن يكون من الممكن تشكيل حكومة ائتلافية دون الليكود.

وفي حين أن البعض يفضّل “نتنياهو” ويرون أنه هو الوحيد الذي يمكنه منع الليكود من مواجه مصير كحزب “ديما” وحزب “العمل” الذين يعيشان في خضم العديد من الأزمات الأيديولوجية والسياسية والقيادية، هناك أيضاً مستوى عالٍ من الاشمئزاز العام من استمرار وجوده في السلطة، لدرجة أنه في وقتنا الحالي تقوم بعض الأحزاب بتشكيل ائتلافات لإزاحته من السياسة فقط. وعلى سبيل المثال، إن الاختلافات الأيديولوجية بين “نتنياهو” و”جديون سارس” صغيرة جداً، ولكن في الواقع ، كلاهما يتنافسان للحصول على أصوات من نفس القاعدة الاجتماعية. اليوم، ونظراً لعدم وجود العديد من مؤسسي الكيان الصهيوني في الساحة السياسية، فمن الصعب تحديد الاتجاه الذي ستتبعه سياسة إسرائيل المستقبلية. ومن المؤكد أن السياسة ستستمر في التركيز على الاستيطان والاحتلال وإثارة الحروب، ولكن من دون أيديولوجية موحدة، وخاصة في غياب دستور مقنن، ستستمر السياسة الإسرائيلية في الاعتماد على أهواء السياسيين ومصالحهم الشخصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى