منذ ما بعد عدوان تموز 2006، تمثّل الناقورة حقل تجارب للدول العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، لاختبار السياسات الفضلى للجم قوى المقاومة، المدنية والعسكرية، في سبيل التوصل لوقف الأعمال العدائية وضمان الهدوء على الحدود مع الكيان الصهيوني. بعد أن فشلت أساليب الترهيب والترغيب لليونيفل المعززة، بدأت الدول المرتبطة بها، ومن خلفها أميركا، وضع أجندة مهمات جديدة. شعارات عديدة أسقطت على الخطط المتتالية من «الاستراتيجية الجديدة» إلى «تغيير قواعد الاشتباك»، وصولاً إلى التهديد بتعديل بنود القرار لتتلاءم مع الفصل السابع. وبين هذا وذاك، تعزز دور مكتب الشؤون المدنية والإنسانية ومهمته التواصل مع الفعاليات المحلية والبلديات. وبشكل لافت، ابتدع مكتب مماثل لدى الجيش اللبناني، كأنه جيش غريب على أرض غريبة! إلا أن تلك المحاولات لم تنجح. فشلت الناقورة في تغيير نظرة كثير من الجنوبيين إليها بأنها «قوة منحازة إلى العدو الإسرائيلي وتنفّذ مصالحه على أرض الجنوب المحررة بالدماء»، فلم يترك هؤلاء فرصة للتعبير عن رفضهم، أبرزها في حال تخطت الدوريات الأممية الخطوط الحمر في التجوال والرصد. لم يتوان أهل البلدات عن مهاجمة الدوريات التي تتجاوز تلك الخطوط ومصادرة الكاميرات والأجهزة اللاسلكية.

لم يعد أمام دول اليونيفل، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، كثير من الوقت لتختبر سياسيات جديدة للحفاظ على أمن «إسرائيل». بالتزامن مع الضغط الاقتصادي والتدخل بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وضعت خطة أمنية واضحة المعالم من دون زينة أو تمويه: كاميرات حديثة تعوض عن فشل الدوريات في الوصول إلى الأحياء والأودية والأحراج.
وكانت المراجعة السنوية لعمل اليونيفل في آب الماضي قبل إقرار التجديد لمهمتها، قد لحظت «ضرورة إدخال تقنيات مراقبة عالية ومعدات للرصد الحراري وكاميرات لتنفيذ مهام رصد أي تحرك مسلح يخرق القرار 1701». هكذا تضمن الدول المشاركة تحصيل المعلومات التي يريدها العدو، مع سلامة جنودها الذين يوضعون بين الحين والآخر في مواجهة مع الأهالي.
وفق مصدر عسكري مطلع، فقد وضع أخيراً مشروع تركيب الكاميرات على نار حامية. وهي من الأحدث عالمياً، توفر رؤية دقيقة على مدى 360 درجة، مرتبطة بمركز عمليات تتحكم فيها من المقر العام في الناقورة. وتركز الخطة على تركيبها بداية في المقار ذات المواقع الجغرافية الاستراتيجية، كموقعي الشومرية وعدشيت القصير المشرفين على وادي الحجير ووداي الشقيف – الخردلي، وعلى عشرات البلدات بين أقضية مرجعيون والنبطية وبنت جبيل. والمقار تلك يبلغ عددها 19 من أصل 40 موقعا، علماً بأن اللبنة الأولى لفكرة الكاميرات سجلت عام 2009 في عهد قائد قوات اليونيفل الأسبق كلاوديو غرازيانو، عقب حادثتي انفجار في طيرفلسيه وخربة سلم.بعد أن استنفد كبار ضباط اليونيفل محاولات انتزاع موافقة الجيش والأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية من دون الحصول على موقف رسمي، برز موقف معارض من رؤساء بلديات في جنوبي الليطاني. وقد تبلغت اليونيفل أسباب الاعتراض الشعبي على الكاميرات. عدد من رؤساء البلديات سجّل اعتراضه «على استعادة زمن الاحتلال الإسرائيلي، حين كنا تحت المجهر نحصي أنفاسنا ونضبط تحركاتنا ونشعر بأننا مكشوفون كما لو أننا مطلوبون».
«مَن يضمن ألا يقرصن برنامج الداتا العائد للكاميرات من قبل العدو الإسرائيلي الرابض على بعد أمتار من غرفة العمليات في الناقورة؟». سؤال وصل إلى مسامع مسؤولي اليونيفل، هذا إن سلّم الأهالي بحسن النية خلف المشروع برمته، علماً بأن إبراز ورقة الكاميرات أعقبت إسقاط ورقة المسيّرات (الدرونز) التي قررت اليونيفل تسييرها فوق مواقعها وفي أنحاء مختلفة من منطقة عملياتها في جنوبي الليطاني.
لكن هل فعلاً يحق لليونيفل الاستعانة بتلك التقنيات التي تكشف صراحة أهدافها التجسّسية؟ أكد مصدر مسؤول أن «أي تغيير من قبل اليونيفل في طبيعة أدوات وطرق تثبيت الاستقرار وضمان الهدوء، يجب أن يحظى بموافقة رسمية من الدولة اللبنانية». وبما أن الدولة غائبة أو مستسلمة، صالت وجالت اليونيفل بين بيروت والجنوب لأشهر عقب انفجار مرفأ بيروت، وأخرجت مستوعبات عديدة وصلت عبر البواخر لصالحها. فهل من دقق في محتويات تلك الشحنات؟
ينحدر المسار الأممي الشامل نحو «إعادة هيكلة عمل اليونيفل في لبنان لتصبح ليس تحت الفصل السابع لما يثيره من حساسية، بل تحته بدرجة قليلة»، وفق المصدر. الأزمة الاقتصادية الخانقة قد تساعد الأمميين في مخططهم، إذ أصبحوا أكثر راحة في الاستهلاك والإنفاق، بعدما انخفضت ميزانية اليونيفل بسبب انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار.