ارشيف الموقع

“الإطار” في كمين الصدر

 

فلاح الحسن -أساس ميديا

ها هي الأربعينيّة قد انتهت، وبعدها ذكرى وفاة الرسول، ولا أحد يعلم ما هي المناسبة التالية التي قد تتحوّل إلى مرحلة أو محطة انتظار يكون ما بعدها منطلقاً لبدء التحرّكات السياسية واستكمال العملية الدستورية في العراق اثر توقف دام لنحو شهرين.

وحده مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري قد يكون الجهة القادرة أو الأقدر على إطلاق سراح العملية السياسية، والتحكّم بمسارها ومصيرها. لكن هذا لا يُلغي بالمقابل دور ينمو لـ “إطار الدولة” الذي تشكل من “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران ومن الحزبين الكرديَّين الاتحاد والديمقراطي والكتلتين السنّيّتين “عزم – خميس الخنجر” و”السيادة – محمد الحلبوسي”. هذا المشهد المُتقابل للقوى خرقته مبادرات لم تتحول إلى واقع جراء تشدد سياسي لا يمكن وصفه بأنه “تصلب” قد يعيد الأمور إلى سابق عهدها من التدهور.

حصار الصدر وانتكاسته

الصدر صار مُحاصراً الآن خصوصاً بعد الانتكاسة التي أُصيب بها تياره ومشروعه نتيجة الأخطاء الاستراتيجيّة التي ارتكبها بمحاولة محاصرة مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، من خلال اللجوء الى خيار السلاح في محاولة للسيطرة على المنطقة الخضراء بكلّ ما تمثّله من رمزية داخلية ودولية. الخيار المُسلح هذا أسبغ على الحراك السياسي “عسكرة” ضدّ قوى “الإطار التنسيقي”، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من عناصر “سرايا السلام” الصدريّة والقوات الأمنيّة.

هذا المشهد مكن اللاعب الإيراني المعروف بدهائه وخبثه السياسيَّين التاريخيَّين من أن يوجّه ضربة تحت الحزام إلى مقتدى، عندما سحب عنه الغطاء الديني الذي طالما شكّل مظلّة شرعيّة لكلّ تحرّكات ومواقف الصدر خلال العقدين الماضيين. فكان موقف كاظم الحائري بما يمثّله لدى التيار الصدري وقيادته من مرجعيّة فقهية وسياسية، أشبه ما يكون بسحب البساط من تحت أقدام الصدر وشرعيّة ما يقوم به، فضلاً عن أنّ موقف النجف ومرجعيّتها كان حاسماً في مسار حراك الصدر التصاعديّ بعد دخوله دائرة الدم.

الصدر يستنزف الوقت و”الإطار”

في المقابل يمارس زعيم التيار الصدري لعبة الوقت لترتيب أوراقه، من خلال ثلاثة أمور:

ـ أوّلاً، من خلال إعادة ترميم قواه الشعبية والسياسية والعسكرية التي استُنزفت بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ـ ثانياً، عبر محاولة استنزاف الطرف المقابل في “الإطار التنسيقي” بدفعه إلى تقديم كلّ ما لديه من أوراق للتسوية التي تطرحها قياداته المتفرّقةً على شكل مبادرات.

ـ ثالثاً، انتظار ما ستؤول إليه التطوّرات والأحداث الداخلية التي تشهدها الساحة الإيرانية اثر مقتل الفتاة “مهسا أميني” والتي تحولت إلى ما يشبه الانتفاضة ضدّ النظام ورموزه، وما ستتركه من تأثير على القبضة الإيرانية وهيمنة النظام الإقليمية، وتحديداً على الساحة العراقية.

يعتقد السيد الصدر أن هذه العوامل مجتمعةً، وتحديداً التطورات الإيرانية قد تساعده في إعادة تقوية موقفه خصوصاً إذا ما حصل خلل في القبضة الإيرانية، ليفرض المعادلة التي يريدها على الأطراف والقوى والأحزاب المنضوية تحت “الإطار التنسيقي”. وأكثر ما يراهن عليه في هذا السياق هو تصدع “القوة الإيرانية”، وقد ظهر ذلك جليّاً من المتابعة والمواكبة الدقيقة التي تقوم بها منصّات التواصل الاجتماعي التابعة للتيار الصدري أو المؤيّدة له وأسلوب تعاملها مع الحدث الإيراني، وتحوُّلها إلى مصدر إعلاميّ في ما يتعلّق بكلّ التحرّكات التي تشهدها المدن الإيرانية وأخبارها الممزوجة بالكثير من التشفّي وانتظار الانهيار.

“الإطار” يقع في لعبة الصدر

أمّا “الإطار التنسيقي” فقد بات في مأزق لعبة الصدر وفي دوامة عامل الوقت الذي بدأ يضغط عليه لإثبات قدرته على استكمال العملية الدستورية والسير بانتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس جديد للوزراء. وعلى الرغم من كلّ الخطوات التي قام بها، والدفع باتجاه تحديد موعد استئناف انعقاد جلسات البرلمان، إلّا أنّه يبدو عاجزاً عن تمرير تسوية تضمن قبول وموافقة الصدر عليها، بما يحقّق الهدف الذي يريده، وهو إشراك التيار الصدري في حكومة توافقية يتقاسمون فيها السلطة والمواقع الوزارية والإدارية.

في هذا السياق، تأتي مبادرة زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، المتدرّجة في التعامل مع أيّ خطوة إيجابية يقوم بها الصدر باتّجاه التوافق، مثل منحه نصف المقاعد في الحكومة الجديدة، مع الحفاظ على المواقع الإدارية التي في يده وعدم المساس بأيّ منها، خاصة موقع الأمين العامّ لمجلس الوزراء وحاكم البنك المركزي. وسيكون الانتقال إلى البحث في اسم شخصية رئيس الوزراء مشروطاً بموافقة الصدر وقبوله بالانخراط في هذه التسوية، وحينئذٍ يصبح البحث في موقع رئاسة الوزراء ممكناً، إضافة إلى إمكانية التخلّي عن مرشّح “الإطار” محمد شياع السوداني مقابل تخلّي الصدر عن إعادة ترشيح مصطفى الكاظمي.

الخزعلي يبادر والصدر لا يرد

تكمن أهميّة مبادرة الخزعلي، خاصة في مسألة السوداني، في أنّ زعيم “عصائب أهل الحقّ” يُعتبر من الصقور داخل “الإطار التنسيقي” الذين تبنّوا وتمسّكوا وأصرّوا على السوداني كمرشّح إجماع لـ”الإطار” لتولّي رئاسة الوزراء. إلا أنّ سكوت الصدر وعدم تجاوبه مع هذه المبادرة، فكان لاعتقاده بعدم نضوج الظروف الموضوعية للتسوية، ولكون المبادرة جاءت من الخزعلي الذي يرفض الإقرار بدوره.

شكّل عدم تجاوب الصدر وتيّاره مع هذه المبادرة، وكلّ المبادرات غير المعلنة التي تمّ تمريرها في الأسابيع السابقة، دافعاً لدى كلّ الأطراف المعنيّة بالعملية السياسية في المكوّن الكردي والمكوّن السنّيّ للبحث عن مساحة مشتركة مع قوى “الإطار التنسيقي” في المكوّن الشيعي، وإجراء حوارات جدّية انتهت إلى الإعلان عن “تحالف إدارة الدولة” الذي يضمّ “الإطار” والحزبين الكرديَّين الاتحاد والديمقراطي والكتلتين السنّيّتين “عزم – خميس الخنجر” و”السيادة – محمد الحلبوسي”، مع ترك الباب مفتوحاً لملاقاة الصدر في منتصف الطريق على أساس الشراكة والتوافق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى