التمثيل السنّي البقاعي واقعٌ مغاير لرغبات الناس العين على إعادة ترتيب أوضاع الطائفة والوقوف إلى جانب أهلها
عيسى يحيى-نداء الوطن
يغاير الواقع على الأرض وتوجّهات الناس السياسية في عدد من المناطق ما أفرزته نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة المحكومة بقانون انتخابي مفصّل على قياس بعض الأحزاب وأحجامها في مناطق حضورها، لتبقى الدوائر المختلطة طائفياً متأثرةً بحضور الطائفة الأقوى والتحالفات الانتخابية ومصادرة تمثيل الطوائف الأخرى.
ربّ ضارةٍ تمثلت بانكفاء تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابية الأخيرة، جاءت بالنفع على عدد من الأحزاب في بعض الدوائر ومنها بعلبك الهرمل التي حصل فيها «حزب الله» على المقعدين السنيين بعد أن نجح تيار المستقبل في الحصول على واحدٍ منها في انتخابات 2018، إضافةً الى فوز مستقلين سنة في دوائر أخرى تأتي تغريداتهم السياسية خارج سرب الإجماع السنّي الذي بات ضرورة في ظل الإصطفافات الحاصلة والسير بالاستحقاقات الدستورية وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية. وفيما كان اجتماع دار الفتوى الأخير واللقاء السنّي الجامع فرصةً لـ»لمّ» الشمل، وما سبقه من لقاءات منفردة لبعض النواب ذوي الحساسية السياسية والذين كان لعددٍ منهم محاولات للقاء مفتي الجمهورية منذ صدور النتائج النيابية وتسجيلهم مواعيد دون أن يلقوا جواباً، جاء العشاء الذي أقامه السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة لتأكيد الموقف، فالسعودية التي أعادت تشغيل محرّكاتها باتجاه ترتيب البيت السنّي بعد الانتخابات بدءاً من الانتخابات الرئاسية تعلم أن بعضهم محكومٌ بأجندة سياسية وبأصوات انتخابية مغايرة لطائفته أوصلته الى المجلس.
تشتّتٌ غير مسبوق وضياع في توزيع الأصوات شهدته دائرة بعلبك الهرمل على صعيد السنّة، إضافة الى انخفاض بارز في نسبة التصويت لم تتعدَّ 35 بالمئة أتت إثر محاولاتٍ متأخرة وفي الربع الساعة الأخير لرصّ الصفوف كان أبرزها حركة الرئيس فؤاد السنيورة سبقها دخول بهاء الحريري على الخط وحركته سوا للبنان والتي ولدت ميتة بسبب غياب الداعم الإقليمي لا سيما الموقف السعودي ودخول السمسرات وجني الأرباح في صلب المعركة واختيار الأسماء التي لم تكن على مستوى تطلّعات الناس هنا، كلّها عوامل أفضت الى النتائج التي تحكم الموقف السني البقاعي، فضلاً عن غياب المرجعية التي يحتاجها أبناء المنطقة وما يتطلع اليه الناس في تسجيل موقف يلبي طموحاتهم وتطلعاتهم التي باتت ترتبط بما تمليه مصالح من أوصل النواب الممثلين للطائفة.
مصادر بقاعية بارزة تشير لـ»نداء الوطن» إلى أن السنة في بعلبك الهرمل اليوم في حالة تراجع أكثر من أي وقت مضى، فالمرجعية الدينية تنتظر البتّ بانتخابات المفتين المتوقفة في مختلف المناطق وإن كان مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أبقى القديم على قدمه، ويتعاطى بحذرٍ مع الملف وسبق أن أوكل انتخابات المجلس الإداري للأوقاف الى التفاهمات وتقاسم الأسماء، والمجلس يعتبر ركناً أساسياً في انتخابات مفتي المنطقة، مضيفةً أن تعدّد التوجهات والآراء والانقسامات ومحاولة البعض إثبات نفسه مرجعية للطائفة سواء سياسية أم روحية، ينعكسان على الطائفة تشرذماً، ويستدعيان رصّ الصفوف وإعادة ترتيب البيت السني البقاعي لتكون الصورة واضحة وجلية للرأي العام وللقيّمين على الطائفة في لبنان ككل.
وعن التمثيل السياسي اعتبرت المصادر أن التمثيل السني اليوم مصادر لأسباب عديدة، أولها: دخول «حزب الله» على خط اختيار أسماء وشخصيات ضمن اللائحة التي شكلها في بعلبك الهرمل تغاير تطلعات الناس، وإن كانت المعركة الانتخابية والقانون الانتخابي والتحالفات تتيح ذلك أسوةً بكل المناطق، غير أن الإرادة الشعبية لم تتماشَ مع تلك الأسماء بدليل عدد الأصوات التي نالها مرشحا «حزب الله» في بعلبك وعرسال واللذان لم ينالا أكثر من ثلاثة آلاف صوت من أصل ستة عشر ألفاً وثلاثمئة صوت أي ما يعادل 19 بالمئة من أصوات المقترعين، وثانيها، الإحجام السنّي عن خوض الانتخابات اقتراعاً وانخفاض نسبة التصويت، مشيرةً إلى أن النتيجة التي تحققت وغياب تيار المستقبل، وتراجع الشخصيات السنية البقاعية عن القيام بدورها في المنطقة، كلها عوامل أثرت على مستوى التمثيل السنّي البقاعي، وبالتالي يحتاج الأمر الى إعادة هيكلة واستنهاض الشارع من خلال الوقوف الى جانبه بالدرجة الأولى في هذه الأوقات العصيبة، والعمل على شخصيات تشكل عاملاً جامعاً وغير محروقة الأوراق، فالكثير من الأسماء السنّية في البقاع تاهت في زواريب المساعدات وسلكت طريق المصلحة العائلية والمحاصصة وتحقيق الأرباح على حساب الطائفة ككل.