الحدث

جارٍ البحث عن الرئيس…

ملاك عقيل -أساس ميديا

 لم تأتِ جلسة “لا انتخاب” رئيسٍ للجمهورية خارج التوقّعات التي رُسمت لها منذ لحظة إعلان الرئيس نبيه برّي عنها، ما جعلها جلسة أقرب إلى “المناورة” الرئاسية أو بروفا تمهيدية في ظلّ انعدام التوافق على اسم يحظى بأكثرية 65 صوتاً بعد تجاوز حاجز الثلثين في الدورة الأولى.

لم يتوافر التوافق المنشود لجلسة كهذه على أيّ مستوى: لا بين محور أمل-حزب الله-التيار الوطني الحر ولا بين الأحزاب المسيحية والمعارضة والتغييريّين والمستقلّين، ولا بين نواب التغيير أنفسهم، ولا بين مجموعة النواب السُنّة الذين اجتمعوا في دار الفتوى.

بقيت الاتصالات قائمة إلى ما قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة من دون أيّ نتيجة، خصوصاً بين قوى المعارضة والتغيير التي انقسمت بين ميشال معوض وسليم أده الذي أبلغ كل من فاتحه بالموضوع أنه غير مرشح لرئاسة الجمهورية. أمّا في ما يتعلّق بالحضور فلم تُوجّه دعوات إلى السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي والشخصيات الأمنيّة والعسكرية وشخصيّات الصفّ الأوّل الذين يحضرون عادة جلسة “تتويج” الرئيس، وكما جاء على لسان برّي نفسه: “حضور رئيس الحكومة مع الوزراء لم يكن ضرورياً”. وقبل بدء توزيع الأوراق على النواب إيذاناً ببدء التصويت، وصلت المسخرة حدّ توجّه بري إلى بعض النواب قائلاً: “شو فاتحين قهوة هون”.

مصروف ورق “ع الفاضي”

ضاعت الطاسة في جلسة “فرفطت” الأصوات من دون مؤشّر واضح إلى موعد الجلسة المقبلة. حقيقة الأمر أنّ 122 نائباً “كزدَروا” أمس إلى “مَسرح” ساحة النجمة وقدّموا عرضاً باهتاً بعنوان “كوميديا رئاسية سوداء” من لحظة دخول النواب حتى بدء فرز الأصوات وإعلان النتيجة. حتى بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي رأوا في جلسة التصويت في عزّ الأزمة الماليّة الخانقة “مصروف ورق على الفاضي”.

بروفا الانتخاب الأولى أفضت إلى غلبة الأوراق البيضاء (63) تشاركت في وضعها حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة وبعض النواب المستقلّين، فيما خرج ميشال معوّض برصيد من 36 صوتاً أعطته إيّاه كتلة القوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي والكتائب، إضافة إلى صوت أو صوتين من مجموعة قوى التغيير وأصوات مستقلّين كغسان سكاف. ونال سليم إدّه 11 صوتاً، و”لبنان” 10 أصوات معظمها من النواب السُنّة، و”نهج الرئيس رشيد كرامي” صوتاً واحداً من كريم كبارة، و”مسها أمينة” صوتاً واحداً.

اعتذر أربعة نواب عن الحضور هم نعمة إفرام، نجاة صليبا، إبراهيم منيمنة وفؤاد مخزومي. وطرح غياب نائبة القوات اللبنانية ستريدا جعجع علامات استفهام بعدما قادت القوات معركة معوّض، فيما أعلن نائب الكتائب سليم الصايغ الذي غاب عن الجلسة تأييده لمعوّض.

عملياً أثبت البوانتاج الأوّل أنّ حزب الأوراق البيضاء المؤلّف من تحالف أمل-حزب الله-التيار الوطني الحر-المردة وبعض نواب السُنّة ومستقلّين يحتاج إلى صوتين فقط ليحقّق الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية.

أمّا مجموع الأصوات التي نالها ميشال معوّض مع باقي أصوات المعارضة التي تشتّتت بين سليم إدّه و”لبنان” وأوراق بيضاء و”مسها أمينة” فلا تتجاوز 59 صوتاً.

“القوات” تحرق معوض و”الثنائي” يحفظ فرنجية

لذلك رأى كثيرون أنّ القوات غير المقتنعة تماماً بترشيح ميشال معوّض تكفّلت بحرق اسمه في الجلسة الأولى، فيما غياب اسم سليمان فرنجية بالكامل أبَعَدَ الأخير، بقرار من الثنائي الشيعي، من دائرة بوانتاج لم يكن لمصلحته، وأبقاه “مرشّحاً خاماً” إلى حين نضوج المشهد الرئاسي.

فُقِد النصاب سريعاً بعد إعلان النتائج بخروج نواب من كتلة التنمية والتحرير وحزب الله من الجلسة. ووفق السيناريو المرسوم سلفاً للجلسة والذي حُبكت خيوطه بين الثنائي الشيعي وباسيل، رفع برّي الجلسة داعياً إلى “توافق الـ 128 نائباً” في المرّة المقبلة، “ولمّا حسّ في توافق سأدعو إلى جلسة، وإذا ما صار لكلّ حادث حديث”.

لكنّ ذلك لم يمنع برّي من تنفيذ تمويه قبل رفع الجلسة بتأكيده أنّ “هناك 85 نائباً في القاعة، بدنا واحد بعد خللي يفوت”. دخل فيصل الصايغ مجدّداً إلى قاعة الهيئة العامّة، لكنّ الخارجين طبشوا الميزان لصالحهم وطيّروا النصاب.

في هذا السياق أكّد النائب حسن فضل الله “أنّنا أخذنا موقفاً يخدم التوافق والاستقرار”، فيما دعا النائب علي حسن خليل إلى “عدم التوقّف عند تصويت اليوم لأنّ النتيجة كانت معروفة. وبغياب التوافق لا يمكن انتخاب رئيس”.

كثير من الاعتبارات أثبتت غياب “القرار الكبير” عن جلسة 29 أيلول أنّ ما طُبّق على “حالة” انتخاب الرئيس برّي بأكثريّة الصوت الواحد (65 صوتاً) وتسمية نجيب ميقاتي رئيساً مكلّفاً برصيد أصوات هو الأقلّ في رصيد رؤساء الحكومات منذ التسعينيّات (54 نائباً) لم يكن متاحاً في الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية.

“فخامة الفراغ” رئيساً حتى إشعار آخر

وإذا كان “فخامة الفراغ” هو “الرئيس” المنتخب بعد 31 تشرين الأول، وفق كلّ التقديرات السياسية، فإنّ تساؤلات جدّيّة طُرحت أمس عن مدى احتمال استنساخ تجربتَيْ ميشال سليمان الذي انتُخب عام 2008 في الجلسة العشرين وميشال عون عام 2016 في الجلسة الخامسة والأربعين.

ذكّر مشهد يوم أمس بجلسة الإخفاق في انتخاب رئيس الجمهورية في 22 نيسان 2014 الذي تبعه نحو عامين ونصف من الفراغ قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.

يومذاك كان المرشّح الوحيد المعلَن لرئاسة الجمهورية هو سمير جعجع. دخل وليد جنبلاط في ربع الساعة الأخير طارحاً اسم النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي هنري حلو، فكانت النتيجة: 52 ورقة بيضاء، 48 صوتاً لجعجع، 16 صوتاً لهنري حلو، صوت واحد لأمين الجميّل، وسبع أوراق ملغاة. بعدئذٍ تمّ تأجيل جلسة الانتخاب إلى الدورة الثانية التي “تأجّلت” عمليّاً حتى 31 تشرين الأول 2016 تاريخ انتخاب عون رئيساً.

في كلّ ما حدث وسيحدث سيحرص حلفاء سليمان فرنجية، المرشّح الأقرب إلى الثنائي الشيعي والمرفوض من باسيل والقوى المناوئة لحزب الله والتيار الوطني الحر، على عدم حرق اسمه كما سقط اسم جعجع عام 2014 أو كما تعرّض عون لجولة “النكايات” عام 2016، حين لم يحُز على الثلثين في الدورة الأولى ثمّ أُعيدت دورة الاقتراع الثانية ثلاث مرّات.

غاب أيضاً عن الجلسة اسم جبران باسيل وقائد الجيش جوزف عون بحيث بقي هؤلاء بمنأى عن “التخبيصة” الرئاسية الأولى.

بالمقابل، نصّب ميشال معوّض نفسه بعد الجلسة ممثّلاً للأكثرية الوازنة في المعارضة، مؤكّداً مدّ يده إلى “التغييريّين” الذين سمّوا سليم إدّه والفريق الذي سمّى “لبنان”، داعياً إيّاهم إلى المزيد من المشاورات والتنسيق.

وقد كان لافتاً طرح “برنامجه” الرئاسي أمام الإعلاميين بعد رفع الجلسة، مع العلم أنّه لم يرشّح نفسه ولم ترشّحه القوات إلا قبل ساعات من بدء جلسة الانتخاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى