هوكشتاين أعطى لبنان أسبوعاً للردّ على المقترحات الإسرائيليّة.. فهل يريد إنجاز الاتفاقيّة أم يُراوغ؟! الترسيم البحري يحتاج الى عودة الخبراء والتقنيين الى طاولة الناقورة تجنّباً للوقوع في الأفخاخ
كتّاب الديار
جاء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين الجمعة بالمقترحات الإسرائيلية وأبلغها الى المسؤولين اللبنانيين، وأعطاهم أسبوعاً لدراستها والردّ عليه، ما جعل البعض يتساءل إذا ما كان مستعجلاً فعلاً لإبرام اتفاقية الترسيم، أم أنّه يحاول التأكيد للبنانيين بأنّه يستكمل المفاوضات مع جميع الأطراف من دون مراوغة وتسويف ومماطلة، على ما اتهمه «حزب الله»، محذّراً إيّاه بأنّ «الوقت ليس مفتوحاً»… أمّا هو فسينكبّ في هذه الأثناء على صياغة نصّ إتفاقية الترسيم البحري لعرضها في جولته المقبلة على المنطقة، على الجانبين لمعرفة موقف كلّ منهما منه، والعمل على تعديل ما يجب تعديله، ربّما على طاولة الناقورة، على ما طالب رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بضرورة العودة اليها لمناقشة الإتفاقية من الناحية التقنية.
وإذ أوحى هوكشتاين خلال زيارته السريعة الى لبنان الجمعة بأنّه مهتمّ بإنجاز اتفاقية الترسيم، من دون تحديد أي موعد للعودة الى طاولة الناقورة، ونفى خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين ربط الإسرائيلي الإتفاق بالإنتخابات التشريعية لديه أو بنتائجها، الأمر الذي فاجأ الجميع، تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة لملف الترسيم البحري بأنّ المفاوضات تتتابع وتتقدّم، ولكن ما يتمّ طرحه من مقترحات جديدة، مثل الخلاف على اعتماد الخط 23 كما هو، على ما يريد لبنان، فيما يطرح الإسرائيلي الإنطلاق ممّا يُسمّى خط «العوّامات» الذي يُعتبر امتداداً للخط الأزرق البرّي، يدخل في باب المراوغة وكسب الوقت. فالإسرائيلي معتاد على نصب الأفخاخ، وقد سبق للبنان وأن فصل الترسيم البرّي عن البحري، فيما يحاول هو والأميركي إعادة تداخلهما ببعضهما البعض لترك ثغرات خلافية أو تأويلات في المستقبل على الصعيد البرّي. علماً بأنّ الخط الأزرق ليس حدود لبنان البريّة، ولا يُمكن بالتالي الإنطلاق منه لترسيم الخط البحري، ما قد يُتيح للإسرائيلي اعتماده لاحقاً لتثبيت الحدود البريّة المرسّمة أصلاً، فيما لا يزال هناك نقاط خلاف عدّة عند الخط الأزرق.
من هنا، طرح هوكشتاين على المسؤولين اللبنانيين ترسيم الخط 23، على ما يريدون بشكله النهائي، سيما وأنّ للإسرائيلي تصوّر آخر له، على ما أضافت، ومثل هذا الأمر وسواه يتطلّب تدخّل الخبراء والتقنيين. ولهذا دعا برّي الى العودة الى طاولة الناقورة كون الترسيم ليس من اختصاص السياسيين بل من اختصاص الفنيين والطوبوغرافيين والعسكريين الذين يعلمون كيف يضمنون حقوق لبنان البحرية والبريّة، ولا يقعون في الأفخاخ التي يُحاول الإسرائيلي إيقاع لبنان فيها بشكلٍ أو بآخر.
أمّا التفاؤل الذي أبداه هوكشتاين بالتوصّل الى اتفاق بعد حلّ القضايا العالقة طبعاً، وحديثه عن إحراز تقدّم جيّد في المفاوضات، فتضعه الأوساط نفسها في خانة حفظ ماء الوجه. فصحيح بأنّ هوكشتاين يتابع مهمته، ويقوم بالمساعي مع «توتال» الفرنسية لبدء عملها في البلوك 9 التابع للمنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، على أن تقوم بالتعويض على الإسرائيليين عن القسم الجنوبي من حقل «قانا» الذي يعتبرونه حقّاً لهم كونه يقع خارج الخط 23، أو تقوم الشركة القطرية التي يُفترض أن تحلّ محل شركة «نوفاتيك» الروسية التي انسحبت أخيراً من «كونسورتيوم» الشركات الى جانب «توتال»، و»إيني» الإيطالية، بدفع هذه التعويضات، غير أنّه لا يزال هناك شكوك حول نواياه المبطّنة التي تتلاقى مع المصالح الإسرائيلية، وليس مع مصلحة لبنان.
ومع إعلان شركة «إنرجين» بأنّها ستبدأ باستخراج الغاز من حقل «كاريش» خلال بضعة أسابيع، دون تحديد أي موعد جديد لبدء عملها، فإنّ هذا يعني، بحسب المنطق، أنّه لا بدّ من إنجاز اتفاقية الترسيم البحري قبل انتهاء هذه الفترة. وإلّا فسيكون على هوكشتاين والإسرائيلي التصرّف بالتي هي أحسن، على ما عقّبت، كون لبنان سبق وأن أرسى بجيشه ومقاومته وشعبه معادلة أن «لا تنقيب في الجانب الإسرائيلي، من دون تنقيب في لبنان». وقد أدّت تحذيرات «حزب الله» الأخيرة وإطلاقه المسيِّرات فوق منصّة «كاريش»، ونشره الفيديو الصادم، غايتها لا سيما مع إعلان وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار عن تأجيل بدء العمل في «كاريش» لأسباب تقنية، في ظلّ النفي الإسرائيلي لأي ترابط بين هذه التهديدات وأسباب التأجيل. غير أنّه من الواضح بأنّ هذه الأسباب هي ذريعة اعتمدها الإسرائيلي لتجنّب المواجهة العسكرية مع «حزب الله» في الوقت الراهن، في انتظار معرفة الى أين ستتجه الأمور في مسألة حلّ النزاع البحري.
ولكن ماذا لو لم يتوصَّل الجانبان الى الإتفاق على الترسيم البحري في غضون هذه الأسابيع الفاصلة، تجيب الأوساط عينها بأنّ الأميركي والإسرائيلي يُراقبان مسار الأحداث. فبعد ما قدّمه هوكشتاين من مقترحات جديدة على الجانب اللبناني ينتظر حصول الردّ عليه خلال أسبوع. وقد يطّلع على موقف لبنان المبدئي منه عبر اتصال هاتفي يجريه بنائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، قبل أن يقرّر العودة الى المنطقة، في حال وجد أنّ الأمور قد نضجت للعودة الى طاولة الناقورة.
وترى الأوساط الديبلوماسية بأنّه على المسؤولين اللبنانيين عدم التلكوء وحسم موقفهم من طروحات هوكشتاين لتعود الكرة سريعاً الى ملعبه وملعب الإسرائيلي، فلا يتهم لبنان بالمماطلة أو العرقلة.. في الوقت الذي يحاول هو اعتمادها من خلال إدخال نقاط خلاف جديدة على مسار المفاوضات غير المباشرة، إِلَّا إذا كان صادقاً ويريد فعلاً إنجاز اتفاقية الترسيم خلال أسابيع، لكي يتسنّى لشركة «إنرجين» بدء عملها في «كاريش»، بعد حلّ النزاع وتوقيع اتفاقية الترسيم البحري بين الجانبين.