حقّ لبنان بإيداع إحداثياته الجديدة محفوظ لدى الأمم المتحدة ويُمكنه سحب المرسوم 6433 أو تعديله
دوللي بشعلاني-الديار
الإستعانة بـ «شركة دولية» لترسيم الخط قد يُعيدنا الى دوّامة التقرير البريطاني وكلفته من دون التأكيد على أي خطّ
لم تتحرّك الحكومة المستقيلة حتى الآن لتعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة لحفظ حقّ لبنان في ثروته البحرية النفطية في مساحة الـ 1430 كلم2، وإن كان موقفها الآحادي الجانب، كما يرى البعض، ليس مُلزماً قانوناً. هذه المساحة التي تدخل ضمن الخط 29 والتي أضافتها الإحداثيات الجديدة للجيش اللبناني، على مساحة الـ 860 كلم2 التي يعتبرها العدو الإسرائيلي منطقة متنازع عليها، فيما هي بالكامل من حقّ لبنان، وقد شكّلت المساحة المُضافة عائقاً بالنسبة للوفد «الإسرائيلي» لاستكمال المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية، كون الوفد اللبناني المُفاوض أظهر خطّاً قانونياً وتقنياً سليماً، فيما تشوب الخطوط المرسّمة الأخرى عيوب عدّة ولا تستند الى القانون.. فهل سيتمكّن لبنان من الإحتفاظ بورقة الضغط هذه لاستئناف مفاوضات الترسيم البحري من جديد برعاية واستضافة قوّات «اليونيفيل» في الجنوب وبوساطة أميركية، أم أنّه سيلجأ الى طرق أخرى في الوقت الذي لا تدعم فيه حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها حسّان دياب موقف لبنان ولم تقرّر بعد إقرار تعديل المرسوم 6433؟ّ!
أوساط ديبلوماسية مطّلعة على ملف ترسيم الحدود أكّدت بأنّ لا خوف على حفظ حقّ لبنان لدى الأمم المتحدة في تعديل إحداثياته لأنّ المرسوم 6433/2011 المُرسل من الحكومة اللبنانية الى الأمم المتحدة ينصّ في مادته الثالثة على أنّه «يمكن مراجعة حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة وتحسينها، وبالتالي، تعديل لوائح إحداثياتها عند توافر بيانات أكثر دقة ووفقاً للحاجة في ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنية». وهذا التعديل من حقّ لبنان ولا يُمكن أن يُنتزع منه متى قرّر إرسال المرسوم 6433 سيما وأنّه يملك اليوم بيانات جديدة عن حدوده البحرية. كذلك يحفظ لبنان حقّه أيضاً من خلال المادة 157 من وثيقة الأمانة العامة للأمم المتحدة للعام 1999 التي تنصّ على أنّه «يُمكن لأي دولة أن تسحب وثيقة عائدة لها تمّ إيداعها من جانب واحد لدى الأمين العام للأمم المتحدة». وهذا يعني أنّه بإمكان لبنان سحب المرسوم 6433 أو تعديله أو تقديم مرسوم آخر أو قانون يتعلّق بحدوده البحريّة الجديدة وقتما يشاء.
وأكّدت الاوساط، بأنّه يُمكن بالتالي للوفد اللبناني المُفاوض أن يُصرّ على الخط 29 كمادة للنقاش حولها، وإن كانت إحداثياته في المرسوم 6433 تُحدّد حدوده البحرية بالنقطة 23. غير أنّه لتدعيم موقف هذا الوفد المُفاوض في حال جرى استئناف المفاوضات غير المباشرة مع العدو، يُستحسن أو من الأفضل إيداع الإحداثيات الجديدة لحدود لبنان البحرية في منطقته الإقتصادية الخالصة لدى الأمم المتحدة لكي تأتي متوافقة مع ما يُفاوض عليه لبنان.
من جهة ثانية، رأت الأوساط ذاتها بأنّ مسألة الإستعانة بخبراء دوليين لترسيم الخط البحري، الذين تحوّلوا الى «شركة دولية»، على ما اقترح رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحاقي الأخير بهدف تدعيم موقف لبنان قد لا يأتي بالثمار المرجوّة. فكلّ الشركات الدولية تضمّ خبراء من جنسيات مختلفة (أميركية وبريطانية وفرنسية وسوى ذلك) وهؤلاء سينحازون بطبيعة الحال الى العدو الإسرائيلي أكثر من الجانب اللبناني كون مصالح بلادهم الإقتصادية والتجارية وعلاقاتها السياسية والديبلوماسية معه أقوى وأمتن. كما أنّ هذه «الشركة الدولية»، ستكون على غرار شركة الهيدروغرافيا البريطانية التي جرى استقدامها الى لبنان في العام 2011 من قبل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لإجراء دراسة للحدود البحرية الجنوبية. وكان أن وضعت الشركة المذكورة تقريراً لم يطّلع عليه مجلس الوزراء آنذاك، ولم تُنشر نتائجه أمام الرأي العام، كما أنّه لم يكن «حاسماً» في مسألة تحديد الخط البحري، بل قدّم مقترحات هندسية اختار منها الخبراء اللبنانيون الخط 29، على أنّه الخط الأفضل. فضلاً عن أنّ الحكومة دفعت حينها كلفة باهظة لهذه الدراسة من دون أن تفيدها في شيء، كذلك اليوم قد تأتي «شركة دولية» لتُطالب بكلفة مماثلة وربما أكثر، من دون أن يضمن وجودها وعملها في لبنان، وحتى التقرير الذي سيصدر عنها حقّ لبنان في مساحة الـ 2290 كلم2 التي باتت تُشكّل «منطقة النزاع الحدودي» الجديدة. علماً بأنّ لبنان لا يعتقد أن الـ 860 كلم2 هي منطقة نزاع بل حقّه ثابت فيها، من وجهة نظر الفريق اللبناني المُفاوض.
كذلك فإنّ العدوالإسرائيلي لن ينتظر لبنان لكي يُجري دراسة جديدة لحدوده البحرية، لا أحد يعلم متى تبدأ وكم ستسغرق من الوقت لكي يعود الى طاولة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود، وهو ينوي بدء أعماله في أوائل حزيران المقبل.. من هنا، تقول الاوساط بأنّ اللجوء الى الخبراء الدوليين أو الى «شركة دولية» قد يكون مضيعة للوقت، وهو أمر يعود بنا الى عقلية المضاربة والأرباح وجني الأموال على حساب هذه الأخيرة، من دون أن تكون استفادة لبنان من تقريرها مؤكّد بما يتناسب مع مصلحته.
وعمّا إذا كان بإمكان لبنان أن يستعيد حقّه من خلال رفع دعوى قضائية الى محكمة العدل الدولية للتحكيم بينه وبين العدو الإسرائيلي، لتصحيح الخط 23 الى الخط 29، أوضحت الأوساط نفسها بأنّه للذهاب الى التحكيم الدولي بين طرفين متنازعين، على هذين الطرفين التوافق فيما بينهما على هذا الأمر، فذهاب طرف واحد لا يكفي. وبالطبع لن يتمّ التوافق مع العدو الإسرائيلي على هذا الأمر كونه يُدرك أنّ دفاع لبنان أقوى من الخطوط التي يقدّمها لا سيما الخط 310 والخط 1 لأنّه يعلم بأن لا ركائز قانونية وتقنية لها. كذلك فإنّ المحكمة الدولية قد تعود الى «خط هوف» الذي قسم مساحة الـ 860 كلم2 التي يدّعي «الإسرائيلي» أنّها من حقّه، الى قسمين مقترحاً حصول لبنان على 490 كلم2 و «الإسرائيلي» 370 كلم2، وذلك عبر دراسة قانونية بين الخطين 1 و23. لهذا فإنّ تعديل المرسوم 6433 يبقى أفضل للبنان قبل العودة الى المفاوضات، من اي تحكيم أو محكمة دولية أو أي محكمة أخرى.
وفيما يتعلّق بإمكانية وقف عمل شركة «إنرجين» اليونانية في حقل «كاريش» في حزيران المقبل في حال بقيت الأمور على حالها، لفتت الأوساط نفسها الى أنّ إلحاح العدو الإسرائيلي على بدء المفاوضات غير المباشرة مع لبنان قبل مجيء شركة «توتال» الفرنسية لبدء أعمال الحفر في البلوك 9 في المنطقة البحرية التابعة للبنان في كانون الأول الماضي، هدف الى إبلاغ هذه الشركة بأنّ المكان الذي ستحفر فيه يدخل في منطقة نزاع حدودي. وكان «الإسرائيلي» قد أقام الدنيا ولم يُقعدها عندما ادّعى في وقت سابق أنّ «البلوك 9 هو ملك له». وقد نجح من خلال هذه الإدعاءات في جعل شركة «توتال» تتراجع وتؤخّر عملها في هذا البلوك الى وقت لاحق. لهذا بإمكان لبنان اليوم إخطار الشركة اليونانية، عن طريق علاقاته السياسية والديبلوماسية مع اليونان، أنّ مساحة الـ 1430 كلم2 التي يدخل حقل «كاريش» بنصفه فيها هي منطقة نزاع بينه وبين العدو.. وهذا الأمر قد يُثني شركة «إنرجين» عن بدء عملها في منطقة قد تُصبح متوتّرة أمنيّاً، أو على الأقلّ يجعلها تبتعد عن المساحة التي تدخل ضمن الحدود اللبنانية البحرية المفترضة.