إستهداف عثمان نكاية بالحريري: أعلى المراجع طلبت أذوناته
لا محرّمات، لا حواجز، لا حدود، يقف عندها فريق هذه «المنظومة الحاكمة». كلُّ شيء مباح ومتاح لتحقيق السطوة، وتدجين مؤسسات الدولة، قضائية كانت أو سياسية أو أمنية أو عسكرية، فتحولت الدولة اللبنانية، بإداراتها ومؤسساتها، إلى تجمّع عشائر، تفتي قوانينها وتطبّق شريعتها وترسم أعرافها.
ليس جديداً أن يستخدم فريق في السلطة القضاء وسيلة للإنقضاض على خصومه السياسيين والاقتصاص منهم. فقد خبر اللبنانيون على مرّ سنوات طويلة، تسخير مؤسسات الدولة خدمة للكيدية السياسية، وها هو استجلاب
قضية الادّعاء على اللواء عماد عثمان المدير العام لقوى الامن الداخلي في ملف «الأذونات والرخص المُخالفة للقوانين التي أصدرها عثمان، ومنها أذونات حفر الآبار الإرتوازيّة ورخص البناء»، عادت لتُفتح مجدداً، بعد أن حُفظت على مدى سنتين تقريباً، لأنّ طرحها في ذلك الوقت، بحسب مطلعين على الملف، لم يكن قانونياً، فيما القاضي المدّعي آنذاك بيتر جرمانوس، استقال وأُحيل الى التفتيش القضائي. فما الذي استجد، وأيّ معطيات طرأت على الملف لكي يُعاد تحريكه اليوم؟
يؤكّد معنيون متابعون للملف، أنّ اتهام اللواء عثمان بالفساد، وهو الرجل المناقبي والقانوني، والرافض للتدخّلات السياسية في عمله، يصبّ في الهدف السياسي. وإلّا كيف يمكن تفسير ما يُتهم به عثمان اليوم بأنّه مخالف للقانون وارتكاب فاسد، فيما الجزء اليسير من هذه التراخيص والأذونات، كانت تُحال من اعلى المراجع الرسمية على شكل طلبات إلى وزارة الداخلية ومنها إلى المديرية العامة للتوقيع عليها. وهذه الطلبات لم تقتصر فقط على المراجع الرسمية، إنما أيضاً على مختلف الأطراف السياسية من دون استثناء وبمن فيهم «التيار الوطني الحرّ». وربما لهذا السبب، يرفض وزير الداخلية محمد فهمي إعطاء الإذن بالاستماع للواء عثمان، بحسب ما تردّد، لأنّه يعلم انّ الملف سياسي بامتياز.
يُعتبر اللواء عثمان، من ضمن الحلقة المقرّبة من الرئيس سعد الحريري، ومن «الأوفياء». ولا يُغفل عن أحد، أنّ استهدافه أمس واليوم وغداً، هو استهداف للحريري نفسه، لذلك، فإنّ تحريك الملف قضائياً يعود، بحسب المصادر المعنية، لسببين أساسيين: الأول، محاولة ابتزاز يقوم بها الفريق الحاكم للضغط على الرئيس المكلّف للتنازل في مسألة تشكيل الحكومة، وهذا ما لن يحصل أبداً. والثاني، وضع اليد على مؤسسة قوى الأمن الداخلي، من ضمن مشروع السيطرة على مؤسسات الدولة، الأمنية والعسكرية والقضائية والادارية، وتقييد مؤسسة قوى الأمن في حضن المنظومة الحاكمة. علماً أنّه بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، دأب الفريق الحاكم على السيطرة على المؤسسات العسكرية والأمنية، وتجنيدها خدمة لمصالحه، لكنّ حساباته لم تأت وفق طموحاته، إذ إنّ قيادة الجيش، رفضت في محطات عدة أن تنقاد الى مشاريع وممارسات تتعارض مع مبادئها ومع الثوابت الوطنية والمناقبية العسكرية. لذا، فإنّ تحريك الدعوى، «غبّ الطلب»، يعتبرها «تيار المستقبل» «سياسية بامتياز بلباس قضائي، وبناءً على كيدية قاض قدّم استقالته بعد انكشاف فساده».
«المعلومات» شوكة في خاصرة الحزب
إنّ فضيحة استخدام القضاء في المعارك السياسية تطرح علامات استفهام حول صوابية الأحكام القضائية التي تصدر بإسم الشعب اللبناني، وحول العدالة بحدّ ذاتها، كملف زياد عيتاني على سبيل المثال لا الحصر، والأهمّ حول هيبة الدولة، التي فُقدت بالكامل. لذا، فإنّ الهمّ بالنسبة لـ»تيار المستقبل»، حفظ الأمن في البلد، وإعطاء المواطنين حقوقهم عبر قضاء نزيه وشفاف، وهو ما يحتّم ضرورة وجود قضاء مستقل. واليوم، تقول مصادر «المستقبل» «القضاء «مبهدل»، فأين التشكيلات القضائية؟ وعلى رغم أننا لم نكن راضين بشكل كامل عن هذه التشكيلات، لاستبعاد العديد من القضاة النزيهين المحسوبين علينا، إلّا أنّ ذلك لا يمنع أن تحصل التشكيلات وفق الأصول القانونية، فيما هناك على أعلى المستويات من يخالف هذه الأصول».
مواجهة «المستقبل» و»التيار» يشكّل اللواء عثمان جزءاً منها، متى انتهت مسبباتها، سقطت الدعاوى برأي مصدر سياسي معارض، مستشهداً بتجربة «الإبراء المستحيل». أما «تيار المستقبل» الذي يشدّد على ضرورة إبعاد كل مؤسسات الدولة عن الصراعات السياسية، لا يبرئ «حزب الله» أيضاً من محاولات الإمساك بقرار مؤسسة قوى الأمن الداخلي. فمنذ زمن، هناك محاولات لتدجين هذه المؤسسة وتسخيرها لسياسة محور الممانعة، خصوصاً بعدما شكلّت شعبة المعلومات شوكة في خاصرة من يريد تطويعها ووضع اليد عليها».
هذه الشعبة التي كان يرأسها عثمان قبل وصوله إلى المديرية العامة، لطالما شكّلت النموذج المتقدّم إن من ناحية التدريب والتجهيز وإن من ناحية علاقاتها الدولية، نظراً للتنسيق القائم بينها وبين مؤسسات أمنية دولية، فاستطاعت أن تكسب احترام هذه المرجعيات، بعد الإنجازات التي حققتها، من خلال كشف أكبر شبكات الارهاب، وشبكات التعاون مع اسرائيل، والجرائم، والسرقات، والمخدرات، إضافة إلى دورها في ملف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. من هنا، هناك محاولة واضحة ومستمرة للسيطرة على مؤسسة قوى الأمن الداخلي وعلى شعبة المعلومات.
التنازل لمصلحة البلد؟
هذه الممارسات، لن تجعل «تيار المستقبل» يخضع للإبتزاز السياسي في موضوع الحكومة، وتحديداً لمقعد وزارة الداخلية، والتنازل عنها غير مطروح، كما توضح مصادره، التي تشير إلى أنّ الأنسب والأصح ان تكون هذه الوزارة مع شخصية مستقلة ومهنية، من هنا، كان طرح الحريري لشخصية حيادية لها غير محسوبة على تيار المستقبل».
وبما أنّ فكرة المبادرة الفرنسية وروحيتها تحتّم تغيير العقلية التي حكمت المرحلة الماضية، يعتبر «المستقبل» أنّه من الضروري المجيء بفريق عمل لديه كل القدرة على اتخاذ القرارات الإنقاذية للبلد، من دون العودة إلى زعيمه او المسؤول عنه. لأنّ وضع البلد المتأزم لا يحتمل مثل هذه الممارسات، والحكومة العتيدة لديها ثلاثة عناوين في جعبتها: وقف الانهيار، اعادة الاعمار وتطبيق الاصلاحات، وأي حكومة يملك فيها طرف معين الثلث زائداً واحداً لا تستطيع ان تقوم بالمسؤولية وتحقق هذه العناوين، وتصبح مرهونة لهذا الفريق».
لذا، يجدّد «تيار المستقبل» حرصه على الحفاظ على ما تبقّى من مؤسسات الدولة. ويقول: «هناك مسألتان اساسيتان: المؤسسات الأمنية والقضاء. ومن يعتقد أنّ الأمور «فلتانة» ويستطيع أن «يتصلبط» علينا فهو مخطئ».
انّ استهداف اللواء عثمان هو في توقيت قاتل، ومن شأنه ان يؤذي مؤسسة قوى الامن، فيما يشهد البلد مزيداً من الانهيار والفلتان الامني والجرائم، ويتجّه نحو فوضى كبرى تحتاج الى تعزيز قوى الامن وليس الى ضربها.