ماذا في طيّات اللقاء الأخير بين حزب الله والجهاد الإسلامي؟
التقى كلّ من الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس صالح العاروري بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. نشاطات قد تكون في سياق اللقاءات والتواصل الروتيني بين قوى محور القدس، الا أن كيان الاحتلال الذي ينظر اليها بعين القلق بسبب المستجدات الراهنة ويزعم أنها تشير إلى تنسيق “لتصعيد أمني” قريب ومتزامن من الضفة الغربية، الداخل الفلسطيني المحتل، غزة ولبنان، وفق ما اعتبر اللواء احتياط في جيش الاحتلال إيتان دنجوت.
جاءت هذه اللقاءات بعد فترة قصيرة من معركة “وحدة الساحات” مع كلّ ما حملته من أبعاد وتأثيرات ونتائج في فلسطين والمنطقة، كما خلال فترة تأهب حزب الله من جهة والكيان من جهة أخرى مع وجود احتمال اندلاع تصعيد عسكري (محدود أو غير محدود) على خلفية استخراج الاحتلال للغاز من المساحة المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسّط قبل التوصّل الى ترسيم الحدود البحرية من خلال الوسيط الأمريكي.
دور الفصائل الفلسطينية في أيّ معركة مقبلة مع الاحتلال
وفي هذا السياق شدّد ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان إحسان عطايا في حديثه مع موقع “الخنادق” أن أي معركة تندلع مع الاحتلال “نحن كفصائل وكشعب فلسطيني معنيون بها وبالمشاركة والمساهمة لأن هذا الكيان متواجد على أرضنا المحتلّة ونحن أصحاب هذه الأرض”. وأضاف أن حزب الله وحده قادر بقدراته العسكرية المتطوّرة على خوض معركته وحده لكنّ غزّة معنية بإشعال جبهتها أيضاً.
كذلك رأى عطايا أن هذه اللقاءات تدّل على مستوى التنسيق العميق بين الفصائل وحزب الله وهي ناقشت بشكل رئيسي ما جرى خلال معركة “وحدة الساحات” التي لم يغب عنها أيضاً التنسيق مع حزب الله، لافتاً الى أن مسألة أخرى تقلق الاحتلال وهي أن هذه الاجتماعات تأتي أيضاً بعد تهديد الاحتلال باستهداف قيادة وكوادر الفصائل الفلسطينية في الخارج، وهو ما قابله السيد نصر الله بالموقف الواضح اذ قال إن “أي اعتداء على أي مسؤول فلسطيني في لبنان لن يبقى من دون عقاب ومن دون رد”.
أمّا مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله حسن حب الله فقد أوضح في مقابلة مع موقع “الخنادق” أن اللقاءات الأخيرة بين الحزب والفصائل كانت لعرض ما جرى خلال معركة “وحدة الساحات” وتبادل وجهات النظر وتقيم نقاط القوة ونقاط الضعف وهذا ما يجري دائماً أما التعاون العسكري فيترك لأصحاب الاختصاص من الجانبين في الميدان.
خلاصة رؤية حزب الله لـ “وحدة الساحات”
اعتبر حب الله أن معركة “وحدة الساحات” هي الأولى التي تديرها حركة الجهاد الإسلامي وحدها في مواجهة كيان الاحتلال، مع أهمية انضمام الفصائل الأخرى ودعم “حماس” لها منذ اللحظات الأولى. وعلى الرغم من أن الحركة بادرت وحيدة أيضاً الى معركة عام 2019 (صيحة الفجر) رداً على اغتيال الاحتلال لقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس آنذاك بهاء أبو العطا الا أن ما جرى خلال المعركة الأخيرة يرتقي لمستوى المعركة الفعلية نتيجة رقعة المواجهة الواسعة، وحجم ضربات سرايا القدس التي طالت عمق الاحتلال، بالإضافة الى قدرة السرايا على اختراق “منظومة الدفاع الإسرائيلية”.
النخالة لحزب الله: قتلى حوادث السير في “إسرائيل” قضوا بصواريخ المقاومة
وأشار حب الله الى أن الإصابات في صفوف الاحتلال كانت أهم من الحروب السابقة رغم الرقابة العسكرية الإسرائيلية على انتشار المعلومات في الاعلام العبري فيما تحدّث الاحتلال عن قتلى من الجيش بعد أيام قليلة من المعركة على شكل حوادث. وقد أكّدت المعطيات لدى حركة الجهاد الإسلامي التي أبلغها أمينها العام زياد النخالة الى حزب الله أن القتلى الإسرائيليين قضوا بفعل صواريخ المقاومة وهناك الكثير من الإصابات لكن الاحتلال يعتّم عليها بسبب ظروفه السياسية الصعبة واقتراب موعد انتخابات “الكنيست”.
كذلك أبلغت الحركة أن هناك أماكن تم قصفها تفاجأ الاحتلال بقدرة السرايا على الوصول اليها في الوقت التي لم تقصف فيه هذه المناطق خلال “سيف القدس” ومنها أهداف حول “تل ابيب” والمستوطنات المتاخمة. وتابع حب الله أن دقّة الصواريخ برزت في هذه المعركة اذ تقلّص هامش الخطأ لدى الصاروخ.
الجهاد الإسلامي خبرت نقاط الضعف العسكرية لدى الاحتلال
بالإضافة الى ذلك، خبرت حركة الجهاد الإسلامي نقاط الضعف في الجبهة الداخلية للاحتلال وفي طبيعة عمل القبة الحديدية. اذ إن فرصة إسقاط صاروخ بعيد المدى أكبر من فرصة إسقاط صاروخ قصير المدى. في المفهوم العسكري، إن منظومات الدفاع الجوي قادرة على رصد مسار الصاروخ (projectile)، وبالتالي لديها الوقت الكافي لتحدد نقطة التعامل معه لكن هناك نقطة في مسار الصاروخ ذي “البارابول” القصير لن تستطيع القبة التعامل معه ولا تملك الوقت الكافي لرصده قبل سقوطه، لذلك فإن الصاروخ قصير المدى مهم أكثر بالنسبة للفصائل الفلسطينية، لانه مربك لهذه المنظومات (خصوصاً إذا ما تم تكثيف عدد الصواريخ في الصليات الصاروخية) كما أن هامش اعتراضها سيكون ضئيلاً. وانطلاقاً من هذا المفهوم تكمن الأهمية العسكرية لتكثيف سرايا القدس لضرباتها على مستوطنات غلاف غزّة، ولكن تبقى أهمية الصواريخ بعيدة المدى في توسيع رقعة المواجهة.
المقاومة في مرحلة كسر تفوق سلاح الاحتلال البحري والجوي؟
أشار حب الله الى أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية رفعت الحظر بعد معركة “سيف القدس” حول معلومة تفيد بأن المقاومة الفلسطينية تصدّت لطائرة حربية وهذا تطور خطير واستراتيجي، اذ إن سلاح الجو الذي يؤمّن التفوّق العسكري للجيش بات مهدداً أيضاً. مضيفاً أن لدى الاحتلال قلق شديد من المسيرات وهذه أيضاً من نتائج المعارك التي لا تقاس فقط بعدد قتلى جنود الاحتلال. ولمّح حب الله الى أن الاحتلال قد يتفاجأ بقدرات عسكرية بحرية لدى المقاومة الفلسطينية كما تفاجأ عام 2006 بقدرات حزب الله على قصف البارجة الحربية “ساعر” ما قيّد حركة الاحتلال في البحر.
وخلص حب الله في تحليله للقول بأن المقاومة استطاعت في السنوات الماضية إخراج الكيان الإسرائيلي من حلبة الحرب البرية، فجيش الاحتلال حاول الاجتياح البري وفشل في غزّة كما فشل في لبنان خلال حرب تموز عام 2006. فبقي لديه التفوّق في الجو والبحر، لكن إذا ذهبت المقاومة نحو الاستهدافات في البحر أو التصدي للطائرات في الأجواء “نكون قد انتقلنا الى مرحلة تقويض حركة الاحتلال في البحر والجو، والمقاومة الفلسطينية على سكّة هذا الطريق”.
سياسة حزب الله في العلاقة مع الفصائل: دعم لا يميّز بين فصيل أو آخر
بالعودة الى التنسيق التام بين حزب الله والفصائل الفلسطينية تمحور الحديث أكد حب الله “إننا ندعم المقاومة والشعب الفلسطيني لكن هو الذي يقاتل، فحزب الله لا يقاتل بالنيابة عن الفصائل، نحن لا نقاتل عن فلسطين من يقاتل فيها هم الفلسطينيون وهذا حقهم ونحن ندعم الحق.
وقد تطرّق حب الله الى السياسة الأساسية التي تحكم علاقة حزب الله بالفصائل فقال إن “سياستنا في حزب الله مع كل الفصائل، هي عدم الاهتمام بالأمور التفصيلية والجانبية، نحن ندعم ونقف الى جانب كل الشعب الفلسطيني وعلاقتنا مع كل الفصائل بما فيها حركة فتح ونميّز بين حركة فتح وبين السلطة. وعندما ننظر الى ملف فلسطين ننظر اليه من عنوان المقاومة لا من العنوان الأيديولوجي الإسلامي فندعم الجميع حتى الفصائل اليسارية والعلمانية، كل من يقاوم يجب أن نقف معه كي يستعيد حقه هذا هو العنوان الأساسي، ومن الخطأ اعتبار أن محور المقاومة يميّز في دعمه بين فصيل أو آخر. والدعم لا يقتصر على المال”.
وانطلاقاّ من هذه الرؤية، اعتبر حب الله أن “أي معركة يخوضها فريق من قوى المقاومة في المحور هي معركة الجميع”. وفي حال اندلاع مواجهة بين الاحتلال وحزب الله رأى حب الله أن “المعركة ليست حول الغاز بل جوهرها حماية المنطقة من أطماع الاحتلال وأيّ طرف من المحور يدافع عن أرضه أو يخوض معركة ضد الاحتلال فهو يقاتل عن الأمة ولأجل تحرير القدس، وفي هذا الإطار جاءت أيضاً معركة وحدة الساحات.
في النتيجة، على الكيان المؤقت أن يقلق فعلاً من العلاقة بين أطراف محور القدس ومن التنسيق المستمر الذي لا ينقطع على الأصعدة كافة بين مكوّناته ولا سيما بين حزب الله والفصائل الفلسطينية، ساحتي التماس مع الاحتلال، لأنّ الهدف الأساسي المشترك هو شطبه من هذا الوجود وكلّ جهدٍ يخدم هذا الهدف هو محل التقاء وعمل مشترك لمحور القدس أجمع.
الكاتب: مروة ناصر-الخنادق