الجغرافيا السياسيّة للتطبيع
ناصر قنديل-البناء
– يعرف حكام الخليج أن التطبيع الذي جمعهم بكيان الاحتلال برابط مصيريّ لا ينبع من أي وجه من وجوه المصلحة لحكوماتهم ولبلادهم. فالتطبيع يرفع من درجة المخاطر ولا يخفضها إذا انطلقنا من التسليم بالقلق من مستقبل العلاقة مع إيران، والتطبيع مكاسب صافية لكيان الاحتلال اقتصادياً ومعنوياً وسياسياً وأمنياً، ولذلك فهم يعلمون أنهم قاموا بتسديد فاتورة أميركية لدعم كيان الاحتلال من رصيدهم وعلى حسابهم، ويحملون المخاطر الناجمة عن ذلك وحدهم، خصوصاً أن الأميركي الذي يمهد للانسحاب من المنطقة بمعزل عن تداعيات أزمات الانتخابات الرئاسية ونتائجها، ولذلك فقد تم إطعام حكام الخليج معادلات وهمية لبناء نظام إقليمي يشكل التطبيع ركيزته يحقق لهم توازن قوة يحميهم، فما هو هذا النظام الإقليمي وما هي الجغرافيا السياسية التي يسعى لخلقها؟
– تبلورت خلال الأسابيع الماضية صورة الخرائط التي يسعى الأميركي لتسويقها كنواة للنظام الإقليمي الجديد عبر أربعة محاور، الأول محور البحر الأحمر الذي يضمّ مصر والسودان كشريكين في التطبيع، والثاني محور «الشام الجديد» الذي أعلن عنه كحلف أمنيّ اقتصاديّ يضمّ مصر والأردن والعراق، والثالث محور العبور ويضمّ الأردن والسلطة الفلسطينية، والرابع محور الطوق ويضمّ السلطة الفلسطينية والأردن والعراق، فيما يتولى كيان الاحتلال المشاغلة الأمنية لسورية والمقاومة، ويوضع لبنان تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والسياسية والفشل الحكوميّ وضغوط ترسيم الحدود.
– عملياً، يفقد النظام الإقليمي الموعود كل قيمة فعلية، إذا لم ينجح المحور الرابع الذي يتمثل بالسلطة الفلسطينية والأردن والعراق في الانضمام لخط المواجهة مع محور المقاومة، فالتعقيدات الفلسطينية أمام الجمع بين محور العبور أي حماية قوافل التطبيع العابرة من الكيان الى الخليج وبالعكس، ومحور الطوق الذي يراد منه عزل سورية، كبيرة جداً في ظل التبني الأميركي لخيارين بحدّ أعلى هو تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان مضامين صفقة القرن وحد أدنى هو التفاوض لأجل التفاوض من دون تقديم أي ضيغة قادرة على إنتاج تسوية يمكن قبولها وتسويقها فلسطينياً ويمكن قبولها وتسويقها إسرائيلياً، والأردن المثقل بضغوط القضية الفلسطينية من جهة وبالتشابك العالي ديمغرافياً واقتصادياً وأمنياً مع سورية معرض للانفجار بدوره في حلف عبور قوافل التطبيع في آن واحد، والعراق المطلوب فك ارتباطه العميق بإيران عبر نقل اعتماده على الغاز والكهرباء إلى مصر بدلاً من إيران، وإشراكه بحصار سورية رغم تشابك لا يقل عمقاً بينه وبينها ديمغرافياً واقتصادياً وأمنياً معرّض هو الآخر للانفجار تحت هذه الضغوط.
– المشاغلة الإسرائيلية على جبهتي جنوب لبنان والجولان محاولة لرفع معنويات المدعوين للمشاركة في النظام الإقليمي الجديد، بأدوارهم الجديدة، والنجاح الأميركي بالضغط في لبنان وفي سورية يبدو قادراً على شل المبادرة على هاتين الجبهتين، لكن الأكيد أن لا تعديل في موازين القوى الميدانية التي تقلق كيان الاحتلال من جهة، ولا قدرة إسرائيلية على رفع المشاغلة الى درجة الحرب. والأميركي الذي يريد هذا النظام الإقليمي بديلاً لوجوده تمهيداً للانسحاب ليس بوارد هذه الحرب، وتجميد لبنان تحت الضغوط الأميركية يشكل مصدر استنزاف وإرباك للمقاومة، لكنه لا يعدل في مصادر قوتها ولا يعدل في مواقفها، ومزيد من الضغوط المالية والانسداد السياسي سيذهب بلبنان للانفجار وفتح الباب لخيارات تُخرج الوضع عن السيطرة.
– التحدي هو في ما سيحدث عندما ينسحب الأميركيون، حيث سينهار البناء الذي يراهن عليه الأميركيون، ويتداعى وضع الأردن والسلطة الفلسطينية والحكومة العراقيّة، ويعود الوضع الى معادلة حرب كبرى لا قيمة لها من دون مشاركة أميركية في ظل العجز الإسرائيلي عن تحمل تبعاتها، أو تسوية أميركية مع محور المقاومة تبدأ من العودة للتفاهم النووي الإيراني، يصير معه ثنائي حكام الخليج وكيان الاحتلال على ضفة الخاسرين ويبدأ المدعوون للانضمام للنظام الإقليمي الحامي للتطبيع بالانسحاب هرباً من شراكة الخسائر.
– جغرافيا سياسية ونظام إقليميّ على الورق ستعيش شهوراً قليلة… وتخبزوا بالأفراح.