الحدث

مضائف الضاحية: الحُبّ لنا عادة

يكفي أن تأخذ جولةً في شوارعها نهارًا أو ليلًا، أن تراقب أحياءها الصغيرة والكبيرة منها وأن تسير بكل اتجاه دون وجهة محددة تذهب إليها. يكفي أن تقوم ببعض من هذا ليلفت انتباهك اكتساؤها بثوب السواد، وشعارات العزاء والحزن التي صُبغت بها شوارعها ومنازلها، وأصوات المحبين على جانبي الطرقات ومن كل صوبٍ تردّد: “تفضلوا، على حبّ الحسين(ع)”.

هي الضاحية، ضاحية العز والوفاء التي ما تركت سيد الشهداء(ع) يومًا وحيدًا، وما تخلّت عن نصرته، هي ضاحية الحسين(ع) التي ما بخل أهلها بالأرواح والدماء، واليوم بالعطاءات والماديات لإحياء ذكرى عاشوراء ولتجديد البيعة والثبات على النهج والصراط.

مضائف الضاحية: فيضٌ من الحبّ والبركة
في ذكرى عاشوراء، ومنذ الأيام الاولى لشهر محرم، تعجّ شوارع وأحياء الضاحية الجنوبية لبيروت بالمضائف المتعددة، مضائف بمكونات مختلفة، وأحجام مختلفة، وضيافات مختلفة، تختلف في أشكالها وتجتمع في هدفها: إطعام الناس على حب أبي عبد الله(ع).

وعلى الرغم من أن هذه المشاهد تتكرر في كل عام، إلا أن هذا العام كان لها نكهتها المختلفة وتفاصيلها المميزة، فأهل الضاحية الذين طالهم ما طالهم من مظاهر الفقر والحرمان والأزمات المعيشية التي عصفت بالبلد بأسره، لم يثنهم شيء عن خدمة مجالس وشعائر أبي عبد الله(ع)، ولم يمنعهم أي ظرف أو حال عن تقديم كل ما ملكت أيديهم لأجل تشييد المضائف وإقامة المراسم الحسينية حبًّا وعشقًا للحسين(ع) ونهجه.

وتجسيدًا لما ذكر، وكشاهد على هذا الثبات والعزم الحسيني، قمنا بجولة في إحدى مناطق الضاحية والتي تمتد على مساحة كيلومترين مربعين، تم خلالها توثيق ما يلي:

  • أقيم في هذه المنطقة تسعة مضائف، على حب الإمام الحسين (ع).
  • ضم كل منها ما لا يقل عن 15 شخصًا، تطوعوا لتقديم الخدمة في أوقات مختلفة من اليوم، وقد وصل عدد الأخوة في بعضها إلى ستين شخصًا، توزعت أعمارهم بين الثماني سنوات والستين سنة.
  • قدمت هذه المضائف ضيافات عديدة ومتنوعة، من المأكولات( سندويشات على اختلافها، هريسة، مناسف..)، وحلويات مختلفة، وفاكهة، ومشروبات، بكميات كبيرة ووفيرة حيث قدم أحدها على سبيل المثال في اليوم الواحد ما يقارب الـ 1600 سندويش.

هذا إذًا واحد من المضائف ذات الأعداد الكبيرة التي انتشرت في مختلف مناطق الضاحية الجنوبية، والتي قدر عددها بما يقارب الـ 5000 مضيف، حيث إن المشهد نفسه تكرر في كل شارع وحي ومنطقة، فكانت المشهدية واحدة والروح كذلك.

خطوة في مسار مشروع التكافل، والرسالة أعمق من ذلك
لا يختلف الهدف المنشود من إقامة المضائف -في جزء منه- عن غيره من الشعائر والمبادرات والأعمال التي يسعى أهالي الضاحية لإقامتها، فهذه المضائف تمثل بمفعولها العملي والمعنوي جزءًا من مشروع التكافل الاجتماعي الذي تحدث عنه سماحة الأمين العام(دام ظله) في العديد من خطاباته.

ورغم أن هذه المضائف تقام فقط لأيام معدودة من شهر محرم، إلا أن لها تأثيرًا كبيرًا في مسيرة التكافل والتضامن الاجتماعي التي لا زمان ولا توقيت محددًا لها.

من ناحية ثانية، فإن لإقامة هذه الشعائر أبعاد أخرى، وأعمق، تتخطى حدود التضامن والتكافل، تسعى لإيصال رسالة أكثر وضوحًا وأعمق تأثيرًا لكل من راهن في يوم من الأيام ولا زال على ضعف بيئة المقاومة أو تراجعها أو عجزها، بل على العكس، فهي اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تثبت أنها أشد ثباتًا وتعلقًا ومضيًّا على هذا النهج الحسيني وفي هذا الخط، خط الجهاد والصبر والمقاومة بكل أشكالها.

أحيا الناس أيام عاشوراء بكل ما يليق بحبهم وعشقهم ووفائهم وعهدهم وبيعتهم لسيد الشهداء(ع). تهافتوا من كل ناحية وصوب، أطفال بقلوب زُرع حبّ الحسين فيها منذ الأنفاس الأولى، وشيوخ شابوا على حبّه وأفنوا العمر في سبيل هذا الحبّ، حملوا للحسين(ع) حبًا لا ينضب، وللعالم رسالة لا تمحى، مفادها أن لهذا الحبّ حرارة لن تخمد في قلوب المؤمنين أبدًا، وأن الحسين هو قدوتنا، فكيف تهزم أمة كان الحسين قدوتها وسفينة نجاتها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى