على الرغم من تأكيد غالبية الخبراء الاستراتيجيين أن حاملات الطائرات التي ظلت على مدى عقود أداة لهيمنة الولايات المتحدة وشعاراً قاهراً لقوتها العسكرية حول العالم، أصبحت مهددة بتكنولوجيا الصواريخ الأسرع من الصوت التي تمتلكها الصين وروسيا ولا يمكن اعتراضها، فإن الصين تستعد لتدشين حاملة طائرات ثالثة العام المقبل، ورابعة نووية بعد سنوات، كما حولت اليابان سفينتين إلى حاملتي طائرات مقاتلة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بينما تستكمل الولايات المتحدة العمل على أربع حاملات طائرات حتى منتصف القرن. فهل يعني ذلك أن حاملات الطائرات لا غنى عنها على الرغم من كل ما يحيط بها من أخطار؟
القوة العظمى
قد لا تمتلك البحرية الأميركية أكبر عدد من السفن في أسطول أي دولة، لكنها ما زالت تعد القوة العظمى في بحار العالم لما تمتلكه من 11 حاملة طائرات ذات أجنحة ثابتة وعشر حاملات طائرات هليكوبتر من أصل 43 حاملة طائرات مختلفة الأنواع حول العالم، من بينها اثنتان تمتلكهما الصين وواحدة تمتلكها روسيا باعتبارهما المنافسين الرئيسين للولايات المتحدة.
لكن على الرغم من هذه القوة المثيرة للإعجاب في البحار وتزايد النزاعات الإقليمية في جميع أنحاء العالم، التي تجعل لحاملات الطائرات أهمية خاصة، فلا يزال القادة العسكريون والخبراء الاستراتيجيون قلقين بشأن قدرة هذه المنصات البحرية والجوية المتحركة على الصمود في وجه خطر صواريخ “الهايبرسونيك” التي تصل سرعتها إلى أضعاف سرعة الصوت، وتمتلك القدرة على تغيير مسارها خلال رحلتها الهجومية، بما يجعل إمكانية اعتراضها وإسقاطها صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة حتى الآن.
تهديدات قاتلة
لطالما واجهت حاملات الطائرات تهديدات قاتلة بشكل خطير، ففي الماضي كانت الغواصات تشكل الخطر الأكبر على حاملات الطائرات، لكن تكنولوجيا الحرب الحديثة المضادة للغواصات منحت مزايا متفوقة لمجموعات الحماية الضاربة المرافقة لحاملات الطائرات، مكنتها من الدفاع عن جسم الحاملة بشكل أفضل، ومع ذلك فإن الغواصات الذاتية التشغيل يمكن أن تمثل مشكلة جديدة، كما أن الخطر الأكبر يتمثل في الصواريخ التي تفوق سرعتها أضعاف سرعة الصوت.
وتقول صحيفة “ناشيونال إنترست” إن الصاروخ الروسي “كينجال” هو أول نظام صاروخي تتجاوز سرعته أضعافاً عدة لسرعة الصوت في العالم، وإذا صدقت ادعاءات الروس، بأن مداه يبلغ 3000 كيلومتر عند إطلاقه من طائرة مثل “توبوليف تو- 22 أم” الأسرع من الصوت، فإن ذلك سيشكل تهديداً خطيراً للغاية للسفن الحربية الأميركية، ولا سيما حاملات الطائرات.
وبسبب السرعة التي تنتقل بها الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فإن قوة الاصطدام التي تنتج عنها تصبح كبيرة لدرجة أن هذه الصواريخ يمكن أن تلحق أضراراً من خلال التأثير الحركي المحض من دون الحاجة إلى متفجرات، ولهذا يخشى الخبراء من أن هذه الصواريخ قد يكون من المستحيل ردها ويمكن أن تعيد تشكيل الحرب، ولهذا السبب اقترح البعض أن يستثمر الجيش الأميركي في التكنولوجيا بدلاً من السفن الحربية الضخمة لأن الأسلحة الحديثة يمكن أن تدمرها بسهولة تامة.
ويستكشف الجيش الياباني بالفعل طرقاً لتطوير ونشر أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت برأس حربي خاص يمكنه اختراق أسطح حاملة طائرات، ومن الواضح تماماً أن حاملات الطائرات الصينية يمكن أن تشكل خطراً جسيماً في المياه المحيطة بالجزر اليابانية.
سلاح خارق
في أحد التدريبات العسكرية الافتراضية اكتشف أحد المواقع هجوماً افتراضياً على حاملة الطائرات “يو أس أس جورج بوش” التي تزن 97000 طن وطولها 333 متراً وتضم طاقماً من 3200، إضافة إلى 2500 من الأفراد العسكريين الذين يشكلون في غالبيتهم فرق الطيران، وهو هدف كبير جداً لأي سلاح. وعلى الرغم من أن تجاوز دفاعاتها الجوية لن يكون مهمة سهلة فإن صاروخاً تفوق سرعته أضعاف سرعة الصوت يمكن أن يغير قواعد اللعبة بشكل مدمر، إذ لا يمكن للخصائص الحالية لحاملات الطائرات الأميركية مواجهة الصواريخ التي تفوق سرعتها أضعاف سرعة الصوت بكتلة 500 كيلوغرام من صاروخ مثل “كينجال”، يحلق بسرعة 12 ماخ (أي 12 ضعفاً من سرعة الصوت) ويمكن أن يصيب غرفة القيادة أو سطح الحاملة ويلحق أضراراً جسيمة بها.
وحتى لو تمكنت حاملة الطائرات من البقاء صامدة في اللحظات الأولى بعد الضربة، فإن إمكانات قواتها الجوية ستنخفض إلى الصفر بسبب الأضرار التي تلحق بالسطح، إضافة إلى إمكانية تعطل واحد في الأقل من مفاعلي “وستنغهاوس” اللذين يحركان الحاملة بسعة إجمالية تصل إلى 1100 ميغاوات، وقد يؤدي إلى انفجار المفاعلات النووية نفسها أثناء تشغيلها النشط، وتدمير الحاملة بشكل كامل، وخلق تفاعل متسلسل يمكن أن يقضي على مجموعة كاملة من القوة البحرية لحاملة الطائرات.
مواجهة التهديد
لن يكون ضرب الموقع المحدد لحاملة الطائرات من مسافة ألفين أو ثلاثة آلاف كيلومتر أمراً سهلاً حتى باستخدام سلاح تفوق سرعته سرعة الصوت، فالصواريخ الباليستية الحالية التي يمكن أن تحلق بسرعة تفوق سرعة الصوت تتبع مسار طيران يمكن التنبؤ به، ولكن القلق هو أن الصواريخ فرط الصوتية قادرة على المناورة بطرق غير متوقعة.
وهذا هو السبب في أن وزارة الدفاع الأميركية وشركات الدفاع الخاصة تعمل بجد لتطوير أنظمة مضادة لوقف هجوم تفوق سرعته سرعة الصوت، لكن رئيس العمليات البحرية السابق الأدميرال جون ريتشاردسون قلل في ندوة مع معهد بروكينغز من أهمية التهديد باعتبار ذلك من الأمور المصنفة سرية، مشيراً إلى أنه يمكن عبر مزيج من المفاهيم التشغيلية والأنظمة الدفاعية أن تكون حاملات الطائرات قادرة على إحداث تأثير كبير على مساحة العمليات والاستمرار في البقاء على قيد الحياة.
وفيما حذر مايكل غريفن، وكيل وزارة الدفاع الأميركية للأبحاث والهندسة، من أن الأسلحة الصينية أو الروسية الفائقة السرعة يمكن أن تعرض مجموعات حاملات الطائرات الأميركية للخطر، إلا أنه أوضح أنه تجري دراسة وسائل اعتراض هذه الصواريخ، غير أن توم كالندر الباحث في الحرب البحرية والتقنيات المتقدمة في مؤسسة “هيرتاج” أوضح أن البحرية الأميركية تسعى وراء مقذوفات فائقة السرعة يمكن إطلاقها من مدافع كهرومغناطيسية لأنها أصغر وأرخص من الصواريخ الاعتراضية، فضلاً عن إمكانية استخدام أشعة الليزر وطاقة الميكروويف وأنظمة الحرب الإلكترونية، ويمكن لحاملات الطائرات والسفن الحربية المرافقة لها أن تحمل المزيد منها بما يسهم في زيادة قدرتها على التعامل مع وابل كثيف من أسلحة العدو التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
الحاملات باقية
وعلى الرغم من كل هذه المخاطر فإنه مع دخول الولايات المتحدة حقبة تتزايد فيها احتمالية نشوب حرب حديثة بين القوى العظمى، تبدو العودة إلى الأدوار التقليدية لحاملة الطائرات مطلوبة للحفاظ على الوجود العسكري البحري والقيام بعمليات الاعتراض البحري والدفاع الجوي عن الأسطول، التي تعد ذات قيمة عالية في الحروب ضد القوات البحرية الحديثة.
ويقول العميد البحري الأميركي روي كيلي لموقع “ديفنس نيوز” إنه لا يوجد نظام أسلحة آخر أو مجموعة من الأنظمة تمتلك أدوات مميتة ورشيقة ومرنة مثل حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية مع قواتها الجوية، إذ تتميز حاملات الطائرات بالقدرة على رد الفعل السريع والتحمل والقوة المتعددة الأبعاد في ساحة المعركة وقدرات القيادة والسيطرة التي تحتاجها أميركا لتنتصر في منافساتها مع القوى العظمى.
ويشير كيلي إلى أن حاملات الطائرات تظل مناسبة وفعالة عاماً بعد عام وعقداً بعد عقد، لأنها منصات ضخمة قابلة للتكيف وتتطور الطائرات التي تحملها بطريقة ثورية، كما تتطور الأسلحة التي تحملها تلك الطائرات بشكل أسرع، ما يجعل مجموعات حاملات الطائرات الهجومية مهيمنة على التهديدات الحالية والمحتملة.
ووفق كيلي، لا تشكل تهديدات الصواريخ فرط الصوتية مفاجأة، ذلك أنه خلال الحرب العالمية الثانية، واجهت حاملات الطائرات الأميركية تهديداً من الطوربيدات وقاذفات القنابل، وخلال الحرب الباردة، امتلك الاتحاد السوفياتي صواريخ أسرع من الصوت تطلق من الجو وذات رؤوس نووية، لكن البحرية الأميركية طورت وستواصل تطوير أسلحة وتكتيكات متفوقة كي تبقى حاملات الطائرات متنقلة وقابلة للدفاع عن نفسها، لأنه في زمن الحرب، ستكون حاملات الطائرات أكثر المطارات التي يمكن أن تنجو من القصف.
دول أخرى
ولا يبدو أن التوجه نحو استمرار الاعتماد على حاملات الطائرات يقتصر على أميركا، فوفقاً لموقع بابيولار ميكانيكس، هناك عدد قليل من الدول تمتلك حاملات طائرات في ترساناتها، وهي تتجه إلى مزيد من التوسع لأن مصالحها تمتد بعيداً عن مياهها الخاصة، وتحتاج إلى وضع جزء من قواتها الجوية في البحر.
وبشكل عام، توجد ثلاثة أنواع من حاملات الطائرات اليوم في العالم، أولها حاملات تحمل كلاً من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات، وثانيها الحاملات الأصغر التي تشغل طائرات الهليكوبتر، وثالثها السفن البرمائية التي لها منصات طيران وحظائر وتحمل طائرات هليكوبتر.
وتحظى الولايات المتحدة وحدها بعدد أكبر من الحاملات الضخمة من النوع الأول، حيث تمتلك 11 حاملة طائرات، بينما تمتلك كل من المملكة المتحدة والصين وإيطاليا حاملتين، في حين لدى روسيا وفرنسا والهند وإسبانيا حاملة واحدة.
الصينيون قادمون
لكن الصين التي تمتلك أكبر عدد من السفن الحربية في العالم تخطط لزيادة عدد حاملاتها خلال السنوات المقبلة، حيث كشفت صور أقمار صناعية تجارية التقطت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لحوض “جيانغ نان” لبناء السفن عن تقدم مطرد تجريه الصين منذ بداية هذا العام في بناء حاملة طائرات ثالثة تُدعى “003”، ويرجح أن تطلق في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر وفق توقعات المحللين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، ويعني ذلك أنها قد تدخل الخدمة فعلياً في عام 2023 أو 2024، وفق تقديرات البنتاغون.
وتوضح الصور أن المكونات الرئيسة لحاملة الطائرات الصينية الجديدة التي يماثل حجمها حاملات “كيتي هوك” الأميركية، تقترب من الاكتمال، بما في ذلك التجهيزات الحديثة الخاصة بإقلاع الطائرات بنظام إطلاق كهرومغناطيسي مشابه لذلك الذي طورته البحرية الأميركية لحاملة طائراتها الأحدث “جيرالد فورد”، وهو ما يعد نقلة نوعية للبحرية الصينية لأنه سيمكنها من إطلاق طائرات أكبر بحمولات أثقل مع مزيد من الوقود، بعكس حاملتي طائراتها الأخريين “لياونينغ” و”شاندونغ” اللتين تعملان بنظام إطلاق يعمل بالبخار.
ويعكس استمرار الصين منذ عام 2016 في تدشين حاملة طائرات ثالثة تعمل كسابقاتها بنظام الدفع التقليدي، والبدء في تطوير حاملة رابعة تعمل بالطاقة النووية، أن حاملات الطائرات ما زالت وسيلة استراتيجية مهمة في السياسات الدفاعية وأنها جزء لا يتجزأ من عوامل القوة في البحار والمحيطات، وهو ما يتماشى مع تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ بإكمال التحديث العسكري بحلول عام 2035، مع التركيز على تحسين قدرات القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني.
واليابان أيضاً
في 3 أكتوبر الماضي، نجحت طائرتان مقاتلتان من طراز “أف 35 بي”، في الإقلاع والهبوط من سطح حاملة الطائرات اليابانية “إيزومو” التي كانت من قبل مدمرة تحمل طائرات هليكوبتر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يطير فيها مقاتلون من حاملة طائرات يابانية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد اعتمدت القوات البحرية وفق دستور البلاد السلمي على السفن التي تحمل المروحيات للدفاع عن النفس، وليس الطائرات المقاتلة وتجنبت استخدام مصطلح حاملة الطائرات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك تغير بموافقة أميركية ضمنية منذ عام 2018، عندما أعلن اليابانيون عن خطط لتجديد حاملتي طائرات هليكوبتر هما “إيزومو” و”كاغا” لتحمل المقاتلات الأحدث في العالم من طراز “أف 35 بي” أميركية الصنع.
ويشير جيفري هورنونغ، الباحث في شؤون اليابان في مؤسسة راند الأميركية، إلى أن الحكومات اليابانية كانت تجادل بأن لليابان الحق في الحفاظ على قدرات تمكنها من الحد الأدنى الضروري للدفاع عن النفس، وأي شيء يتجاوز ذلك يعد احتمالاً للحرب، وبالتالي فهو ينتهك الدستور، ولذلك كان هناك أربعة أشياء تمتنع اليابان عن امتلاكها هي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ المتوسطة المدى والقاذفات البعيدة المدى وحاملات الطائرات.
ويقول هورنونغ لموقع “ميليتاري” الأميركي إن القوة المتنامية للصين في المنطقة وتحركاتها الأخيرة حول جزر سينكاكو المتنازع عليها، كانت العامل الرئيس لتطوير وتجديد “إيزومو” و”كاغا”، لتعملا بشكل فعال كحاملات طائرات صغيرة حتى يكون اليابانيون قادرين على إطلاق الطائرات من البحر، بسبب خشيتهم من تدمير مدارج الطائرات خلال الساعات الأولى لاندلاع الحرب.
وتزن “إيزومو” 27000 طن وهي أكبر من حاملة الطائرات الإيطالية “غاريبالدي”، لكنها صغيرة مقارنة بحاملات البحرية الأميركية من فئة “نيميتز” التي تزن 90 ألف طن، أو حتى حاملة “لياونينغ” الصينية التي تزن 58 ألف طن، لكنها أكبر سفينة تبحر من اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة إلى مهاجمة ماضي اليابان في زمن الحرب.
المصدر: اندبندنت عربية