الحدث

بعد زيارة عبد الله بن زايد للعاصمة السوريّة والحفاوة الرسميّة التي حظي بها.. ما هي الحقائق العشر التي أكّدتها هذه الزيارة؟ ومن سيكون وزير الخارجيّة الثاني الذي سيسير على الطّريق نفسه؟ وهل سيكون العام الجديد عام “الحجيج” العربيّ لسورية؟ ومتى سيزور الأسد أبو ظبي؟

الاستِقبال الحافِل الذي حظي به الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجيّة الإمارات أثناء زيارته يوم أمس لدمشق لأوّل مرّة مُنذ بداية الأزمة السوريّة قبل نحو عشر سنوات، ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد في قصر الشعب يؤكّد على مجموعةٍ من الحقائقِ الأساسيّة:

  • الأولى: أن القيادة السوريّة باتت تُعطي الأولويّة وتُركّز حاليًّا على الوضع الداخلي أكثر من تركيزها على الأوضاع الخارجيّة، والسياسيّة العربيّة منها خُصوصًا، بمعنى آخر أنها باتت أكثر “برغماتيّة” وكُل ما يهمّها في الوقت الرّاهن هو كسر الحصار الأمريكي، والسّعي نحو جلب استِثمارات من أجل حل الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي تعيشها البِلاد، وتحسين الظّروف المعيشيّة للمُواطن السوري.

  • الثانية: تُعطي السّلطات السوريّة “معركة” إعادة الإعمار التي من المُتوقّع أن تبدأ بشَكلٍ مُتدرّج الأولويّة المُطلقة، ولا تضع أيّ “فيتو” على أيّ دولة لديها الاستِعداد للمُشاركة عبر شركاتها في هذه المسألة باستِثناء دولة الاحتِلال الإسرائيلي، حسب ما ذكر مصدر سوري لـ”رأي اليوم”، وهذا ما يُفسّر ترحيبها بزيارة وفد سعودي برئاسة الجِنرال خالد الحميدان قائد الاستخبارات السعوديّة لدِمشق واستِقباله في القصر الجمهوري، ومُبادرة الرئيس بشار الأسد بالاتّصال هاتفيًّا مع الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد إمارة أبو وظبي، وتوثيقه عُلاقاتها مع سلطنة عُمان.

  • الثالثة: دولة الإمارات التي ارتكبت خطيئة التّطبيع وتوقيع اتّفاق “سلام إبراهام” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي تُريد أن “تُكفّر” عن هذه الخطيئة، بطَريقةٍ أو بأُخرى، بالانفِتاح على سورية التي ما زالت تقبض بقُوّةٍ على جمْر العُروبة، وترفض أيّ سلام لا يستند على قرارات الشرعيّة الدوليّة والحُقوق المشروعة للشّعب الفِلسطيني، والانسِحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المُحتلّة وعلى رأسها هضبة الجولان، وربّما أرادت دولة الإمارات خلق نوع من التوازن الدبلوماسي، وتخفيف حدّة اندِفاعها على درب التّطبيع، بعد الانتِقادات الشّرسة التي تعرّضت لها على وسائل التواصل الاجتماعي وصل مُعظمها إلى درجة الاتّهام بـ”الخِيانة”.

  • الرابعة: كسر العُزلة والعَودة إلى الجامعة العربيّة، بات مطلبًا عربيًّا أكثر منه سُوريًّا، خاصَّةً بعد فشل “المُؤامرة” الأمريكيّة المدعومة من بعض الدّول العربيّة في تغيير النظام السوري، وصُمود الجيش العربي السوري، واستِعادته لمُعظم الأراضي التي كانت خارجةً عن سيادة الدّولة، وتخلّي العديد من القِوى الغربيّة، والعربيّة عن المُعارضة السوريّة المُسلّحة، وانهِيار “منظومة أصدقاء سورية” وتوقّف الدّعم المالي والعسكري لهذه المُعارضة.

  • الخامسة: توصّل مُعظم الدول الخليجيّة التي انخرطت في مشروع تغيير النظام السوري مُنذ بداية الأزمة، ومن بينها الإمارات إلى قناعةٍ راسخة، أنّ فكّ أواصر العُلاقة الاستراتيجيّة بين دِمشق وطِهران “خطٌّ أحمر” لا يُمكن أن تسمح القِيادة السوريّة لأيّ طرف عربي أو غربي بتجاوزه مهما كانت المُغريات الماليّة أو الضّغوط العسكريّة، ولو قبلت هذه القيادة بالابتِعاد عن إيران لما تعرّضت لهذه الحرب المُستمرّة مُنذ عشر سنوات.

  • السادسة: تزايد وتيرة التقارير السياسيّة والعسكريّة التي تؤكّد هزيمة المشروع الأمريكي في الشّرق الأوسط، ابتداءً من أفغانستان، ومُرورًا بسورية والعِراق، وقُرب سحب الإدارة الأمريكيّة لقوّاتها من البلدين الأخيرين، وكان لافتًا أنّ القِيادة العسكريّة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط، سحبت أكثر من 250 قطعة من المعدّات العسكريّة الثّقيلة التي كانت مُتواجدة في شِمال شَرق سورية إلى قواعدها في العِراق.

  • السابعة: تعبير الإدارة الأمريكيّة عن غضبها تُجاه زيارة وزير الخارجيّة الإماراتي لدِمشق ولقائه الرئيس الأسد، كان مسرحيّة، وذرّ الرّماد في العُيون، فهذه الإدارة تُدرك جيّدًا أنّ قانون “قيصر” لفرض الحِصار على سورية انهار كُلِّيًّا، وإلا لما سمحت أمريكا لمنظمة دوليّة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة مِثل “الإنتربول” بإعادة فتح مكتبها في دِمشق، والتّنسيق مع الحُكومة السوريّة في اعتِرافٍ علنيٍّ بشرعيّتها.

  • الثامنة: الشيخ بن زايد حمل إلى الرئيس بشار الأسد دعوةً رسميّةً من شقيقه الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي، والحاكم الفِعلي لها، لزيارة العاصمة الإماراتيّة ولا نعتقد أن هذه الدّعوة يُمكن أن تَصدُر دون مُوافقة، أم عدم مُمانعة، أمريكيّة، ومُباركة مُعظم، إن لم يكن كُل، الدّول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

  • التاسعة: تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن سورية ستستعيد مِقعدها في الجامعة العربيّة، وستُشارك في القمّة العربيّة المُقبلة التي من المُقرّر أن تُعقَد في شهر آذار (مارس) المُقبل في الجزائر، ومُباركة القِيادة المِصريّة لهذه العودة، مثلما أكّد السيّد سامح شكري وزير الخارجيّة المِصري، أثناء لقائه بنظيره السوري فيصل مقداد على هامِش اجتِماعات الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتعهّد الإمارات بدعم هذه الخطوة.

  • العاشرة: الدّعم الروسي القوي لعودة الحليف السوري للجامعة العربيّة، واستِعادة مكانتها في العمل العربيّ المُشترك، وأكّدت لنا مصادر دبلوماسيّة عربيّة في موسكو أن الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيّته سيرغي لافروف أكّدا على هذه المسألة في جميع لقاءاتهما مع الوفود العربيّة الزّائرة لموسكو.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ، بعد استِعراض هذه النّقاط العشر ليس حول قُبول الرئيس الأسد للدّعوة الرسميّة لزيارة أبو ظبي، فهذه مسألة محسومة، وإنّما حول موعد تنفيذ هذه الدّعوة، وهل ستكون قبل القمّة العربيّة القادمة، أم بعدها؟ وحول الضّمانات الأمنيّة اللّازمة في هذا المِضمار.

هُناك سُؤالٌ آخَر أكثر إلحاحًا وهو عن وزراء الخارجيّة العرب الذين من المُتوقّع أن يتقاطرون على العاصمة السوريّة بعد زيارة وزير الخارجيّة الإماراتي، ومن هو الثّاني؟ وزير الخارجيّة المِصري، أم البحريني، أم السعودي؟

نترك الإجابة عن هذه الأسئلة ومُتفرّعاتها إلى الأيّام والأشهر القليلة المُقبلة، وكل ما نستطيع قوله إنّ العام الميلادي الجديد سيكون عام الحجيج العربي إلى دِمشق.. والأيّام بيننا.

“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى