العزوف عن الانتخابات أو خوضها: مستقبل الحريري الآفل
المستقبل: “مواجهة حزب الله لم يعد شعارًا انتخابيًا بل أضحى واجبًا وطنيًا” (الأرشيف)
وإلى ذلك الحين، يبدو أن الجميع مربك من هذا الاستحقاق المفصلي، الذي يأتي بعد سلسلة من التراكمات الصادمة التي عاشها اللبنانيين، من حراك 17 تشرين الأول 2019، إلى تفجير مرفأ بيروت، وما تخللهما من انهيارات دراماتيكية ومسار متأجج بالأحداث.
المسار الشائك
كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أحد أبرز الزعامات السياسية التي تصدرت المشهد العام بعد انتخابات 2018. بدءاً من ترؤسه الحكومة الأولى بعد الانتخابات، كنتاج للتسوية الرئاسية 2016، وتحالفه مع رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في الانتخابات، إلى استقالته حكومته تحت ضغط الشارع في حراك تشرين، ثم عودته رئيساً مكلفًا للحكومة تحت مظلة المبادرة الفرنسية، وعجزه عن تشكيلها بعد 9 أشهر من “التكليف المستحيل” بسبب استفحال خصومته مع باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون.
واليوم، يترأس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي، خصم الحريري سابقًا، وزميله، وإن شكليًا، في نادي رؤساء الحكومة. حكومة مفخخة ومشلولة، يشبهها كثيرون بحكومة تصريف الأعمال التي رأسها حسان دياب، هي عاجزة عن الاجتماع، منذ رفع وزراء حزب الله الفيتو بوجه المحقق العدلي طارق البيطار للمطالبة بعزله، ثم أحداث الطيونة الدامية، وصولًا إلى انفجار أزمة دبلومسية سياسية غير مسبوقة في العلاقة بين الرياض وبيروت، وإن كانت حدثًا متوقعًا بعد مسار من اضطراب العلاقة بين البلدين، لاح في الأفق لدى احتجاز الحريري في السعودية عام 2017، وتلاوة بيان استقالة حكومته من هناك.
مع السعودية أو ضدها
ورغم بلوغ الاستقطاب ذروته في لبنان، يبدو أن الحريري المقيم حاليًا في الإمارات، وتياره السياسي، غير فاعل ومؤثر بالمشهد السياسي العام، ويكتفي ببعض البيانات، التي تشبه في مضمونها بيان استقالة الحريري من الرياض، لجهة الهجوم على حزب الله وإيران، كسلوك لا ينسجم مع سنوات من ربط النزاع والتشارك العميق مع الحزب في السلطة والسياسة.
أما الطارئ أخيرًا، فيتجلى بتداول معطيات (يصفها المستقبليون بالشائعات المغرضة)، عن توجه الحريري للعزوف عن الترشح للانتخابات، لأول مرة، لأسباب سياسية ومالية بالدرجة الأولى.
وتشير مصادر متابعة لـ”المدن”، أن ورقة العزوف عن الانتخابات أصبحت مطروحة على طاولة الحريري أكثر من أي وقت مضى، وأنها قد تصل هذه المرة إلى درجة عدم مشاركة تياره بالمطلق في الانتخابات. وهم يربطون هذا الخيار غير المحسوم بمعطيات عدة، منها:
أولًا، فشل الحريري بتشكيل الحكومة، رغم الدعم الفرنسي وبعض الدول الغربية والعربية (مصر تحديداً) حينها، ولّد قناعة أن أي دعم خارجي له غير مقرون بدعم سعودي لا ينفعه.
ثانيًا، أي حكومة ستتشكل بمشاركة حزب الله وعدم رضى السعودية سيجعلها قابلة للانفجار، وبالتالي ستشكل تهديداً لإنجاز الانتخابات في مواعيدها.
ثالثًا، أي دولة عربية وخليجية لن تقدم على تبني الحريري سياسيًا أو تمده بالدعم المالي للانتخابات، إذا لم تفتح السعودية الطريق أمامه وتعطيهم الضوء الأخضر.
رابعًا، خشية الحريري من اتساع مروحة العقوبات الأميركية، والتي بدأت تطال رجال أعمال ومقربين منه، مثل جهاد العرب، وهي مرشحة أن تطال آخرين.
وفي حال اتخذ الحريري خيار العزوف عن الترشيح، يرى البعض أنه الخيار الشبيه بسيناريو استقالته من الرياض في 2017، وفق قاعدة: لا مجال للمواقف الرمادية، إما مع السعودية ضد حزب الله وفي مواجهته، وإما التنحي جانبًا.
من يملأ الفراغ؟
في المقابل، تلقفت بعض التيارات والشخصيات في المناطق ذات الغالبية السنية، تعميم هكذا نوع من المعطيات، نظرًا للفراغ الكبير الذي قد يتركه المستقبل في الشارع الانتخابي. من جهة، قد يسعى من كانوا يدورون تاريخياً بفلك الحريرية السياسية أن يستغلوا الفرصة لتعزيز فرص ترشيحهم، كذلك قد تعمل بعض التيارات الإسلامية.
ويرى البعض أن أكثر من يمكن أن يستفيد من عزوف سعد الحريري، هو شقيقه بهاء، في حال تمكن من تشكيل لائحة تضم مرشحين مقبولين لدى بيئة تيار المستقبل.
وهنا، يتحدث كثيرون عن خلافات داخل تيار المستقبل، بين قياديين وكبار المنسقين، الذين يرفضون العزوف عن الانتخابات، على قاعدة أنه يمكن خوضها من دون إغداق مال انتخابي كثير، أو عبر الاستعانة برجال أعمال للترشح على لوائحهم. ليكون السؤال: من هم رجال الأعمال الذين سيقبلون خوض معركة انتخابية بأموالهم، في بلدٍ منهار وتعمه الفوضى من جهة، وقد تجعلهم عرضة للعقوبات الأميركية لاحقًا من جهة أخرى؟
المستقبل يرد
ينفي نائب رئيس تيار المستقبل، مصطفى علوش، أن يكون العزوف عن الانتخابات خيارًا مطروحًا بجدية، من دون أن يتطرق إلى فحوى الإطار العام الذي يضعه “المستقبل” للانتخابات.
وقال علوش لـ”المدن” أن الأسبوعين المقبلين حاسمان بالنسبة لتياره السياسي، وأن الحريري عائد قريباً إلى لبنان، لبلورة التوجه السياسي وطبيعة المواجهة في المرحلة الراهنة وشعاراتها وعناوينها وتحالفاتها.
وعليه، ما زال خيار خوض الانتخابات قائماً، وفق علوش، وإن لم يحسمه، لافتًا أن زمن التسويات على طريقة 2016 مع فريق عون السياسي انتهى، وأن ربط النزاع مع حزب الله سقط أيضًا بالنسبة للحريري.
ولا ينفي علوش حجم التحديات التي فرضها تدهور العلاقات بين لبنان والسعودية وبعض الدول الخليجية، وقال إن تصحيح العلاقات مع هذه الدول هو أولوية المستقبل والحريري راهناً، “لأن مواجهة حزب الله لم يعد شعارًا انتخابيًا بل أضحى واجبًا وطنيًا”.