اتفاقية التطبيع ترأب الصدع بين واشنطن والرياض!
يستمر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المحاولة لاستعادة ثقة الولايات المتحدة -كانت آخر المحاولات مشروع “شرق أوسط أخضر”- بعد سلسلة الإخفاقات التي قامت بها المملكة، والتي نتج عنها “صرف نظر” أميركي عن الاهتمام بالشأن السعودي والعائلة الحاكمة وتجلّى ذلك بقطيعة الرئيس الأميركي جو بايدن لبن سلمان طيلة الفترة الماضية.
صحيفة هآرتس اعتبرت في مقال لها ان “لبن سلمان، فائضاً كبيراً من الأفكار حول كيف ينفق أموال المملكة”، مشيرة إلى انه “في اللقاء الذي جمع بين مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ومحمد بن سلمان، طلب الأخير بوضع عدة شروط للتطبيع، طالباً إعادة علاقات الإدارة الأمريكية مع المملكة إلى سابق عهدها”.
النص المترجم:
يبدو أن لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فائضاً كبيراً من الأفكار حول كيف ينفق أموال المملكة. فبعد مبادرته “السعودية 2030” التي تشمل إقامة مدينة المستقبل “نيوم” بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار، خرج بمبادرة جديدة باسم “الشرق الأوسط الأخضر”، التي تقتضي أن يستثمر فيها مبلغ 700 مليار دولار.
مثل مشروع بناء مدينة المستقبل، حصلت “الشرق الأوسط الأخضر” أيضاً على موقع في الإنترنت الذي تم فيه تفصيل الأهداف وطريقة تنفيذها. ضمن أمور أخرى، يخطط بن سلمان إلى تقليص انبعاث غازات الانحباس الحراري حتى العام 2060، وغرس 10 مليارات شجرة، تم غرس 10 ملايين شجرة منها، ووقف تمدد الصحراء عن طريق توسيع المناطق الخضراء بمساحة 541 كم مربع، وإقامة محطات كهرباء تعمل على الطاقة البديلة، التي ستوفر كهرباء خضراء لحوالي 600 ألف عائلة وشق 9900 كم من خطوط سكة الحديد لتقليص الازدحام في الشوارع وتوسيع المحميات الطبيعية بآلاف الكيلومترات المربعة وتشغيل حوالي 10 آلاف عامل في الهيئة الخاصة للحفاظ على البيئة.
إن ضخامة المشاريع مؤثرة، وإذا لم تحدث انعطافة دراماتيكية فسيكون الأمير (36 سنة) عند انتهاء هذه المشاريع ملكاً في عمر 75 سنة. وهو شاب نسبياً مقارنة مع والده والملوك الذين سبقوه. السؤال الأكثر أهمية هو: هل ستكون المملكة قادرة حتى ذلك الحين على دفع المبالغ الضخمة، 1.5 تريليون دولار، من أجل استكمال هذه الاحتلام؟ لأنه المطلوب منها في هذه الأثناء مواجهة صعوبات مالية، بما في ذلك دين وطني يبلغ 230 مليار دولار، وعجز في الميزانية يبلغ 5 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي الخام. هذه ليست ديوناً أو عجزاً دراماتيكياً، لا سيما بعد أن ارتفعت أسعار النفط في الربع الأخير من هذه السنة، ما ساعد المملكة في تقليص عجزها بـ 38 في المئة. ولكن، ثمة فرق بين إنشاء مدينة المستقبل التي تستهدف تجنيد المستثمرين واستيراد شركات أجنبية للدولة، وبين استثمارات ضخمة في المحميات الطبيعية وإقامة مراكز تعليم وتدريب للحفاظ على البيئة وغرس مليارات الأشجار، التي لا تسهم مباشرة في الاقتصاد.
ما الذي وجده ولي العهد كي يعلن الآن عن عقد مؤتمر قمة في المملكة، ويتوقع أن يشارك فيه رؤساء دول ومديرو شركات دولية وممثلون عن مؤسسات تمويل وخبراء من أرجاء العالم؟ الدافع العلني هو التوجه الدولي لوقف الاحتباس الحراري في الكرة الأرضية وتقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري وتطوير مصادر بديلة للطاقة. ولكن هذا ليس توجهاً جديداً؛ فقد حصل على حقنة تشجيع من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي حول الحفاظ على الكرة الأرضية إلى الفصل المهم في الإرث الذي يريد أن يخلفه. ربما يحلم بن سلمان بسعودية خضراء ومزدهرة، وربما يقوم بنظم قصيدة بالعربية الكلاسيكية عن الهواء النقي الخالي من الملوثات، لكن يبدو أن المهم له أكثر هو إصلاح علاقته مع الرئيس الأمريكي، الذي ما زال يرفض التحدث معه بسبب قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي. هكذا، إذا كانت جودة البيئة ومعالجة تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة هي هواية الرئيس الأمريكي، فيجب على بن سلمان أن يلعب في الملعب نفسه، ويتميز فيه.
ما زالت العلاقة بين واشنطن والرياض متوترة وفاترة، رغم أن بايدن أدار ويدير محادثات مع الملك سلمان. في أيلول الماضي كان يمكن لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن يزور السعودية ويلتقي نظيره بن سلمان الذي يشغل منصب وزير الدفاع. ولكن تم إلغاء هذه الزيارة في اللحظة الأخيرة. وبررت الولايات المتحدة الإلغاء بـ “تغيير في أجندة الوزير”، في حين نشرت السعودية في جميع وسائلها الإعلامية بأنها هي التي ألغت الزيارة.
بعد فترة قصيرة، أعلنت الولايات المتحدة عن إخراج صواريخ الباتريوت التي تم نصبها في المملكة في 2019 ونقلها إلى ساحة آسيا كدفاع ضد هجوم صيني محتمل، ما أغضب السعودية جداً. رئيس المخابرات السابق، تركي الفيصل، الذي يشغل منصب متحدث غير رسمي عما يحدث في البلاط الملكي، قال في مقابلة مع “سي.ان.بي.سي” بأن “المملكة والشرق الأوسط يجب أن يكونا على ثقة بالتزام الولايات المتحدة تجاههم… مثلاً، ألا تخرج صواريخ الباتريوت، في الوقت الذي تتعرض فيه السعودية لهجوم من إيران”. في صحيفة “عكاظ” السعودية والمقربة من البلاط، نُشر مقال انتقادي. وبحسب ما كتب فيه، يجب على السعودية البحث عن بدائل لعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
أراد بايدن تبديد هذا التوتر عندما أرسل مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، إلى الرياض في نهاية أيلول من أجل الالتقاء مع بن سلمان. سوليفان هو الشخصية الأمريكية الرفيعة الأولى التي التقت مع بن سلمان. أوضح المتحدثون باسم الإدارة الأمريكية بأن اللقاء استهدف مناقشة حقوق الإنسان والحرب في اليمن، وهي المواضيع الإشكالية التي ألقت بظلالها على العلاقة بين الدولتين. ولكن يبدو أن هناك موضوعاً حساساً آخر أضيف في اللقاء، وهو إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع مع إسرائيل.
نشر براك ربيد، الأسبوع الماضي، عبر موقع “اكسيوس”، بأن ساليبان طرح هذا الموضوع على بن سلمان، وقام الأخير بوضع عدة شروط للتطبيع، طالباً إعادة علاقات الإدارة الأمريكية مع المملكة إلى سابق عهدها، وأوضح بأن إقامة علاقة مع إسرائيل ستكون جزءاً من عملية أوسع تتعلق بحل القضية الفلسطينية. باللغة الدبلوماسية، تعتبر هذه الشروط “بدون محرك”. وباللغة العبرية “لا يوجد في هذه الأثناء ما يتحدث عنه”. ولكن ربما ستوافق “الكيرن كييمت” على التبرع ببضعة آلاف من الأشجار كبادرة حسن نية بدلاً من الانسحاب من المناطق.
المصدر: هآرتس
الكاتب: تسفي برئيل