عملية الاعتقالات أُحبطت في اللحظة الأخيرة خطة “حماس” للقيام بهجمات في إسرائيل
“هآرتس”
عاموس هرئيل – محلل عسكري
للنزاع مع الفلسطينيين طرق للتذكير به، أيضاً عندما تبذل الحكومة أقصى جهدها لإخفائه عن جدول الأعمال الوطني. هذه الليلة، وبينما كان رئيس الحكومة نفتالي بينت في طريقه إلى نيويورك لإلقاء أول خطاب له في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، خرجت القوى الأمنية للقيام بعملية اعتقالات واسعة في أنحاء الضفة الغربية. الهدف كان الشبكات العسكرية لـ”حماس” في منطقتي رام الله وجنين. جزء من هذه القوات اصطدم بمقاومة مسلحة من المطلوبين. وهذه الليلة انتهت العملية بمقتل خمسة فلسطينيين وإصابة ضابط وجندي من وحدة المستعربين بجروح بليغة جرّاء إصابتهما بإطلاق النار.
قال بينت للمراسلين من على متن الطائرة إن القوى الأمنية تحركت ضد “عناصر من ‘حماس’ كانوا على وشك القيام بهجمات في المدى الزمني المباشر”. والظاهر أن المقصود كان سلسلة هجمات تستهدف أهدافاً داخل الخط الأخضر. وتجدر الإشارة إلى أنه وقعت في الفترة الأخيرة عدة حوادث إطلاق نار ضد حواجز الجيش الإسرائيلي في منطقة جنين. وعمليات الاعتقال التي قامت بها إسرائيل، وخصوصاً في منطقة مخيم اللاجئين في جنين، كانت تُواجَه بإطلاق نار فلسطيني غير مسبوق. الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية امتنعت عموماً من الدخول إلى جنين، وخصوصاً إلى المخيم، خوفاً من وقوع مواجهات.
فرار الأسرى الستة من سجن جلبوع ساهم في الجو المشحون في شمال الضفة في مطلع الشهر الحالي. الستة من سكان منطقة جنين، وأُلقيَ القبض عليهم بعد مطاردة استمرت أسبوعين. إثنان منهم اعتُقلا بالقرب من جنين، والآخرون اعتُقلوا في منطقة الناصرة وفي سهل يزرعيل.
التنظيمات التي اعتُقل أفرادها هذه الليلة غير عادية لأنها منتشرة في منطقتين بعيدتين نسبياً عن بعضهما البعض في الضفة. منذ انتهاء الانتفاضة الثانية قبل نحو 15 عاماً، وجدت “حماس” صعوبة في تشغيل قيادة عامة للذراع العسكرية في الضفة تسيطر على شبكات محلية. أسلوب “جزّ العشب” – الإحباط المستمر للشاباك والجيش للهجمات، وأحياناً بمساعدة القوى الأمنية الفلسطينية – كشف وأحبط أغلبية الشبكات قبل أن تتسبب بأضرار جسيمة.
تذكّر الاعتقالات الأخيرة بنسخة مصغرة عن القضية التي حدثت في صيف 2014، قبل خطف الشبان اليهود الثلاثة في غوش عتسيون وعملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة. حينها جرى اكتشاف شبكة من عشرة نشطاء في الضفة كلها خططوا لهجمات ضد إسرائيليين، وسعوا لإسقاط حكم السلطة الفلسطينية، وكان يقف وراءهم كبار مسؤولي الذراع العسكرية في الخارج وفي غزة، بينهم مبعدون في صفقة شاليط.
هذه المرة أيضاً يجب الانتباه إلى تورُّط محتمل لنشطاء “حماس” في الخارج فيما يحدث في الضفة. الشخص الأساسي هو صلاح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، وعملياً المسؤول عن توجيه وتمويل العمليات. هناك مسؤولان آخران كبيران هما موسى دودين وزاهر جبارين، اللذان يُعتبران رسمياً عضوين في المكتب السياسي، والثلاثة من سكان الضفة. العاروري غادر إلى الخارج في سنة 2010 ضمن إطار تسوية مع الشاباك؛ والآخران اللذان كانا في السجن بتهمة التورط بهجمات، أُبعدا بعد عام في إطار صفقة شاليط.
مجموعة الأصدقاء القدامى هذه لا تزال على صلة بما يحدث في الضفة. نشطاء آخرون، بينهم أيضاً مبعدون في صفقة شاليط، يعيشون في غزة. دودين جنّده العاروري في صفوف “حماس” وجبارين جنّده “المهندس” يحيى عياش في سنة 1993. وحتى سنة 2017 كان الثلاثة في قطر. وكانوا يتحركون على خط لبنان تركيا. وكانت نشاطاتهم تنزلق أيضاً إلى المجال السياسي. “حماس” في الضفة ينقصها المال، لذلك يأتي تمويل النشاطات السياسية من قيادة “حماس” في الخارج.
في القضية الأخيرة اعتُقل نحو 20 شخصاً في الضفة خلال الأسبوع الماضي. وهذا يشكل ذروة في الاعتقالات الليلية. عدد النشطاء المسلحين والبعد الجغرافي النسبي وحقيقة أن بعضهم أُلقيَ القبض عليه مختبئاً في منزل خارج قريته – يمكن أن تدل على استعدادات أخيرة قبيل تنفيذ هجمات داخل الخط الأخضر. ليس من الواضح حتى الآن ما إذا تم اعتقال جميع المتورطين في التحضير لعمليات، وما إذا كانت مخططاتهم أُحبِطت بصورة نهائية.
والمعلوم أن أربعة من القتلى الخمسة على الأقل هم نشطاء معروفون في الذراع العسكرية لتنظيمات مسلحة، وكانوا أُصيبوا خلال تبادُل إطلاق النار. القتيل الخامس الذي أصيب هو شاب في الـ16 من عمره تقول مصادر عسكرية أنه كان متواجداً في سيارة أُطلقت منها النار على القوات الإسرائيلية. ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في الحوادث يمكن أن يؤدي إلى تأجيج المناطق ومحاولات القيام بهجمات انتقامية. هناك احتمال حدوث رد من قطاع غزة. في الماضي وضع الجهاد الإسلامي معادلة مفادها أن مقتل أي عنصر من عناصره في الضفة سيؤدي إلى رد وإطلاق صواريخ من القطاع على إسرائيل. معضلة “حماس” أكثر تعقيداً: بصفتها الحركة التي تسيطر على القطاع، يعلم زعماؤها بأن الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ يمكن أن يكون قاسياً جداً. ومثل هذا التدهور سيعرّض للخطر المساعي التي يبذلها الوسطاء المصريون للتوصل إلى تسوية طويلة الأجل إزاء إسرائيل. التوقيت بحد ذاته غير ملائم أبداً لحكومة بينت- لبيد، فقد وقعت الحوادث خلال عطلة عيد العُرش وعشية إلقاء رئيس الحكومة خطابه في الأمم المتحدة.
… ثمة خطر اليوم في أن حكومة إسرائيل تقلل من أهمية التطورات الداخلية في المناطق، وأن تكون الحكومة الجديدة واثقة بأن في إمكانها إدارة النزاع على نار خفيفة من دون أن ينزلق إلى أحجام أكبر تؤثر في الأمن الفردي للمواطنين. مصدر مقرب من بينت قال للصحافيين إن رئيس الحكومة لا ينوي التطرّق في خطابه إلى خطاب عباس الذي ألقاه يوم السبت (والذي كان عادياً للغاية ولم يخرج مضمونه عن خطاباته في الجمعيات العمومية السنوية السابقة). وبحسب المصدر، الموضوع الفلسطيني لن يستأثر بمساحة واسعة في خطاب رئيس الحكومة، لأنه لا مجال الآن لإجراء مفاوضات سياسية.
د. ميخائيل ميليشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز دايان في جامعة تل أبيب قال لـ”هآرتس” إن سياسة بينت المعلنة بشأن القضية الفلسطينية تبدو كصدى للخطة التي قدمها موشيه دايان بعد احتلال المناطق الفلسطينية في سنة 1967. “دايان مثل بينت، تحدث عن تقليص النزاع، وعن قيام منظومتيْ حياة في المنطقة عينها، وعدم ترسيم الحدود بينهما، وعن تقديم تسهيلات اقتصادية، وتسهيل حرية حركة الفلسطينيين. كل هذا من دون سياسة ومن دون تحقيق التطلعات الوطنية”.
بحسب كلامه، يبدو بينت معتدلاً قليلاً مقارنة بخطة دايان التي قدمها في بداية العقد الماضي، والتي تحدثت عن ضم المناطق ج. مع ذلك يقول ميليشتاين إن تصريحات بينت أشبه بالرجوع في الزمن 54 عاماً إلى الوراء وكأن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الحين. لا توجد فوارق تقريباً بين هذه التصريحات وبين التسوية الوظيفية التي قدّمها دايان بعد حرب الأيام الستة”. وغني عن الذكر أن كل هذه الأفكار تقريباً لا يقبلها أي فلسطيني.