الحقبة الإنتظارية الصعبة!
رامي الرّيس-نداء الوطن
القضية المركزية: نكون أو لا نكون. شعار شهير رفعه كمال جنبلاط منذ عقود، بحيث أن التصادم السياسي في زمن الرجال الكبار كانت نكهته السياسية والوطنية مختلفة تماماً عن طبيعة الصدام الراهن. كان صراعاً يدور تحت قبة البرلمان وتنافساً نحو إصدار المزيد من التشريعات.
أما الصراع اليوم فهو الصراع الزقاقي الخطير الذي ينغمس من يتورط فيه بأن يسقط إلى اسفل الدرك. كل شارع من شوارع لبنان معرض لفتنة او اشتباك، وكل حي من الاحياء معرض بتكوينه الديموغرافي او الاجتماعي للاهتزاز.
ما الذي تفعله بعض الأطراف السياسية اللبنانية وإلى أين تأخذ البلاد؟ هل الكلام الذي قيل ويقال حول هوية لبنان مقبول ومنطقي؟
إن الإصرار المتمادي لتلك القوى على جر البلاد نحو محور المقامرة بمستقبل لبنان وأجياله الطالعة ودفعها نحو المزيد من الهجرة، لم يعد مجرد مصادفات متزامنة بل هو يصب في صلب مشروع السيطرة على لبنان في السياسة والدفاع والأمن والإقتصاد والحدود وصولاً إلى آلات الصراف الآلي، فحتى تلك صارت متوفرة ومنتشرة في مناطق معينة.
إن بناء المسار الموازي للدولة البديلة إنطلق منذ سنوات طويلة. صحيح أنه كان مكرساً في بداياته لمقارعة الإحتلال، وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً لقّن إسرائيل درساً تستحقّه متوّجاً مساراً باشرت به أحزاب وأطراف أخرى؛ ولكن الصحيح أيضاً أن هذا المشروع تمكن رويداً رويداً من الإمساك بمفاصل السلطة والقرار السياسي والاقتصادي.
كما أن تمكن تلك الأطراف من المراوغة للحفاظ على السلاح بعد أكثر من عشرين عاماً على تحرير الجنوب إنما أقعد مشروع الدولة المنتظرة على رصيف الانتظار.
وفي الحقبة الانتظارية الصعبة حيث يتواصل الاختلال العميق في موازين القوى، تم تدمير الاقتصاد والمجتمع، بحيث جرى القضاء على الميزات التفاضلية التي كان يتمتع بها لبنان، وإنهار لبنان القديم بدون رسم رؤية للبنان الجديد.
لقد عانى النظام الاقتصادي اللبناني من عثرات كبيرة منها مثلاً الاحتكار وسوء التنظيم والافضلية الدائمة لسياسات التجارة المركنتيلية والرأسمالية الجشعة المتفلتة من قيود الإنماء المتوازن وتنمية الأرياف والعدالة الإجتماعية.
ولكن على الرغم من الطابع الريعي الاستهلاكي للإقتصاد القديم والحاجة الملحة لإحداث تغييرات جوهرية وبنيوية على تكوينه وطريقة إدارته، إلا انه كان ثمة إقتصاد ما يعمل وفق اسس معينة.
أما اليوم، فإن حالة الانهيار غير المسبوق والتضخم الهائل والغلاء الفاحش والهجرة بعشرات الآلاف هرباً من الفقر والذل والجوع باتت تنذر بعواقب وخيمة وكبيرة على مختلف المستويات.
إن الدور المطلوب من القوى الحية في المجتمع أن تركز فعلاً على كيفية استعادة البلاد الى واقعها التاريخي وإخراجها من التبعية لمحاور لم تسجل أي نجاح باهر في النماذج السياسية والإقتصادية التي تبنتها؛ وذلك بدل الاستمرار في رفع تلك الشعارات السخيفة التي تؤدي الى التعمية التامة عن المسؤول الفعلي عن وصول البلاد الى ما وصلت اليه من تعاسة وفقر وحرمان.
من الضروري ان يبقى المسرح السياسي والإعلامي ناشطاً في مجال الحريات العامة كي لا يفقد لبنان آخر ميزة تفاضلية لا يزال يملكها ألا وهي حرية الرأي والكلمة والتعبير وهي عملة نادرة في المحيط الإقليمي برمته تقريباً.