رجاء أن توقفوا كذبة الدعم!
ناصر قنديل-البناء
– تتواصل عملية نهب موجودات مصرف لبنان أو مدخرات اللبنانيين تحت عنوان كاذب هو دعم المحروقات، وقد استهلكت هذه الكذبة حتى تاريخه مليارات الدولارات، ويعرف الذين يقومون بها أنها مجرد كذبة ليس فيها شيء يشبه الدعم، فكل حكومات العالم التي تعتمد دعم المحروقات تقوم بتطبيقه عبر ثلاث خطوات لم تعتمد أي واحدة منها في لبنان عمداً وقصداً، لأن المقصود هو كذبة تتلطى باسم الدعم والغايات تبديد المال العام لحساب منظومة نهب واحتكار وتهريب.
– في بلاد العالم دعم المحروقات يعني أولاً تأمين شبكة نقل عام تغطي الطرق الرئيسية بسعر رمزي تتولى الدولة تغطية الفارق بين كلفته والأسعار التي تباع بها خدماته للمواطنين، والغريب العجيب في لبنان أنّ هناك قرضاً مخصصاً للنقل العام عمره سنوات يكفي لشراء آلاف الباصات وتشغيلها، وبدلاً من الإسراع بتطبيقه، والتطبيق لا يستغرق بضعة أسابيع، يتمّ السعي لإلغاء القرض وتحويل قيمته لتغطية تمويل البطاقة التمويلية، التي يمكن عند السعي الجدي إيجاد الكثير من البدائل التمويلية لها.
– البطاقة التمويلية لتعويض العائلات الفقيرة ما يغطي الفارق بين سعر الكلفة لاستهلاكها للمحروقات وسعر مبيعها في الأسواق، وإنجاز وتطبيق هذه البطاقة الذي بدأ من نهاية حزيران ويُقال اليوم أنه بات جاهزاً، كان ممكناً أن يجهز بذات المدة الزمنية لكن بين نيسان 2020 وحزيران 2020، وإنفاق مليار دولار لسنة بدلاً من انفاق خمسة مليارات على فوارق سعر مشتريات المحروقات التي قال مصرف لبنان إنها بلغت في شهر واحد قرابة مليار دولار، لأنّ التهريب يتكفل بجعل الطلب أضعاف الحاجة، وسيبقى حتى بعد الإعلان عن رفع الدعم، ويستنزف الدولارات من السوق ويرفع سعر الدولار، ما لم يعتمد سعر لبيع المحروقات في السوق المفتوح بما يعادل سعر بيعها في السوق المفتوح المجاور وهو سورية.
– آلية دعم المحروقات المعتمدة تقوم على حصر الإفادة من سعر مخفض للمحروقات لحالات موصوفة، بأن تحصر بسيارات النقل العمومي وأصحاب السيارات الخصوصية الذين يملكون سيارة واحدة، ولا يملكون عاملة أجنبية ولا يزيد دخلهم على رقم معيّن، وتصدر لهم بطاقات مخصصة لذلك، بحيث لا يباع بالسعر المدعوم كل من وقف في طابور الانتظار، حتى لو كان يقوم بالتعبئة عدة مرات يومياً وينقل حمولة خزان سيارته إلى الغالونات ليبيعها في السوق السوداء، وتحدد الكمية المخصصة لكل سيارة مدعومة، وتحدد محطات للتعبئة للمحروقات المدعومة، وتضبط مواعيد للوائح المستفيدين تمنع نشوء طوابير الانتظار المهينة، وفي المقابل يُباح الاستيراد للبيع في السوق المفتوحة، ويسعّر بما يتناسب مع منع التهريب، وهو في حالتنا سعر البيع في سورية أيّ عشرين دولاراً لصفيحة البنزين، ما يحقق للدولة عن كل صفيحة ما يعادل ثمانية دولارات، يمكن أن تغطي فارق البيع المخفض للمستفيدين من الدعم.
– في لبنان لم يغب ذلك نتيجة عدم الخبرة والسهو، بل لأن الخبثاء يملكون وما زالوا كثيراً من الخبرة والانتباه، وهم يعلمون أن مليارات الدولارات التي أنفقت كان منها مئات الملايين فقط رأس المال الخاص الموظف لشراء المحروقات وأضعاف مماثلة من المال العام، وذهبت هذه الأضعاف كأرباح صافية تقاسمها التجار والمحتكرون والمهربون، والذين حوّلوا أموالهم للخارج عبر عمليات الاستيراد الوهمية.
– الأخطر اليوم هو أنّ الناس تذلّ على محطات البنزين، وينتهي يومها بإعلان وقف البيع لنفاد المخزون، ويتكرر الأمر يومياً، ويشتري الناس حاجاتهم من السوق السوداء بأسعار أعلى من سعر المحروقات غير المدعومة، فالناس تشتري صفيحة البنزين بخمسمئة ألف ليرة بينما سعرها دون الدعم ثلاثمئة ألف ليرة فقط، فهل تجرؤ الحكومة لحفظ ما تبقى من دولارات، وإنهاء هذه المهزلة، وأن تردّ الاعتبار للدعم الحقيقي باسترداد قرض النقل العام وتفعيله بسرعة، والسير بتسارع في تطبيق البطاقة التمويلية؟