7 أيّار: يومَ أصابت بيروتُ قاتلَها في مقتلِه
قاسم يوسف
قبيل أحداث السابع من أيّار، كان التهويل السياسي من خطورة حزب الله وسلاحه ومشروعه على الواقع الداخلي يفتقد صدقيّته القصوى، ليس باعتباره خارجاً عن الإطار الطبيعي للمنطق وللتجارب التي خبرناها وعرفناها، بل لكونه تصوّراً نظريّاً تعوزه التجربة العملية المباشرة. وإذا كان هذا التصوّر قد بُني على قاعدة صلبة تزخر بالأدلّة والشواهد، فإنّ الخطاب المقابل ظلّ يُصرّ على أنّ لكل قاعدة استثناء، وأنّ حزب الله في هذا الإطار استثناء لا ريب فيه.
قد يبرّر حزب الله تدخّله العسكري، لتغيير الواقع السياسي آنذاك، بجملة من الأسباب الموجبة، والتي قد تبدأ بالقرارات الشهيرة لحكومة فؤاد السنيورة، ولا تنتهي بمعزوفة “السلاح لحماية السلاح”، ولا بحياكة الأساطير حول وأد الفتنة ومنع الحرب الأهلية. لكنّ الثابت الأهمّ يكمن حصراً في قابليّة الحزب أساساً لاستخدام هذه الورقة، ولو تحت سقف الضرورات التي تبيح المحظورات، وهو ما يعني عمليّاً أنّ السلاح نفسه قد تحوّل إلى أداة ضغط، وإلى حجر زاوية في أيّ معادلة سياسية.
عند هذه النقطة، تحديداً، يقع الحدّ الفاصل بين حزب الله الذي كنّا نخشى استدارته نحونا، وبين حزب الله الذي استدار بالفعل. لذا سيظل أيّ تبرير، مهما عظم شأنه، قاصراً عن مواكبة هذه الحقيقة المطلقة التي طبعت وجه لبنان مذّاك، واستحالت الحاضرَ الدائمَ في الخلفيّة العميقة لكل القوى السياسية، التي أيقنت أنّ حزب الله بات يحجز مقعدين على طاولة النظام، واحداً لوجهه السياسي المتزهّد والموارب، وآخرَ لقوّته العسكرية الضاربة.
قد يبرّر حزب الله تدخّله العسكري، لتغيير الواقع السياسي آنذاك، بجملة من الأسباب الموجبة، والتي قد تبدأ بالقرارات الشهيرة لحكومة فؤاد السنيورة، ولا تنتهي بمعزوفة “السلاح لحماية السلاح”، ولا بحياكة الأساطير حول وأد الفتنة ومنع الحرب الأهلية
عقب الأحداث تلك، أخذ التوازن الداخلي يختلّ على نحو فظيع لصالح حزب الله، بدءاً من اتفاق الدوحة الذي قرّش انتصاره وسمح له بالقبض على القرار السياسي عبر الثلث المعطِّل، ولاحقاً عبر وزارة المال، مروراً بفرض رئيسٍ للجمهورية يدور في فلكه، وصولاً إلى قطف الأكثرية في المجلس النيابي. فكان ذلك إيذاناً بإزالة الخيط الرفيع الذي كان يفصل بين الدولة والدويلة، بل بالدمج بينهما على نحو لا يحتمل النقاش أو التأويل، حيث استحال لبنان وحزب الله وجهين لعملة واحدة، وهنا تماماً يكمن أصل الكارثة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.
لكن بعيداً من المفاعيل السياسية. بعض الأحداث تُحفر بالأزاميل في ذمّة التاريخ، لتكون درساً وعبرةً وشاهداً، ولتؤسّس في عميق وعينا وتفكيرنا مجموعة من الخلاصات الموثّقة والمؤكّدة، وعلى رأسها تحوُّل حزب الله، بفعلته تلك، من مشروعٍ للمقاومة إلى ما يشبه قوّة احتلال، بعدما أضاف اسمه إلى قائمة تضمّ أسماء الذين اجتاحوا بيروت واعتدوا على كرامة أهلها، من حافظ الأسد إلى أرييل شارون، وهذا عارٌ سيبقى أبداً فوق جبين أصحابه، ولن يغسله أيّ شيء على الإطلاق.
في مثل هذا اليوم منذ ثلاثة عشر عاماً توهّم حزب الله أنّه هزم بيروت، قبل أن يعود ويدرك أنّها كشفته وأصابته في مقتله.
للقصّة تتمة ننشرها في 11 أيّار: من اغتال الداعية عمّار في الشويفات؟ (علّام ناصر الدين)