تحقيقات - ملفات

21 طلقة من جنوب لبنان: حزب الله يُرحِّب برئيسي

ابراهيم ريحان –

بـ21 طلقة صاروخية، رحّب فيلق حزب الله في الحرس الثوري الإيراني بالرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي. 21 صاروخاً انطلقت من جنوب لبنان باتجاه مزارع شبعا، المختلطة هويّتها بين “لبنانية” و”سورية”، في ظلّ “احتلال إسرائيلي” لا لبس فيه.

هكذا إذاّ، ومن سواحل الخليج العربيّ وبحر عُمان وحرب النّاقلات، وعلى وقع الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان والعراق، والغارات الإسرائيليّة على مواقع حزب الله في سوريا، دخَل الجنوب المَشهدَ مُجدّداً من أوسع الأبواب.

21 طلقةً حاول حزب الله أن يصيبَ من خلالها أكثر من هدَفٍ في لحظة واحدة.

فعلى الرّغم من الوضع الاقتصاديّ المُنهار، والفراغ الحكوميّ، أطَلّت راجمة الصّواريخ مستهدفةً “أراضٍ مفتوحة” في “جبل دوف” في منطقة مزارع شبعا المُحتلّة. وذلك ردّاً على الغارات الإسرائيليّة على أراضٍ مفتوحة ليل الخميس الماضي، بحسب البيان الصّادر عن حزب الله.

قال الخبير العسكري والعميد المُتقاعد نزار عبد القادر لـ”أساس” إنّ ما حصَل يُعدُّ “لعباً بالنّار”، وإنّه يخشى “مؤامرةً” عبر تّحرّش حزب الله بالعدو الإسرائيليّ لجرّه إلى معركة

سبقَ صواريخ الجمعة عمليّةٌ أخرى بإطلاق 3 صواريخ “يتيمة دون مُتبنٍّ” نحو مستوطنة كريات شمونة المُحاذية للحدود. كانت هي السّبب المباشر لاستهداف الطّائرات الحربيّة الإسرائيليّة لـ”الأراضي المفتوحة”، في سابقة استعمال الطيران للقصف، منذ حرب تموز 2006.

لكن، لا بدّ من التّوقّف عند محطّات عديدة سبَقت أو تزامَنَت مع عمليّة حزب الله في مزارع شبعا.

أوّلاً: ما يجري في بحر عُمان والخليج العربيّ وقواعد الاشتباك الإسرائيليّ – الإيرانيّ.

تواجه إيران مُنذ أيّامٍ ضغطاً دوليّاً على خلفيّة العمليّة التي استهدفَت ناقلة نفطٍ إسرائيليّة في منطقة بحر عُمان في محاولة لفرض قاعدة اشتباكٍ جديدة عنوانها “الغارات على إيران أو أذرعها في سوريا سيُقابلها ردّ في البحر”.

أسفَرَ الهجوم عن مقتلَ مواطِنَين بريطانيّ ورومانيّ من طاقمها. وهنا، كانت القيادة الإسرائيليّة، ومعها حليفاها الأميركيّ والبريطانيّ، يتحدّثون بوضوح عن ضرورة “الرّدّ” على عمليّة بحر عُمان. وكذلكَ يدخُل في الإطار نفسه التّصريح، الذي أدلى به وزير الدّفاع الإسرائيليّ بيني غانتس، عن أنّ طهران صارت قريبة جدّاً من إنتاج أوّل قنبلةٍ نوويّة، وأنّ جيشه على استعدادٍ للتّدخّل ومنعها من ذلك.

كانت الصّواريخ الـ3 اليتيمة يوم الأربعاء رسالة واضحة تُفيد أنّ أيّ هجومٍ على إيران سيُقابله ردٌّ من كلّ السّاحات التي تُهيمن عليها طهران عبر أذرعها.

وبعد الصّواريخ التي استهدفت كريات شمونة، كانت تلّ أبيب أيضاً تُحاول تثبيت قاعدة اشتباكٍ جديدة عبر الغارات التي استهدفَت “أراضي مفتوحة” في محاولةٍ منها لتطبيق السّيناريو السّوري بضرب أهدافٍ تابعة للحزب في الأراضي اللبنانيّة في مرحلة لاحقة. وهنا، جاءَ الرّدّ من قبل الحزب لتثبيت القواعد القائمة منذ ما بعد حرب تمّوز 2006. وهذا يؤكّده أيضاً اختيار الحزب لمنطقة مزارع شبعا المُحتلّة كمسرحٍ للرّدّ.

ثانياً: تنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران. وذلك، قبل 24 ساعة من عمليّة إطلاق الصّواريخ. وهنا، تجدُر الإشارة إلى مدى الارتباط التّاريخي بين الحزب والرّئيس الإيرانيّ الجديد الذي كان يعمل على تمويل الحزب ومشاريع أنفاقه من أموال المراقد الدّينيّة التي كانَ يُشرف عليها، وخصوصاً مزار الإمام الرّضا في مدينة مشهد.

وربّما تعمّد حزب الله أن يُطلقَ 21 صاروخاً، لا أكثر ولا أقلّ، كمراسم ترحيبٍ بالرّئيس الجديد في الجمهوريّة الإسلاميّة.

ثالثاً: جاءَ في بيان الحزب بُعيدَ العمليّة أنّ مجموعات “الشّهيدين علي كامل محسن ومحمّد قاسم طحّان” هي مَن قامت بإطلاق الصّواريخ. ويتبيّن من هذه الكلمات أنّ حزب الله أرادَ استغلال العمليّة ليردّ أيضاً على مقتَل عنصريه “محسن وطحّان” اللذين قُتلَ أحدهما في غارة في سوريا قبل سنة، والآخر في منطقة الشّريط الحدودي أثناء الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على قطاع غزّة.

ويقول مراقبون إنّ الغارات الإسرائيليّة جاءَت كحبل خلاصٍ للحزبِ ليُنفّذ تهديده بالرّدّ بعدما قُيّدَت حركته بفعل تهديدات الجيش الإسرائيلي بردّ غير متوازن وغير متوقّع في حال قتَل الحزب أحد عناصره.

رابعاً: التّمديد لقوّات الطّوارئ الدّوليّة اليونيفيل، والجدل السّنويّ حول تعديل مهامّها. وعبر العمليّة، يُرسِلُ الحزب رسالةً إلى المجتمع الدّوليّ أنّه غير معنيّ بمهامّ اليونيفيل. إذ إنّ العمل العسكريّ جنوب الليطاني ووجود السّلاح في المنطقة هما بعينهما خرقٌ للقرار 1701 الذي انتشرت اليونيفيل على أساسه بعد حرب تمّوز 2006.

كانت الصّواريخ الـ3 اليتيمة يوم الأربعاء رسالة واضحة تُفيد أنّ أيّ هجومٍ على إيران سيُقابله ردٌّ من كلّ السّاحات التي تُهيمن عليها طهران عبر أذرعها

العميد عبد القادر: هناك مخطّطٌ لتدمير المطار…

الخبير العسكري والعميد المُتقاعد نزار عبد القادر قال لـ”أساس” إنّ ما حصَل يُعدُّ “لعباً بالنّار”، وإنّه يخشى “مؤامرةً” عبر تّحرّش حزب الله بالعدو الإسرائيليّ لجرّه إلى معركة، خصوصاً مع قصف مُستعمرة كريات شمونة قبل أيّام قليلة، مشيراً إلى أنّه “لا يوجد لدى المراقبين قرينة تقنعهم أنّ حزب الله لا يقف وراء إطلاق الصّواريخ اليتيمة”.

وعبّر العميد عبدالقادر عن خشيته من وجود مخططٍ يهدفُ إلى تدمير مطار رفيق الحريري الدّوليّ بعد مرفأ بيروت. وبحسب حديثه لـ”أساس” يصير لبنان محاصراً من الجوّ والبحر والبرّ بسبب الطريق المقطوعة مع سوريا. وهذا ما يحوّل لبنان إلى “غزّة 2” وقاعدةٍ مفتوحة لاستهداف إسرائيل لتنفيذ أجندات إيران التي تستثمر حالات عدم الاستقرار في المنطقة.

واعتبر العميد المُتقاعد أنّ “استخدام الجيش الإسرائيلي لسلاح الجوّ قبل أيّام قد يدلّ على نيّة إسرائيليّة للتصعيد، وربّما الذّهاب نحو الحرب. وهذا ظهرَ جليّاً أكثر من مرّة في كلام وزير الدّفاع الإسرائيلي وقائد الجيش الأسبق بيني غانتس”.


وأكّد عبد القادر أنّ “أمن منطقة الجليل هو أولويّة في العقيدة الإسرائيليّة. إذ كان الهدف، منذ نشأة الكيان، أن تكون هذه المنطقة الأكثر ازدهاراً واستقراراً، ولذلك لن يقف الإسرائيليون مكتوفي الأيدي في حال تعرّض هذا الأمن للخطر”.

على وقع الصّواريخ، دخل الجنوب بوّابة الصّراع الإقليمي – الدّوليّ. فهل تحمل الأيّام المُقبلة تثبيت قواعد الاشتباك القائمة منذ صيف 2006 أم يكون صيف 2021 موعد انهيارها؟

الأيّام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة…

*النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى