الحدث

في ترويج لبقاء القوات الأمريكية في المنطقة.. المخابرات الأردنية تزعم احباط مخطط لـتنظيم “داعش” الأمريكي يستهدف قتل جنود إسرائيليين على الحدود.

يبدو ان زيارة الملك الأردني قبل ايام لواشنطن قد تضمنت اتفاقاً بالترويج لضرورة بقاء القوات الأمريكية في المنطقة تحت ذريعة التهديد الأمني لتنظيم داعش الإرهابي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو أن المخابرات الأردنية قد انخرطت فعلياً في المخطط الأمريكي الجديد خصوصاً وان بقاء القوات الأمريكية في المنطقة وفي سوريا والعراق تحديداً يواجه رفضاً شديداً من قبل فصائل المقاومة في الحشد الشعبي العراقي و في الشمال السوري.

وعليه فقد أوردت دائرة المخابرات العامة الأردنية، أنها احبطت مخططا لأربعة عناصر من “داعش”، استهدف قتل جنود إسرائيليين قرب الحدود الأردنية في منطقة غور الصافي في فبراير الماضي.

وأفادت صحيفة “الرأي” الأردنية، مساء الاثنين، بأن لائحة اتهام صادرة عن نيابة أمن الدولة كشفت أن المتهمين الأربعة يواجهون تهمتي “المؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابية”، و”الترويج لأفكار جماعة إرهابية”، وهم يحاكمون لدى محكمة أمن الدولة.

وأوضحت أن المتهمين الأربعة تربطهم علاقة صداقة، وهم من المؤيدين لتنظيم “داعش” والقائمين على نشر فكره، حيث اتفقوا فيما بينهم على ضرورة “تنفيذ عمليات تثير الرعب بين الناس نصرة للتنظيم الإرهابي داعش”، وفق ما ورد في لائحة الاتهام.

كما طرح المتهمون عدة أهداف، وفقا للائحة الاتهام، منها استهداف أحد المشعوذين في مدينة إربد، واستهداف اليهود المتواجدين في الأردن، والجنود الإسرائيليين على الحدود الأردنية الإسرائيلية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الجهد الاستخباري والعملياتي لرجال المخابرات العامة أسفر عن كشف أفراد تلك الخلية والقبض عليهم، ما حال دون تمكنهم من إتمام مخططهم الذي كان سيبدأ بالاشتباك مع حرس حدود الجيش الأردني بالأسلحة النارية، تمهيدا للوصول للجنود الإسرائيليين وقتلهم.

داعش وإسرائيل: أبعاد التحول في المواقف ومآلاته

وفي دراسة أعدها “محمد خلفان الصوافي” المتخصص في العلاقات الدولية أوضح أنه في يناير الماضي (2020)، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلامياً باسم “داعش”، بدء مرحلة جديدة مما وصفه بـ “الجهاد” تستهدف تدمير إسرائيل، ليفتح بتلك الخطوة، إن باشرها بالفعل، مسرح عمليات مختلف، وساحة جديدة لإعادة إحياء الظاهرة “الجهادية” فكرياً وحركياً.

فحسب البيان الذي جاء على لسان المتحدث باسم التنظيم أبو حمزة القرشي بعنوان: “دَمَّرَ اللهُ عليهم وللكافرين أمثالُها”، والذي أذاعه في تسجيل صوتي مطول بلغت مدته 37 دقيقة، بثته مؤسسة “الفرقان” أحد الأذرع الإعلامية للتنظيم [1]، قال القرشي إن “زعيم داعش الجديد أبا إبراهيم الهاشمي القرشي عزم على نفسه وإخوانه المجاهدين.. على مرحلة جديدة ألا وهي قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين”.

ودعا البيان من أسماهم “جنود الخلافة” إلى ضرب دولة إسرائيل، خصوصاً المستوطنات، وإفشال خطة السلام الأمريكية، والمعروفة إعلامياً باسم “صفقة القرن”. وخص البيان بالذكر فرعي التنظيم في سيناء (ولاية سيناء) وسوريا (ولاية الشام) داعياً إياهما إلى قصف إسرائيل وجعلها أرضاً لتجربة أسلحتهم “الكيماوية”. كما اتهم البيان نفسه حركة حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى بـ “الردة والعمالة”لتقاعسها عن الجهاد في مواجهة إسرائيل.

وإذا كان الاتهام بالردة والعمالة ليس جديداً على خطاب “داعش” سواءً في ما يتعلق بحركة “حماس” أو بغيرها من الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى، فإن ما يجدر التوقف عنده في بيان التنظيم الأخير ، هو كونه لم يقتصر على اللغة العربية أو الإنجليزية، وإنما تم نشره باللغة العبرية أيضاً؛ وهذه مسألة لافتة، في ظل حقيقة أن البيان موجه في المقام الأول، إلى عناصر التنظيم والموالين له، وهم يتحدثون العربية أو الإنجليزية.

ومعنى استخدام اللغة العبرية أن الرسائل المُضَمنة في بيان التنظيم الأخير ، أو على الأقل إحداها، موجهة مباشرة نحو المتلقي الإسرائيلي، وتستهدف في المقام الأول بث الرعب والخوف في نفوس الإسرائيليين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان حقيقة أن الدعاية والحرب النفسية تشكل واحدة من استراتيجيات التنظيم الرئيسة، ويعتمد عليها التنظيم إلى حد كبير للتأثير في تحقيق أهدافه واستقطاب المتطرفين.

كما أن لتوقيت البيان دلالة مهمة في سياق الوضع الحالي، سواء المتعلق بالتنظيم ذاته أو معطيات المشهد الإقليمي. فقد صدر البيان قبل قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان خطته الجديدة للسلام في الشرق الأوسط، وهو توقيت يحمل دلالة مهمة، ولاسيما في ما يتعلق بمحاولة التنظيم استغلال حالة السخط والتذمر في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية جراء هذه الصفقة، في بناء قاعدة دعم شعبي له من الساخطين على الصفقة حتى قبل أن تعلن تفاصيلها، بدعوى أنها تهدر كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أزمة تنظيم “داعش” المتفاقمة:

لا يمكن فهم حقيقة وأبعاد تهديدات داعش الجديدة تجاه إسرائيل بمعزل عن أزمة التنظيم المتفاقمة وسعيه للبحث عن مخارج غير تقليدية للتقليل من وطأة هذه الأزمة؛ فالتنظيم يمر بأزمة عنيفة ممتدة تكاد تعصف به بدأت قبل عامين مع نجاح الحملة العسكرية التي باشرها التحالف الدولي في القضاء على “دولة الخلافة” التي أنشأها انطلاقاً من العراق.

وتفاقمت هذه الأزمة بمقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية على مخبئه في سوريا في أكتوبر عام 2019، ما انعكس سلباً على علاقة قيادة التنظيم المركزية والفروع التابعة له (الولايات) والجماعات الأخرى الموالية أو المتوافقة مع التنظيم كلياً أو جزئياً، ولاسيما أن اختيار إبراهيم المهاجر القرشي زعيماً جديداً للتنظيم أو بالمصطلح الداعشي “خليفة للمسلمين”، قوبل بتحفظ من بعض المجموعات الموالية وصل إلى حد رفض بعضها تقديم البيعة له[2] ما كان له أثر سلبي على قوة التنظيم وتماسكه، وكذلك معنوياً من خلال تراجع هيبة التنظيم واهتزاز صورته الذهنية بوصفه الكيان الأكبر الذي يرفع راية “الإسلام” والمظلة الأوسع لكل “الجهاديين” الإسلاميين في العالم.

قبل هذه الأزمة، كان تنظيم الدولة قد شهد توسعاً لافتاً وأصبح له تواجداً في كل من العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، واليمن، والسعودية، والجزائر، والصومال، وخراسان، والقوقاز، والفلبين، وغرب إفريقيا (نيجيريا). كما قام بإعلان دولة الخلافة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، ليلي ذلك قيام العديد من الجماعات المتطرفة عبر العالم بإعلان مبايعتها له؛ ولكن مع دحر التنظيم في العراق وسوريا، وإسقاط خلافته المزعومة، وملاحقة قادته وعناصره وخلاياه في كل مكان تقريباً، بدأ التنظيم يدخل في مرحلة الأزمة الممتدة، وهو ما انعكس من خلال عودة تنظيمات متطرفة أخرى – مثل “القاعدة” – إلى الظهور مجدداً.

وقد تعقدت أزمة التنظيم بصورة أكبر وأخذت تتحول إلى تحدي مصيري له، خاصة مع استعادة الجيش التابع للنظام السوري مساحات كبيرة من الأراضي السورية، وفرض سيطرته على كثير من المناطق والمدن التي كانت تمثل نقاط تمركز لعناصر هذا التنظيم، وغيره من الجماعات المسلحة أخرى. وزاد من وطأة تلك الأزمة على التنظيم خروج عدد من التنظيمات والجماعات المسلحة الأخرى في سوريا من ساحة القتال، سواء ضد النظام أو الأطراف الأخرى المتواجدة على الساحة السورية، بفعل الضربات المتتالية التي أنهكت معظم تشكيلات تلك الجماعات والفصائل، فضلاً عن دخول بعضها في اتفاقات هدنة أو مصالحات بينية؛ ورغم أن علاقة التنظيم بتلك الجماعات المسلحة تنافسية وصراعية في أكثر الأوقات، وحدثت مواجهات مباشرة مع بعضها أكثر من مرة، إلا أن خروج الفصائل المسلحة من معادلة الصراع العسكري في سوريا، زاد من أعباء ومأزق “تنظيم الدولة” نتيجة توجيه مزيد من الموارد والجهود العسكرية من قبل النظام السوري والأطراف الأخرى لاستهداف التنظيم وتصفية ما تبقى له من جيوب في الأراضي السورية.

واكتملت – تقريباً – حلقة التضييق والحصار على تنظيم “داعش”، بالتوغل العسكري التركي داخل الأراضي السورية، فبعد أن كان التنظيم يقدم لأنقرة مكاسب ومصالح غير مباشرة، عبر استهدافه قوات النظام السوري وتحجيم خطر الذراع العسكري للأكراد السوريين “قوات سوريا الديمقراطية/قسد” سمح التواجد العسكري المباشر لأنقرة بالعمل على هذين المسارين بشكل ذاتي دون حاجة إلى وسيط متمثل في التنظيم أو غيره.

دوافع التهديد الداعشي لإسرائيل وأهدافه

أمام تحدي الاستمرارية والبقاء، بدأ تنظيم “دعاش” يبحث عن سبل البقاء واستعادة الحضور والتأثير. وبفعل التطورات الجيواستراتيجية المتتالية والضربات المتلاحقة التي تعرض لها، تأكد للتنظيم مدى صعوبة العودة إلى العمل والتحرك في مسرح العمليات نفسه الذي شهد هزيمته وانتهاء “دولته” وتشتت أوصاله، ومن هنا جاء لجوء التنظيم إلى إعلان الاتجاه نحو ساحة “جهاد” جديدة.

منذ ولادة تنظيم “داعش” من رحم تنظيم “القاعدة”، لم يُثبت التنظيم أي جدية في استهداف دولة إسرائيل. لذا فإن الإعلان مؤخراً عن رفع راية “الجهاد” لتحرير القدس، يصب في اتجاه نية التنظيم تحقيق حزمة من الأهداف، بعضها عاجل وبعضها الآخر غير مباشر:

أولاً – الأهداف العاجلة ذات الأولوية وتتمثل في هدف الحفاظ على التنظيم من الفناء عبر استنهاض الروح القتالية والحس “الجهادي” لدى عناصره التي أصابها الإحباط، ومجموعاته المقاتلة التي تم تشتيت أوصالها بالمعنيين المادي والمعنوي، ولا حافز لإنعاش الروح القتالية عند أفراد التنظيم، أقوى من محاربة “اليهود المغتصبين” للمقدسات الإسلامية. كما أن التركيز على إسرائيل، ربما يحقق لداعش هدفاً آخر يتمثل في التخفيف ولو نسبياً من عمليات الملاحقة التي ما يزال التنظيم يتعرض لها خصوصاً في سوريا؛ فوضعه إسرائيل هدفا قد يجعل النظامين السوري والإيراني وبعض القوى الأخرى في هذه المنطقة أقل معاداة للتنظيم، بل وربما النظر إليه باعتباره ورقة قابلة للتوظيف والاستخدام بأشكال متعددة في سياق إدارة العلاقات والتفاعلات بين هذه الدول وإسرائيل، سواء في ما يتعلق بالوضع في سوريا حالياً ومآلاته المستقبلية، أو في المسارات الثنائية المباشرة لعلاقات كل منها مع تل أبيب.

ثانياً – الأهداف غير المباشرة وتأتي على رأسها استعادة وَلاء بعض الفروع والفصائل التي لم تقدم البيعة لزعيمها الجديد إبراهيم المهاجر، فضلاً عن إمكانية إقدام جماعات أخرى جديدة على مبايعة التنظيم، وذلك نظراً لما تحتله فكرة “الجهاد” ضد اليهود وتحرير القدس، من إجماع واتفاق بين الجماعات والفصائل الإسلامية، خصوصاً تلك التي تتبنى منهج الجهاد المسلح.

ونظراً لمكانة القدس لدى المسلمين والوضعية الخاصة للصراع مع إسرائيل في الذهنية العربية والإسلامية، فإن استهداف دولة إسرائيل تحت شعار الغيرة على المقدسات وعلى رأسها القدس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي و”صفقة القرن”، يعد مدخلاً للتأثير على الرأي العام العربي والإسلامي باستخدام العاطفة الدينية.

“العدو البعيد” في الفكر والأداء الداعشي:

من أبرز الخصائص المميزة لفكر تنظيم “الدولة الإسلامية” أو (داعش)، اختياره ممارسة “الجهاد” بدءاً بـ “المشركين” من الشعوب والحكومات الإسلامية، في ما يطلق عليه في الفكر الأصولي “جهاد العدو القريب”، على خلاف تنظيمات أخرى، خصوصاً القاعدة التي وضعت “جهاد العدو البعيد” أي محاربة “الكفار” أو غير المسلمين، وتحديداً الحكومات والمقاتلين، على رأس أولوياتها.

وبالرغم من تركيز “داعش” على فكرة “العدو القريب”، فإن ذلك لم يمنعه من تنفيذ بعض العمليات التي كانت تستهدف الغرب بين فترة وأخرى، ولكن جهاد “العدو البعيد” لم يكن بالنسبة للتنظيم إلا خياراً بديلاً، يلجأ إليه عند الضرورة. وقد سبق للتنظيم الإقدام على هذه الخطوة كلما وجد نفسه في حاجة إلى إحياء شعاره (باقية وتتمدد)، مع الاضطرار إلى تعويض البقاء والتمدد المادي والجغرافي، بآخر معنوي من خلال عمليات تستهدف الغرب ومصالحه، وبالتالي العودة إلى المشهد العالمي، انطلاقاً من افتراضه أن تلك العمليات تمثل رداً كافياً على فكرة أن التنظيم يحتضر[3].

كما يسعى التنظيم من خلال القيام بعمليات ضد الغرب بشكل متقطع، إلى استثارة وتحريض اليمين الأوروبي، حتى يندفع إلى خطوات عنصرية وإقصائية بل وأعمال عنف واضطهاد ضد الجاليات المسلمة، لكي يضطر أبناء تلك الجاليات وغيرهم من المسلمين ذوي الأصول الغربية، إلى الانفصال عن تلك المجتمعات واللجوء إلى التنظيم. كما حدث في أوج نشاطه القتالي في عام 2015، إما بالانتقال الفعلي إلى مناطق تمركزه والانضمام إلى عناصره المقاتلة هناك، أو بمبايعته والانتساب إليه عن بعد. فوفقاً لرؤية التنظيم التي أعلنها صراحة، فإن عمليات استهداف الغرب “ستجبر الصليبيين على تدمير المنطقة الرمادية بأنفسهم وسرعان ما سيجد المسلمون في الغرب أنفسهم بين أحد خيارين: إما الارتداد، أو أن يهاجروا إلى داعش”([4]).

مفاد ذلك، أن الغرب وغير المسلمين أو “العدو البعيد” عند تنظيم الدولة، ليس هدفاً أصيلاً بذاته. وإنما فقط يجري اتخاذه هدفاً دعائياً وظاهرياً للجهاد، بغية استقطاب أتباع جدد للتنظيم. ولتكريس صورة ذهنية عن التنظيم أكبر وأقوى من حقيقته. وكل ذلك يجري على سبيل الاستثناء الاضطراري وليس كاستراتيجية ثابتة.

من هذا المنطلق يمكن النظر إلى التهديد الداعشي الأخير بضرب إسرائيل، من أحد زاويتين:

الأولى أننا أمام تحول حقيقي في الفكر الأيديولوجي لتنظيم داعش من محاربة “العدو القريب” إلى مواجهة “العدو البعيد”، وهو ما يجعله يقترب من فكر تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المشابهة لها، ولاسيما مع فشل مشروعه في التأسيس لدولة الخلافة. وفي هذه الحالة تكون التهديدات لإسرائيل حقيقية؛

والثانية، أننا أمام محاولة للمراوغة ومحاولة كسب التعاطف مع التنظيم من خلال التهديد لإستهداف إسرائيل، من دون حدوث تحول حقيقي في فكره الأيديولوجي الذي يركز على مفهوم “العدو القريب”، من دون استبعاد تنفيذ بعض العمليات “الدعائية” التي تستهدف “العدو البعيد”، لتحقيق أهداف محددة.

إسرائيل وداعش: العلاقة الملتبسة

بث أبو مصعب الزرقاوي في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق – أبريل 2003 أول خطاب متلفز له بعنوان “هذا بلاغ للناس” قال فيه: “نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس″؛ وبعد سبعة عشر عاماً، عادت العبارة نفسها مجدداً إلى خطاب التنظيم، بلسان المتحدث باسمه أبو حمزة القرشي، الذي استند إليها في الإشارة إلى تغير منهجية وآلية “الجهاد” الخاصة بالتنظيم، لتعمل بدلاً من طريقة تعاقب المراحل، بأسلوب المسارات المتوازية وبشكل متزامن، حيث تجتمع وتتقاطع معاً نطاقات “الجهاد”، محلياً وإقليمياً وعالمياً. كما تتنوع الأشكال والأدوات والأهداف، حسب المتاح والمستطاع.

وكرّر التنظيم عام 2015 خطابه الخاص باستهداف إسرائيل أكثر من مرة؛ منها مرتان في شهر أكتوبر في تسجيل مرئي لعناصر من التنظيم توجه تهديدات لإسرائيل باللغة العبرية، ومرة في ديسمبر من العام نفسه من خلال تسجيل صوتي لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي [5]. وبمرور الوقت دون القيام بأي عمليات فعلية ضد إسرائيل، تأكد أن تهديدات التنظيم لإسرائيل، لم تكن سوى “إعلان نوايا” مؤجلة التنفيذ.

وتم في 6 فبراير 2017 إطلاق بضعة صواريخ على مدينة إيلات البحرية في عملية محدودة التأثير والخسائر، ولم تعنِ أي تحول في موقف تنظيم “داعش” الثابت بتجنب استهداف إسرائيل، لكنها قدمت لإسرائيل خدمة كبيرة؛ إذ تلقفتها تل أبيب واتخذتها مرتكزاً لتعزيز الخطاب الرسمي والإعلامي الذي ينتهج “دعشنة” ووصم أية عمليات ضدها من قبل الجماعات الفلسطينية بالإرهاب، بهدف إزالة أي تعاطف أو “تفهم” لدوافع تلك العمليات، التي ينظر إليها فلسطينياً على أنها عمليات مقاومة مشروعة. وفي المقابل، يوظف تنظيم داعش ذلك الخطاب الإسرائيلي، في الدعاية والترويج لصورته كتنظيم يعادي اليهود ويسعى إلى تحرير المسجد الأقصى[6].

من جانبها لم تخف النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية مخاوفها بشأن المخاطر التي تشكلها “داعش” على إسرائيل ومستقبلها، حيث وَصفت الكثير من التقارير الاستخباراتية والإعلامية الإسرائيلية تنظيم الدولة بأنه خطر داهم على إسرائيل، ومن ثم اتخذت حكومة تل أبيب العديد من الإجراءات في السر والعلن لمواجهة التهديدات المحتملة من التنظيم، فعززت وجود قوات جيشها عند الحدود مع الجبهتين السورية والأردنية، وأصدرت قانوناً يصنف تنظيم “داعش” في قائمة “المنظمات الإرهابية”. كما أبدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استعداد “إسرائيل” للانخراط ضمن “التحالف الدولي “المناهض لـ”داعش”، وتقديم التعاون الاستخباريّ المعلوماتي، للتحالف في الحرب ضد هذا التنظيم ، واعتبرت أن اختراق المجموعات المتطرفة الموجودة في سيناء للحدود مع إسرائيل أكثر من مرة، يشكل خطراً كبيرا.

ومع ذلك فقد أثار عدم استهداف داعش لإسرائيل الكثير من التكهنات والجدل، ودفع كثيرين ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة إلى الحديث عن وجود “تعاون” أو “تحالف” ما بين داعش وإسرائيل، ولاسيما في ضوء بعض المواقف والتصريحات ذات الدلالة بهذا الشأن؛ ففي أبريل 2017، فجر موشيه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي السابق مفاجأة، بأن بلاده تلقت “اعتذاراً” عن قيام عناصر موالية للتنظيم بإطلاق قذيفة صاروخية من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل. ووفقاً ليعالون، فهي (مرة واحدة التي تم فيها إطلاق النار على إسرائيل من أحد مواقع “داعش”، وتم الاعتذار على الفور من قبلهم)[7].

وفي العام نفسه تسرب إعلامياً أن ثمة تقديراً لدى الاستخبارات الإسرائيلية يرى إمكانية التحالف بين إسرائيل وتنظيم الدولة في سوريا. على خلفية الاشتراك في العداء لإيران، ما قد يخلق التقاء ولو مؤقت للمصالح بين الطرفين أمام طهران وحزب الله والقوات الحكومية السورية. خصوصاً بعد سقوط مشروع التنظيم بإقامة “دولة الخلافة الإسلامية”، وذلك على الرغم من احتفاظه بقدرات قتالية، واحتمالات عودته إلى أسلوب حرب العصابات[8].

وتوالت بعد ذلك إشارات ودلائل حول احتمال وجود علاقة ما بين “تنظيم الدولة” وإسرائيل، وتؤكد جميعها أن ثمة مسارين أو مستويين للعلاقة، أحدهما علني وهو العداء؛ حيث يصدر كل طرف للعالم ولأتباعه بصفة خاصة (الرأي العام في إسرائيل/والأعضاء والفروع والمبايعين للتنظيم) أن الطرف الآخر مصدر تهديد وجودي لا بد من مواجهته والقضاء عليه، بينما المستوى الثاني أنهما ليسا عدوين وأنه لا توجد تناقضات جوهرية فعلية في أهدافهما، بل على العكس، ثمة مصالح مشتركة ومساحات توافق على الأقل مرحلياً.

تكشفت أبعاد تلك الازدواجية وتفصيلات كثيرة منها، من خلال دراسة أصدرها عام 2018 مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية. تناولت تلك الدراسة دعم إسرائيل للتنظيمات والفصائل المسلحة الإرهابية في سوريا، وفي مقدمتها تنظيم الدولة “داعش”. وقدمت الدراسة أدلة تثبت انخراط إسرائيل في دعم التنظيم بشكل مباشر وغير مباشر، وبطرق ووسائل متعددة. فقد قدمت إسرائيل للتنظيم ما يمكن اعتباره دعماً اقتصادياً، يتمثل في شراء صادرات النفط من المناطق التي كانت تابعة لسيطرة التنظيم، عبر وسطاء. وتمرير أسلحة إسرائيلية إلى التنظيم وتسهيل نقل وعلاج المصابين من مقاتلي التنظيم بالمستشفيات العسكرية الإسرائيلية بالجولان، إضافة إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين لكي تستعيد تل أبيب 100 مقاتل من عرب إسرائيل المنضمين إلى التنظيم[9].

وجاء إعلان الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس ليؤكد أن “تنظيم الدولة” لا يضع القضية الفلسطينية ولا إسرائيل كأولوية له، حيث تجاهل هذا الحدث المهم بشأن القدس التي تمثل حجر زاوية في خطاب كل التنظيمات الإسلامية سواء الجهادية أو غيرها. ولم يبدر عن التنظيم أي رد فعل، سواء عند إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته تنفيذ قرار نقل السفارة، أو عند الإقدام على ذلك بالفعل.

ولكن مع تفاقم أزمة التنظيم الوجودية، بدأ يلجأ إلى استخدام الورقة الفلسطينية لكسب التعاطف والتأييد، وإعادة تأهيل نفسه شعبياً، وهو ما حدث في موقفه الأخير من “صفقة القرن” الأمريكية، حيث حاول التنظيم مجاراة موجة المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيين في هذا الملف المحوري عند العرب والمسلمين بصفة عامة، غير  أن التوظيف انحصر في نطاق الخطاب الحماسي فقط. أما حركياً، فلم يقم التنظيم بأي عمليات فعلية ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو مصالحهما.. لا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث المستوطنات التي ورد ذكرها في البيان. ولا في أي منطقة أخرى.

احتمالات المستقبل:

في ظل انتقال خطاب تنظيم الدولة إلى العزف على لحن “الجهاد” من أجل الأقصى وتحرير المقدسات في فلسطين. فإن المستقبل القريب قد يحمل نوعاً من الالتباس واختلاط الأوراق، بين تحركات ومواقف مختلف الجماعات والحركات التي ترفع راية “الجهاد”. فقد سبق للتنظيم أن تبنى عملية قام بها منتسبو “حماس″ و”الجهاد”. وقد يتكرر ذلك، أو يحدث العكس، بأن تقوم عناصر تابعة للتنظيم أو موالية له بعمليات، ثم تُنسَب إلى الحركات والفصائل المسلحة في الأراضي الفلسطينية.

وسيترتب على ذلك، اتساع دائرة الأطراف المعنية والمنخرطة في القضية الفلسطينية، ولو ظاهرياً. فضلاً عن زيادة وتعميق التداخل والتأثير المتبادل بين ملف الصراع مع إسرائيل، وغيره من القضايا والنزاعات الملتهبة أصلاً في المنطقة، خصوصاً في سوريا.

من ناحية أخرى، فإن استدعاء القضية الفلسطينية إلى الخطاب الداعشي، ولو من غير ترجمة حركية له، والاستخدام الدعائي والظاهري لشعارات مثل “تحرير القدس” وغيرها من مفردات ذلك الخطاب، ربما يفضي إلى تحريك وتأجيج نزعات المقاومة الفعلية ولاسيما لدى العناصر المتشددة في الجماعات الفلسطينية المسلحة. وعندها سيصعب التحكم في تلك النزعات ولن يستطيع أصحاب ذلك الخطاب التحريضي إعادة ذلك “العفريت” مجدداً إلى القمقم.

وفي مسار موازي، فإن خارطة التنظيمات والجماعات الإرهابية، ستتأثر بتلك التطورات في أكثر من اتجاه. أولها طبيعة وأسس العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية، وغيره من التنظيمات الإرهابية. خصوصاً تلك التي ترفع شعار مواجهة “العدو البعيد” وتستهدف الغرب أو تدعي استهداف إسرائيل. كذلك الأمر بالنسبة لعلاقة التنظيم بفروعه والولايات التابعة له، بما فيها تلك التي رفضت تقديم البيعة لخليفة أبي بكر البغدادي. فالأمر الواقع الجديد سيدفع تلك المجموعات إلى إعادة حساباتها. فتصوير موقف التنظيم من صفقة القرن، وخلق “مشهد جهادي” جديد يحتل التنظيم فيه موقع رأس الحربة والكيان “الجهادي” الوحيد الذي يتصدى لإسرائيل، قد يدفع تلك الفصائل المنشقة، إلى مراجعة موقفها وتجاوز أسباب عدم تقديم البيعة، والانضواء مجدداً تحت لواء التنظيم.

وخلاصة القول أنه على الرغم من العلاقة الملتبسة وغير الواضحة بين تنظيم الدولة وإسرائيل، فإن احتمالات حدوث تحولات مهمة في هذه العلاقة، وتحول داعش إلى خطر حقيقي على إسرائيل، تبدو ضعيفة، لسببين:

الأول أن استهداف داعش لإسرائيل سيزيد من حالة الضغط الدولي عليه، وهو ما قد لا يحبذه التنظيم في هذه المرحلة.

والثاني هو أن إسرائيل لديها خبرات تراكمية كبيرة في كيفية التعامل مع التنظيمات المسلحة، كما أنها تتمتع باستقرار أمني داخلي وبقوة أجهزتها الأمنية الداخلية، ما يجعلها محصنة داخلياً بصورة كبيرة على اختراق داعش. ولكن ذلك لن يزيل خطر داعش على إسرائيل بصورة كلية، ولاسيما إذا كان التنظيم جاد في تهديداته الأخيرة، حيث قد يستغل مناطق تمركز العناصر الموالية له في سوريا أو سيناء المصرية لشن ضربات مؤثرة ضد تل أبيب، وهو سيناريو لا تستبعده إسرائيل.

([1]) https://bit.ly/2IQ6NZP

([2]) https://bit.ly/38UtfvO

 ([3]) عمر عاشور، تنظيم الدولة.. هل غير استراتيجيته تجاه الغرب؟

http://cutt.us/WPVR0.

([4]) مرصد إسلاموفوبيا، التقرير الثامن، منظمة التعاون الإسلامي.

https://www.oic-oci.org/upload/islamophobia/2015/ar/reports/8th_Ob_Rep_Islamophobia_Final-AR.pdf

([5]) إسرائيل تهون من خطر داعش على أراضيها، موقع “Kurdistan24″، 2 يونيو 2016.

https://www.kurdistan24.net/ar/sport/20a864e7-1d10-47f4-b18e-8f0e47d12384

([6]) عباس ظاهر، “داعش” يخطط لسرقة القضية الفلسطينية، “النشرة” اللبنانية، 11 فبراير 2017.

https://www.amadps.net/ar/post/158838

[7] “داعش يعتذر لإسرائيل”، موقع روسيا اليوم، 23 أبريل 2017، على الرابط:  https://ar.rt.com/iqym

([8]) Yonah Jeremy Bob, Report: Israel, ISIS interests aligned against Iran, Jerusalem Post, 27 November 2017.

https://www.jpost.com/Middle-East/Report-ISIS-Israel-temporary-allies-against-Iran-515358

([9]) مرصد الافتاء: دراسة ترصد 7 أدلة على دعم إسرائيل لداعش، المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية، 23 يوليو 2018.

https://bit.ly/2IH3NiD

المصدر: متابعات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى